Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقاتتربوية

التغييرُ والتعديلُ في سلوكِ المراهقين

ثمنُ التغييرِ مُعجّلٌ، وثمنُ عدمِ التغييرِ مؤجَّلٌ

 

تحقيق : السعادة

تغيُّرُ سلوكِ المراهقِ أمرٌ حتميٌّ في مرحلةِ النمو؛ فما إنْ يشعر المراهقُ بعلاماتِ رجولتِه وملامحُها الجليةُ تبدو عليه؛ إلّا وتتعالى نبرةُ إحساسِه بذاتِه، وتكثرُ طموحاتُه ومعها محاولاتُه للتغييرِ والرفضِ والاعتراضِ؛ وهذا ليس بغريبٍ؛ فالتعاملُ مع الابنِ المُراهقِ من أصعبِ التحدياتِ التي تواجِهُ الآباءَ والأمهاتِ في رحلةِ النمو.

يصلُ المراهقونَ إلى سنٍّ يشعرونَ فيها بأنّ صوتَهم يجبُ أنْ يصلَ للعالمِ أجمعَ، مع مصاحبةِ ذلك لتغيُّرٍ سلوكي قد يحتاجُ لتعديلٍ، فيقعُ السؤالُ الأكبرُ والأكثرُ ترديداً من الآباءِ والأمهاتِ؛ كيف أستطيعُ تعديلَ سلوكِ ابني المراهقِ؟

وبحسبِ المختصينَ؛ تُصنّفُ المراهقةُ على كونِها حقلَ ألغامٍ من النضجِ البيولوجي، والعاطفي، والنفسي؛ فهي مثلثُ برمودا من مراحلِ التنميةِ؛ ومع ذلك، فإنّ حقيقةَ الاحتياجاتِ الأساسيةِ للمراهقينَ ليست معقّدةً جداً، فعلى مدى سنواتٍ عديدةٍ توَفرتْ فيها وُرَشُ عملِ الأبوّةِ والأمومةِ؛ أثبتتْ أنّ مفتاحَ التأثيرِ على سلوكِ ابنِك يَكمنُ في عدمِ محاولةِ السيطرةِ عليه أو التلاعبِ به.

إذا كنتَ تستهدفُ أو تتحدّى بقوةٍ السلوكياتِ الإشكاليةَ، خصوصًا مع أنواعٍ معيّنةٍ من الأطفالِ، من شأنِها أنْ تزيدَ فقط تحدّيهم واغترابِهم نفسيًا بعيدًا عنك، وجعلَ سلوكِ ابنِك أسوأَ، وهنا يكمنُ المفهومُ الأساسُ الذي يجبُ أنْ نأخذَه في الاعتبارِ: وراءَ كلِّ مشكلةٍ سلوكيةٍ؛ هناك فجوةٌ عاطفيةٌ، وهي تجربةٌ مفقودةٌ من حياةِ الطفلِ.

ثغراتٌ في النضجِ

عليك تحديدُ ما هو مفقودٌ، ومعرفةُ الاحتياجاتِ العاطفيةِ الغائبةِ؛ والتي تحفزُ السلوكياتِ التخريبيةَ، وتخلقُ ثغراتٍ في النضجِ، وحتى يجبُ إغلاقُ هذه الثغراتِ، فمن الأفضلِ التركيزُ على توفيرِ الجديدِ، وإثراءِ الخبراتِ التي من شأنِها تلبيةُ تلكَ الاحتياجاتِ التي لم تُلَبَّ.

