Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

تواضَعوا .. لأنَّ الناسَ أذكياءٌ أيضاً!

عليكم ألّا تَحكموا على الناسِ من الوَهلةِ الأولى؛ وتصنّفوهم هذا غبيٌّ وهذا ذكيٌّ؛ وذاكَ ماكرٌ وهؤلاءِ فَجَرةٌ، بل ينبغي عليكم أنْ تَفهموا قبلَ ذلكَ كيف يفكّرُ هؤلاءِ، حتى لا تَكونوا أنتم أغبَى الناسِ.

دعوني أسوقُ لكم هذه القصةَ القصيرةَ؛ ثُم نُحلّل نتيجتَها، ففي يومٍ من الأيامِ دخلَ طفلٌ إلى محلِّ الحلاقةِ، فهَمسَ الحلّاقُ في أُذنِ الزبونِ قائلاً له: “انظُرْ إلى هذا الطفلِ، هذا أغبَى طفلٍ في العالمِ! وسأُثبِتُ لكَ ذلك حالاً، انتبِهْ لي ماذا سأفعلُ به”، فوضعَ الحلاقُ في يدِه اليُمني ديناراً، وفي يدِه اليُسرى رُبعَ دينارٍ؛ ثم طلبَ من الطفلِ أنْ يأخذَ أحدَهما بعدَما أراهُ إياهُما؛ فما كان من الطفلِ إلّا أنْ أخذَ ـرُبعَ الدينارِ؛ ثُم انصرفَ مسرعاً من عندِ الحلاقِ!

فضحكَ الحلاقُ بصوتٍ عالٍ؛ ثم قال للزبونِ: “إنّ هذا الطفلَ لا يتعلمُ أبداً، هكذا في كلِّ مرّةٍ أُخضِعُه لهذه اللعبةِ؛ ويفشلُ فيها في كلِّ مرّةٍ؛ ويفعلُ هذا السلوكَ الغبي”!

بعدَ أنْ خرجَ الزّبونُ من صالونِ الحلاقِ؛ متفاجئاً من سلوكِ ذاكَ الطفلِ! وإذْ به يشاهدُه في محلٍّ للبوظةِ؛ فاقتربَ منه ليسألَه؛ لماذا اختارَ رُبعَ الدينار؟ فأجابَه الطفلُ – وتعلو وجهَه ابتسامةٌ ماكرةٌ – قائلاً: “يا هذا إنه في اليومِ الذي أختارُ فيه الدينارَ؛ وأتركُ رُبعَ الدينارِ؛ تكونُ اللّعبةُ قد انتهتْ وقتَها، ولن أرى بعدَ ذلك لا ديناراً ولا رُبعَ دينارٍ، فَهمتَ؟”!

صُدمَ الرجلُ من درجةِ التفكيرِ التي وصلَ لها هذا الطفلُ الماكرُ؛ الذي ما فعلَ ذلك إلّا من أجلِ أنْ يستمرَّ الربعُ دينارٍ إلى مدىً بعيدٍ قدْرَ المستطاعِ.

هذه القصةُ تَسوقُنا إلى مفاهيمَ عميقةٍ؛ ينبغي أنْ تكونَ ماثِلةً أمامَنا في حياتِنا العمليةِ، وكما يقولونَ: “مِنَ الكبارِ تعلّمتُ الكثيرَ، ومن الصغارِ تعلّمتُ أكثرَ”! وعليكَ أنْ تتعلمَ قواعدَ اللعبةِ؛ ثُم بعدَها عليكَ أنْ تلعبَ أفضلَ من الباقينَ”.

 الحياةُ ليستْ سِوَى وعاءٍ كبيرٍ؛ نضعُ فيه أغراضَنا يومياً، نضعُ فيه معاملاتِنا، وسلوكَنا، وطريقةَ تفكيرِنا، وتصرُّفاتِنا مع أنفُسِنا ومع الآخَرينَ، وإنَّ ترَاكُمَ كلِّ ذلكَ يَنتجُ عنه خبراتُنا العمليةُ؛ وهي حصيلةُ حياتِنا وتجرِبتِنا الدنيويةِ التي ذُقناها على مدارِ الساعةِ، وتَجرَّعْنا المُرَّ من أجلِ الوصولِ إلى تلكَ اللحظةِ.

كثيرٌ من الناسِ يدَّعونَ الانتسابَ إلى مدرسةِ الفطنةِ والذكاءِ الخارقِ؛ وأنهم من نَسلٍ يختلفُ اختلافاً كُلياً عن نسلِ البشرِ العاديِّين؛ ثُم تجِدُهم يَقعونَ في أولِ حفرةٍ تواجِهُهم، أو كما يقولونَ: “يغرقونَ في شِبرِ ماءٍ”!

لذلكَ، أيُّها الإنسانُ، لا تَعُدّ نفسَكَ خارقاً وذكياً؛ والآخَرينَ همُ الأغبياءُ، ولا تَعدّ نفسَك أسطورةً والباقينَ همُ العوامُ، ولا تعتمدْ نفسَك استثنائياً مُنقطِعَ الوصفِ والنظيرِ، والناسَ همُ العادينَ، بل ضعْ افتراضاتِ أنك غبيٌّ والناسُ أذكياءُ، أو على الأقلِّ أنك متساوٍ معهم في درجةِ ذكائهم وفطنتِهم؛ حتى لا تقعَ فريسةً سهلةً لهم في يومٍ من الأيامِ، وحتى لا تُصابَ وقتَها بالصدمةِ؛ عندما تكتشفُ أنهم أفضلُ منك، وأرقَى منك، وأفهمُ منكَ، وأذكَى منكَ، وأنكَ تحتاجُ إلى سنواتٍ ضوئيةٍ حتى تصلَ إلى ما وصلوا إليه، كما في قصةِ الدينارِ ورُبعِ الدينارِ لصاحبِنا الطفلِ مع الحلّاقِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى