مهندسونَ ينجحونَ في تطويرِ “روبوت” لحمايةِ مهندسي المتفجّراتِ ورجالِ الإطفاءِ

ما إنْ تنهي الحربُ أوزارَها؛ حتى تعيدَ الجهاتُ المختصةُ ترتيبَ أوراقِها وعناصرها من أجلِ تَفقُّدِ كلِّ منطقةٍ تمَّ قصفُها، وفحصِها من مخلفاتِ القصفِ التي رُبما لم تنفجرْ، أو أنَّ الاحتلالَ تركَها متعمّداً دونَ تفجيرِها بُغيةَ حصادِ الأرواحِ.
وبعدَ كلِّ عدوانٍ تفقدُ الجهاتُ المختصةُ بتفكيكِ المتفجراتِ بعضًا من عناصرِها المدرَّبينَ بكفاءاتٍ عاليةٍ؛ جراءَ انفجارٍ لصواريخَ ومعدّاتٍ لم تنفجرْ وقتَ الحربِ؛ كان آخرَها استشهادُ المهندسَينِ “أسامة جنينة، وأحمد أبو حصيرة” أثناءَ تفكيكِهم لأحدِ الصواريخِ في وسطِ القطاعِ.
ربورت مساعد
مؤسسةُ “شعاع” للعلومِ والتقنياتِ أخذتْ على عاتقِها ابتكارَ”روبوت” قادرٍ على التخفيفِ من حدّةِ الخطرِ الذي يحيطُ بمهندسي المتفجراتِ، ورجالِ الإطفاءِ؛ بعدَ رصدِهم لحوادثِ الموتِ التي يتعرضُ لها مهندسو المتفجراتِ ورجالُ الإطفاءِ؛ بعدَ خمسةِ أشهُرٍ من العملِ المتواصلِ أعلنتْ عن إطلاقِ أول “روبوت” مساعدٍ لأصحابِ المهمّاتِ الصعبةِ.
من جانبِه يقولُ “أحمد مقبل” المديرُ التنفيذي لمركزِ شعاع: “بعدَ كلِّ عدوانٍ، تتكشّفُ مخلّفاتُ الحربِ الأجسامَ المشبوهةَ والصواريخَ التي لم تنفجرْ، التي طالما تسبّبتْ بسقوطِ ضحايا من مهندسي المتفجراتِ والمواطنينَ، لافتاً إلى أنه في ظِلِّ ضعفِ الإمكاناتِ المتوفّرةِ لدَى فِرقِ هندسةِ المتفجراتِ، ورجالِ الإطفاءِ؛ مقابلَ ارتفاعِ مستوى الخطرِ الذي يواجهونَه، فإنّ “الروبوت” سيكونُ له فائدةٌ كبيرةٌ.
ويوضّحُ: “الروبوت قادرٌ على حملِ أوزانٍ ثقيلةٍ؛ قد تصلُ إلى خمسينَ كيلوجرام، ولدَيه خرطومٌ لإطفاءِ الحرائقِ بالماءِ، بالإضافةِ إلى إمكانيةِ مساعدتِه بإطفاءِ الحريقِ من خلالِ البودرةِ الجافةِ، ويمكنُ التحكّمُ “بالروبوت” عن بعدٍ.
ويتابعُ: مهمّةُ الروبوت “شعاع” أداءُ بعضِ المَهامِّ التي من المُمكِنِ أنْ تُعرّضَ حياةَ الأشخاصِ للخطرِ، مع توفيــرِ أقصَــى درجــاتِ الحمايــةِ للمُســتخدِمِ، وتسهيلِ وصولهِ إلى هدفِه بأمانٍ، مــع ضمــانِ كفــاءةِ الأداءِ، مُنبّهًا إلى امتلاكِه مجرفــةً أماميــةً، لإزالةِ العوائـقِ التـي يمكـنُ أنْ تعتـرضَ طريقَــه خلالَ تنفيــذِ المَهــام.
ليس الأول
ويضيفُ: “شعاع” ليس الأولَ الذي يبتكِرُه مهندسو المركزِ، كرمزٍ للصعودِ بالمواهبِ والإبداعاتِ والابتكاراتِ، منذُ ما يقاربُ خمسَ سنواتٍ؛ فقد كانت لهم العديدُ من التجاربِ السابقةِ التي شهدتْ النورَ؛ لكنها لم تكنْ في المستوى المطلوبِ، لكنْ هذه هي المرّةُ الأولى التي ينجحُ فيها مهندسو المركزِ فعليًا بابتكارِ “روبوت” بهذا المستوى من القدراتِ والدقّةِ والجودةِ؛ وهذا القدْرُ من الأهميةِ في مِثلِ أوضاعِ قطاعِ غزةَ التي لا تتوقفُ فيها الحوادثُ الخارجةُ عن إرادةِ الجميعِ، وعادةً المُسبّبُ فيها الاحتلالُ وتبِعاتُه.