يُجمعُ الآباءُ الذين قابلتْهم “السعادة” حولَ أبرزِ مشاكلِ المراهقينَ، التي يجدُ فيها الأهالي أنهم غيرُ قادرينَ على التصرفِ أو التعديلِ، على أنّ التنصُّلَ من الدراسةِ، والرغبةَ في تركِ المدرسةِ هي من أسوأ ما يواجِهُهم مع أبنائهم؛ ثم يليها عزوفُهم عن الاختلاطِ بالعائلةِ، وتفضيلُ المكوثِ في أماكنَ لا تَجمعُهم بالعائلةِ؛ فعلى سبيلِ المثالِ، يرفضونَ مشاركةَ العائلةِ في جلساتِهم أو رحلاتِهم أو مناسباتِهم ، ثم تتأتي مشكلةُ التأخُّرِ خارجَ البيتِ لتَتربّعَ فوقَ كلِّ مشاكلِ المراهقينَ؛ إذْ يشعرُ الآباءُ بالخطرِ الداهمِ؛ إذا بدأ أبناؤهم في التأخُّرِ بالعودةِ إلى المنزلِ سواءٌ في ساعاتِ النهارِ أو الليلِ، وتوَجُّهِم إلى دائرةِ الأصدقاءِ وأبناءِ الحيِّ والعمومِ بعيداً عن عينِ العائلةِ.

الدكتورة “رائدة أبو عبيد” أستاذُ علمِ النفسي التربوي، والمحاضرة بالتنميةِ البشريةِ؛ تقولُ لـ”السعادة” :” إنّ  المراهقَ يتفاعلُ مع التغييرِ، ويزدادُ قبولُه له كلّما أتيحتْ له فرصةٌ أكبرُ لمناقشتِه والتحاورِ بشأنِه مع الأكبرِ سِناً والأكثرِ حكمةً؛ وهو الوالدُ أو وَليُّ أمرِه ؛ ولا يمكنُ للتغييرِ أنْ ينجحَ ويستمرَّ بالكلامِ وحدَه؛ ولكنْ بالممارسةِ والتطبيقِ، والأمرُ يتطلبُ متابعةً جادةً وواعيةً من جانبِ الوالدِ؛ لأنّ “تناولَ الدواءِ دفعةً واحدةً لن يُشفيَ من الداءِ”، ومن الأفضلِ التدرُّجُ واستخدامُ إستراتيجيةِ التجزئةِ، وحتى يتمَّ هذا بنجاحٍ؛ على الأبِ أنْ يقومَ بتعديلِ السلوكِ بالتدريجِ.

ثمنُ التغييرِ مُعجَّلٌ

 وتضيفُ: يتطلبُ التغييرُ مرونةً، علماً بأنّ ثمنَ التغييرِ مُعجَّلٌ، وثمنَ عدمِ التغييرِ مؤجَّلٌ، والأبُ العاقلُ مَن أتعبَ نفسَه اليومَ ليرتاحَ غدًا؛ لهذا لا تتعجلْ تعديلَ سلوكياتِ ابنِك المراهقِ، فمن حقِّه معارضةُ بعضَ الجوانبِ؛ والتذبذبُ بينَ الخطأِ والصوابِ ظاهرةٌ صحيةٌ يُستحسنُ الاستفادةُ منها، وعدمُ إجهاضِها، وعليكَ ألّا تقومَ بدورِ المحاضرِ والمتفرّجِ الصامتِ؛ بل المناقشِ الفعّالِ، محاولاً تذليلَ بعضِ العقباتِ، التي تطرأُ على عمليةِ التعديلِ.

وتتابعُ: كلّما كان التغييرُ لا يهدّدُ مصالحَ الأبناءِ المراهقينَ؛ كان أكثرَ قبولاً لدَيهِم؛ لذا على الوالدِ الراغبِ في التغييرِ الحِرصُ على طمأنةِ الابنِ المراهقِ، وتطويعِ عمليةِ التغييرِ بأقلِّ خسارةٍ مُمكنةٍ له، والتغييرُ يحتاجُ لخبرةٍ وعلمٍ وتدريبٍ من جانبِ الوالدِ؛ حتى يستطيعَ إقناعَ المراهقِ بعمليةِ تعديلِ السلوكِ، وتقبَّلَها والتآلُفَ معها، فطريقُ التعديلِ طويلٌ وشائكُ؛ لذا فالمراهقُ في حاجةٍ إلى صديقٍ مؤيّدٍ ليخففَ عنه ويدفعَه للأمامِ عندما يَضيقُ صدرُه؛ وهذا لن يكونَ إلّا إذا كانت هناك صداقةٌ تربطُ بين الوالدِ وولدِه المراهقِ.

