القانونُ والأخلاقُ
انتشرتْ صورةٌ لوزيرِ الداخليةِ؛ وهو يجالسُ امرأةً مريضةً على الرصيفِ؛ ويسألُها عن حالِها، ولاقتْ الصورةُ رواجاً كبيراً عبرَ (السوشيال ميديا)! وأنا مستغربةٌ من حجمِ المبالغةِ في تمجيدِ الرجلِ، أليس هذا واجبَه وعملَه، فلماذا كلُّ هذا الشكرِ؟!
وقبلَ أيامٍ انتشرَ فيديو آخَرُ لابنٍ ينَزِّهُ أُمَّه على كرسيٍّ متحركٍ، وأنا لم يلفتْ نظري الفيديو مطلَقاً؛ لأنّ العادي جداَ والأقلَّ من العادي أنْ ينزِّهَ الابنُ أمَّه التي لا تقوَى على المَشي!!
لكنْ ما لفتْ نظري كميةُ الاستهجانِ، والمشاركةُ للفيديو؛ وكأنّ العملَ الذي قام به الابنُ عملٌ بطولي!
ومِثلُ هذا الموقفِ حدثَ قبلَ أيامٍ؛ حينما سمعتُ أباً يتفاخرُ بابنِه الذي ينزلُ فيه لِمستوَى قدَمِ أمِّه؛ ليُجرّبَ لها حذاءً في السوقِ وأمامَ المارّة!! عفوًا ما الغريبُ في ذلك؟! لقد كانت تغيّرُ له “البامبرز”!!
هذه الأمثلةُ، تُعطينا فكرةً عن طبيعةِ الأخلاقِ التي وصلْنا إليها، وحجمِ التقصيرِ الذي يعاني منه كلَّ مسؤولٍ، بدءًا بالمسؤولِ في الوزاراتِ والمستشفياتِ؛ وحتى المسؤولِ في الأسرةِ والمدرسةِ، والبيتِ، كلُّ شيءٍ يحتاجُ إلى ثقافةِ الأخلاقِ، قبلَ ثقافةِ الواجبِ.
يبدو أنّ الاحتلالَ وتبعاتِ الحروبِ نزعتْ من قلوبِنا الرحمةَ والأخلاقَ؛ لأنّ المسؤوليةَ لا تُطبّقُ فقط بالقانونِ، الأمرُ يحتاجُ إلى أخلاقٍ.
وعلاوةً على أنّ القانونَ بائدٌ؛ ولا يعاقبُ المقصِّرَ على تقصيرِه، جاءت قلّةُ الأخلاقِ لتُكملَ القصةَ !
فعلى سبيلِ المثالِ: القانونُ يوجِبُ عليكَ أنْ تصرفَ نفقةً لابنِك في حضانةِ أمِّه، ولكنْ حينما يأتي الموعدُ تُماطِلُ، -مشكلةٌ في الأخلاقِ- وحينما يأتي رجلُ القانونِ ليُطالِبَكَ بالدفعِ؛ تبحثُ عن واسطةٍ لتتملّصَ- مشكلةٌ في الأخلاقِ- وحينما يُجبِرُكَ الجميعُ على الدفعِ؛ تبحثُ عن جاهةٍ لتقليلِ المصاريفِ أو تقنينِها -مشكلةٌ في الأخلاقِ-.
وأَذكرُ حينما أجبرتْ الحكومةُ الناسَ في حَجرِ “كورونا” على المكوثِ في منازلِهم؛ تَجاوزَ بعضُهم، لماذا؟! لأنَّ الشرطيَّ الواقفَ على قارعةِ الطريقِ لا يطبّقُ القانونَ، والواسطةَ تدخلُ في كلِّ شيءٍ، ولا إثباتَ أو إدانةَ عليه، أين المشكلة؟! -المشكلةُ في الأخلاقِ- .
وللعلمِ، الإثمُ على فِعلِ الخطأِ يبدأُ من النيّةِ على فعلِه_ وحتى لو لم تَفعلْهُ_ لأنّ المحاكمةَ على التقصيرِ في الأخلاقِ تبدأُ بالنوايا؛ بينما محاكمةُ القانونِ تبدأُ بالفعلِ، ولا فعلَ بدونِ نوايا، ولا قانونَ يُمكِنُ أنْ يطبّقَ إذا لم تُزَيِّنْهُ أخلاقٌ رفيعةٌ تساعدُ على تطبيقِه.
فإنْ كنتَ مُلزَماً بأمِّكَ وأبيكَ، بالمالِ والطعامِ والكساءِ اللائقِ، فإنَّ كلَّ ذلك يُجبِرُكَ عليه القانونُ؛ لكنّ القانونَ لا يجبرُكَ على أنْ تفعلَ ذلكَ بحُبٍّ، وأنْ تنزلَ إلى مستوى قدَمِ أمِّكَ لتقيسَ لها حذاءً، أخلاقُكَ هي التي تُجبِرُكَ.