وينوّهُ “مقبل” إلى أنّ غالبيةَ الموادِ المستخدَمةِ في صناعةِ “شعاع”؛ لجأَ إليها الفريقُ الهندسي إلى استخدامِ مخلّفاتِ بعضِ المركباتِ، والقِطعِ المستخدَمةِ؛ ذلك بسببِ صعوبةِ استيرادِ القِطعِ اللازمةِ نتيجةَ الحصارِ المفروضِ؛ وحتى مع بعضِ التسهيلاتِ الموجودةِ بينَ الفينةِ والأخرى؛ فإنّ كلَّ ما يتعلقُ بالتقنياتِ والتكنولوجيا يُمنعُ منعاً باتّاً من دخولِه عبرَ معبرِ “إيرز”، وفى الآوِنةِ الأخيرةِ أصبحتْ كلُّ التقنياتِ أو الأجهزةِ الإلكترونيةِ يُمنعُ دخولُها من معبرِ “رفح “؛ حتى وإنْ كانت لأغراضٍ إنسانيةٍ بَحتةٍ.
ويستطردُ: يُمكِنُنا أنْ نقولَ إنه خلالَ خمسةَ أشهُرٍ من العملِ؛ تمَّ تجميعُ “الروبوت” قطعةً قطعةً؛ حتى البطاريةَ التي تمَّ استخدامُها في الروبوت؛ هي من نوعيةِ (ليثيوم-أيون)، وُيرمَزُ لها بـ (Li-ion)؛ وهي نوعٌ من البطارياتِ القابلةِ للشحنِ، وقد تمَّ تجميعُها من عددٍ من الأجهزةِ الكهربائيةِ؛ لعدمِ توَفُّرِها في الأسواقِ، وأيضاً لعدمِ توافرِ بدائلَ من المُمكنِ أنْ تَسدَّ مكانَها؛ في حين نُدركُ أنّ هذه البطاريةَ يوجدُ في العالمِ ملايينُ البطارياتِ التي تُضايها جودةً وإمكاناتٍ.
سعادة وتحد
أمّا الفريقُ الذي أخرجَ الروبوت “شعاع” إلى النورِ؛ فيقولونَ بسعادةٍ بالغةٍ:” يستطيعُ “شعاع” الدخولَ لمناطقَ خطرةٍ؛ لا يستطيعُ رجالُ الإطفاءِ أو هندسةِ المتفجراتِ الوصولَ إليها؛ وهذا بحدِّ ذاتِه إنجازٌ كبيرٌ من شأنِه حمايةَ الكثيرينَ من الخطرِ .
ويُتابعونَ: “الحصارُ الإسرائيلي المفروضُ على قطاعِ غزةَ من أكثرِ المعيقاتِ أمامَ هذه الابتكاراتِ، التي يُمكِنُها أنْ تُسهّلَ الكثيرَ من مَهامِّ الحياةِ وتفاصيلِها الدقيقةِ، وعلى الرغمِ من ذلكَ كان هذا دافعاً أساسياً للبحثِ عن بدائلَ داخلَ القطاعِ؛ من شأنِها أنْ تسدَّ هذه الاحتياجاتِ، وهنا يمكِنُنا القولُ فعلياً: “الحاجةُ أمُّ الاختراعِ”، فأمامَ أهدافِنا الإنسانيةِ وجدْنا أنفسَنا نبتكرُ الحلولَ والإمكاناتِ بكُلِّ تَحدٍّ وقوةٍ وصبرٍ.
ويعتمدُ تمويلُ المؤسسةِ على بعضِ الدعمِ المَحلي من مُحبّي العلمِ، وداعمي الابتكارِ؛ “وهذا تَحدٍ إضافيٌ” يزيدُ من إصرارِ “مقبل” ؛الذي أكّدَ أنّ فريقَ “شعاع” يطمحُ للعملِ في مكانٍ أكبرَ مساحةً، بإمكاناتٍ أكثرَ تطورًا؛ لعلَّ ذلكَ يَسنِدُه في ابتكاراتٍ أقوَى وأكثرَ فائدةً.
الجديرُ ذِكرُه أنّ فريقَ الشبابِ المُهندسينَ العاملينَ على ابتكارِ “الروبوت”، وغيرِه من الأجهزةِ الداعمةِ لاحتياجاتِ قطاعِ غزة، غالبيّتُه من المتطوّعينَ الذين لا يَتلقَّونَ أيَّ مقابلٍ! إلّا أنهم يمتلكونَ طاقاتٍ ابتكاريةً كبيرةً، وانتماءً لوطنٍ يتمنونَ لو أنه يستثمرُ إمكاناتِهم بحَقٍّ.