فكُلما ارتفعتْ طموحاتُ الشابِّ المراهقِ، وزادَ مستواه الثقافي؛ كان استعدادُه للتغييرِ والتعديلِ أكبرَ، وكُلما كانت العلاقةُ إنسانيةً بينَ المراهقِ ووالدِه؛ كان التعديلُ أكثرَ سهولةً وتقبلُّاً.

العصا السحرية

أمّا عن دورِ الأمهاتِ في تعديلِ سلوكِ أبنائها المراهقينَ؛ فعلى الأمهاتِ أنْ يبحثنَ عن المشكلةِ أولاً؛ ثُم تحديدُها ثم البحثُ عن طرُقٍ لحلِّها، هل المشكلةُ في أسلوبِ الكلامِ؟ هل في الألفاظِ المستخدَمةِ؟ أَم حركةِ اليدينِ مع الكلامِ هي التي تضايقُك؟ ثم اعملي على حلِّ كلِّ مشكلةٍ على حِدة، فهي مرحلةٌ قاسيةٌ على أبنائك مِثلَما عليكِ، تعرّفي على اهتماماتِ ابنِك المراهقِ؛ كوني على درايةٍ كاملةٍ بما يشغلُه؛ هل هو التليفونُ المحمولُ، أَم التلفزيون، أم الإنترنت…إلخ، ولكي تُعالجي المشكلةَ؛ يجبُ أنْ يكونَ هناك مُقايضةٌ ما على شيءٍ “ابنُك يحبُّه”.

قومي بمنعِه مما يهتمُّ به؛ حتى يعدلَ من السلوكِ السيئ، فمَثلاً إذا كان يستخدمُ في الكلامِ لغةً سيئةً دائماً، فستكونُ طريقةُ المقايضةِ حرمانَه من شيءٍ يحبُّه، أو إعطاءَه شيئاً يرغبُ فيه؛ ما يعطي ابنَك الحافزَ لكي يُطيعَك ويلتزمَ بقواعدِك؛ حتى وإنْ لم يكنْ موافِقاً على تلكَ القواعدِ.

وتستطردُ: تعتقدُ الأمهاتُ أنهنَّ يمتلِكْنَ العصا السحريةَ التي ستحلُّ جميعَ مشاكلِ ابنِها المراهقِ؛ لكنْ للأسفَ ذلك غيرُ حقيقٍ، على الأقلِّ ليس في كلِّ الأوقاتِ، لذا كوني حساسةً ومرِنةً في التعاملِ مع المشاكلِ، وأصلِحي طريقةَ تعامُلِك معها، ومع الوقتِ كوني على علمٍ بأنكِ تُهذّبينَ وتُعدلينَ من سلوكِ ابنِك، وليس بالضرورةِ أنْ يختفي هذا السلوكُ، فإذا ما حرِمتِه من ألعابِه في المساءِ؛ ثُم بعدَ يومينِ أعادَ تكرارَ السلوكِ السيئِ نفسِه؛ كرِّري العمليةَ حتى يتعلمَ أنّ السلوكَ الجيّدَ سيأتي له بما يريدُ، والسيئَ سيُتعِسُه.

قد لا يكونُ التليفونُ المحمولُ كلَّ اهتمامِ ابنِك المراهقِ، أو قد تكونُ خُطةٌ ذكيةٌ منه ألّا يُظهرَ نقاطَ ضعفِه تُجاهَ أشياءٍ معيّنة، ولا يريدُ أنْ يعطيك إحساساً بالرضا؛ بكَونِه متشوّقاً لتليفونِه المحمولِ، فكوني ثابتةً على موقفِك؛ وأصِرِّي ألّا يكونَ هناك تليفونٌ محمولٌ؛ حتى يعدّلَ سلوكَه في الوقتِ الذي تحدِّدِينَه، واستمعي لكُلِّ كلمةٍ يلفظُ بها ابنُكِ؛ فكلامُه يُظهِرُ ما يُخفيهِ من صراعاتٍ بداخلِه، ثم تكلّمي معه عمّا يضايقُه وساعِديهِ..، حتى يعرفَ أنه يُمكِنَه أنْ يلجأَ إليكِ في أيِّ وقتٍ، وأنكِ ستحتوينَه وتُساندينَه.

ثورةُ المشاعرِ والانفعالاتِ

أمّا الاختصاصي الاجتماعي “محمود عبد العزيز منصور” فيقولُ:” أحياناً يكونُ الصبرُ هو أفضلُ الطرُقِ لحلِّ المشاكلِ؛ لِذا على الأهلِ أن يأخذوا بعينِ الاعتبارِ الثورةَ الكبيرةَ من المشاعرِ والانفعالاتِ التي تدورُ في عقلِ المراهقِ، وأنهم ومن المُمكِنِ أنْ يقوموا بأشياءٍ فقط لإزعاجِك، فإذا كان السلوكُ السيئُ أو التصرّفُ صغيراً، ولا يزعجُكم حقاً، فتَجاهَليهِ، وإذا ما تطوّرَ السلوكُ فعلى الأهلِ حينَها البحثُ عن طرُقِ التغييرِ والتعديلِ للسلوكِ السيئِ.

وعن أبرزِ النصائحِ التي يقدّمُها اختصاصي علمِ الاجتماعِ في محاولاتِ تعديلِ سلوكِ الأبناءِ المراهقينَ، يقول:” التربيةُ بالقدوةِ؛ لِذا لابدَّ من ابتعادِ الأبوَينِ عن السلوكياتِ غيرِ المناسِبةِ (كالتدخينِ والكذبِ) وما إلى ذلكَ؛ لِما له من أثرٍ كبيرٍ في تعديلِ سلوكياتِ المراهقِ السيئةِ، ومراقبةُ المراهقِ ومعرفةُ رفاقِه وأصحابِه؛ ثم تحديدُ السلوكياتِ السلبيةِ عندَه، ثم تحذيرُه ومحاولةُ إبعادِه عن تلكَ الصحبةِ بالوسائلِ المناسبةِ، أبرَزُها الحوارُ.

 ويضيفُ: على الأهلِ محاولةُ إشغالِ المراهقِ بالمفيدِ؛ حتى يمتلئَ وقتُه، مِثلَ ممارسةِ الرياضةِ، أو قراءةِ كتابٍ، أو تعلّمِ لغةٍ وهوايةٍ جديدةٍ. حلُّ المشاكلِ التي يعاني منها الابنُ، باعتبارِ أنّ الضغوطَ النفسيةَ قد تُسبّبُ أحياناً لجوءَ المراهقِ إلى الانحرافِ، ولا مانعَ من اللجوءِ إلى المدرسةِ لمحاولةِ تغييرِ بعضِ سلوكياتِ الابنِ، كما يفيدُ في حلِّ هذه المسائلِ الاتصالُ بأهلِ الصاحبِ الذي أثّرَ على الابنِ المراهقِ في هذه السلوكيةِ السيئةِ.

ويوضّحُ: إنّ تنميةَ الجانبِ الديني لدَى المراهقِ؛ أهمُّ ما يمكنُ أنْ يقومَ به الآباءُ مع الأبناءِ في هذه المرحلةِ الحرِجةِ؛ باعتبارِه الوازعَ الديني الأكبرَ، والحِصنَ الأمينَ للبناءِ في مختلفِ مراحلِ عُمرِ الإنسانِ؛ وتحديداً في هذه السنِّ مع التركيزِ على الإخلاصِ في العملِ الشخصي والمِهني؛ ما يستنفِدُ طاقتَه ويَدفعُه إلى الأمامِ؛ فتزدادُ ثِقتُه بنفسِه، ويبتعدُ عن السلوكياتِ الخاطئةِ؛ منوِّها أنه على الآباءِ محاولةُ تخليصِ أبنائهم من العزلةِ والخجلِ في التعاملِ مع الأشخاصِ، وعليهم مَدحُ المراهقِ على الأفعالِ الحسنةِ، والرفعُ من ثقتِه بنفسِه، فهذا يساعدُه على التقرّبِ منهم بصورةٍ حَسنةٍ.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى