Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اسريةتحقيقات

متزوجونَ لكنْ منفصِلون عاطفيًا

الطلاقُ العاطفي.. زواجٌ مع وقفِ التنفيذِ

 

تحقيق : السعادة

تعيشُ حالةً من الانفصالِ داخلَ بيتٍ من المفترَضِ أنه عشُ الزوجيةِ، والذي لا يربِطُها بزوجِها فيه أيُّ علاقةٍ سِوى محادثاتٍ ورسائلَ عن طريقِ «الواتس آب»، تتعلقُ بتنفيذِ طلبٍ ما، أو شراءِ أغراضِ ومستلزماتِ البيتِ؛ تلكَ هي الأجواءُ داخلَ المنزلِ، الذي قرّرَ طرَفاهُ الأساسيانِ أنْ يعيشا تحتَ سقفٍ واحدٍ دونَ أنْ يكونَ هناكَ أيُّ نوعٍ من التواصلِ ، بعدَ أنْ زادتْ الخلافاتُ، وتأصّلتْ مشاعرُ النفورِ بينَهما بشكلٍ أدَّى إلى عدمِ قدرتِهما على أنْ يُقيما علاقةً طيبةً قوامُها العطفُ والوُدُّ والوِصالُ؛ لتكونَ المُحصّلةُ معاناةً مزدوجةً للأمِّ والأبناءِ .

قتلَ الحياةَ

في حديثٍ “للسعادة” مع “مها” (40) عاماً تقولُ :”أعيشُ أنا وزوجي في انفصالٍ عاطفيٍّ عقبَ سنواتٍ قليلةٍ من زواجِنا؛ حيثُ فُجأةً وبعدَ مَجيءِ طفلَينا؛ وجدتُ نفسي مُلزَمةً بتربيتِهما، ومُتكفِلةً بمصروفِ البيتِ، وشراءِ مستلزماتي الخاصةِ، وتَكلفةِ علاجي إنْ مرضتُ، فوجدتُ أني أتحمّلُ كلَّ ما يخُصُّني ولا يخصُّني من أمورِ البيتِ؛ وكأنني أعيشُ بمفردي دونَ شراكةٍ ماديةٍ من زوجٍ المُفترَضُ أنْ تكونَ له القوامةُ في الإنفاقِ، وطالبتْهُ بذلكَ؛ فتشاجرَ معي، واحتدَّ عليَّ، وخيَّرَني بينَ أنْ تستمرَّ حياتُنا على المنوالِ ذاتِه _طالَما لدَيَّ راتبٌ شهريٌّ من وظيفتي_ أو أنْ أقدّمَ استقالتي.. وحينَها سيتكفَّلُ بمأكلِنا ومشربِنا فقط، وعليَّ أنْ أشاركَ أسرتي الميسورةَ مادياً في الإنفاقِ على متطلّباتِ الطفلينِ؛ بما في ذلك تعليمُهما، وعلاجُهما، وملبسُهما، وكلُّ ما يتعلقُ بهما، وبالطبعِ اخترتْ الاستمرارَ في عملي، ومواصَلةَ حملِ العبءِ الذي تحمّلتُه؛ تجنُّباً للانفصالِ، وحفاظاً على مكانةِ أسرتَينا؛ في الوقتِ الذي سيطرَ علينا النفورُ من بعضِنا البعضِ، والتنمُرُ، والتعدّي بالقولِ، والتشاجرُ لأتفهِ الأسبابِ، ومات بينَنا الحديثُ أو كادَ؛ إلّا فقط للضرورةِ القصوَى،  وانغمسَ كلٌّ مِنا في عالَمِه الخاصِّ، ولسانُ حالِ من يرانا يقولُ “أسرةٌ سعيدةٌ تعيشُ في يُسرٍ، والجميعُ لا يدري الخَرَسَ الزوجي، ورُبما الكراهيةَ التي نطوي عليها قلبانا تُجاهَ بعضِنا.

أمّا وسام “س” 30 عامًا أمٌّ لأربعةِ أبناء تقولُ:” منذُ بدايةِ زواجِنا اكتشفتُ في زوجي طباعاً مختلفةً تماماً عن أيامِ الخطوبةِ؛ فهو عصَبيٌّ جدًا، وعلى أقلِّ المواقفِ وأحيانًا كثيرةً يصلُ الأمرُ إلى الضربِ والشتمِ والإهانةِ، ويخرجُ من البيتِ.. وبعدَها يعودُ ليتأسفَ؛ وأنه لم يكنْ بوَعيِّهِ؛ ويعتذرَ.. في البدايةِ تحمّلتُ طباعَه؛ ولكنْ مع السنواتِ أصبح لا يُطاقُ.. ما أفقدَني معنى الأمانِ والحياةِ؛ وبتَصرُّفاته قتلَ روحَ الحياةِ بينَنا؛ فلا يوجدُ أيُّ حواراتٍ بينَنا إلا الطلباتُ .

لقبُ مُطلّقةٍ

تضيفُ “وافقتُ بالطبعِ خشيةَ حملِ لقبِ “مطلَّقة”، وحتى لا أوصَمَ بفشلِ حياتي الزوجيةِ، وأتعرّضَ للقيلِ والقالِ والاتهاماتِ، وعِشنا معاً نتظاهرُ بالسعادةِ والانسجامِ أمامَ الجميعِ، لكنْ ما إنْ يُغلقْ علينا بابُ بيتِنا، يذهبْ كلٌّ مِنا لينامَ في غرفةٍ منفصلةٍ؛ ولا نتبادلُ الحديثَ على الإطلاقِ، ورغمَ مرورِ كثيرٍ من السنواتِ على وضْعِنا الزوجي؛ ما زلنا كما نحن بحالةِ انفصالٍ نفسيٍّ تامٍّ .

“جمال”، متزوجٌ وأبٌ لطفلَينِ، “قد تكونُ الضغوطُ والمشاكلُ الماديةُ من أهمِّ أسبابِ الطلاقِ العاطفي، فضغوطُ الحياةِ، والأعباءُ تُجبِرُ كُلًا من الزوجينِ على الانشغالِ بالنواحي الماديةِ، وكيفيةِ تدبيرِ أمورِ المنزلِ؛ وخاصةً في ظِلِّ وجودِ طفلٍ له مصاريفُه، كما أنّ ميزانيةَ الشهرِ، وتدبيرَ المنزلِ من أهمِّ المشاكلِ التي تُجبِرُ الزوجَ والزوجةَ على التفكيرِ في نفسِهما؛ دونَ الانتباهِ للعواطفِ وما يحتاجُه الطرَفُ الآخَرُ”.

يقولُ :”المشاحَناتُ ازدادتْ، والمتطلباتُ كثُرتْ، وحمّلتْني فوقَ طاقتي؛ ما أدَّى للنفورِ والتشاجرِ الدائمِ؛ حتى غابتْ الخصوصيةُ، وأصبحتْ تفاصيلُ حياتِنا الزوجيةِ عرضةً لأهلِها وتدخُّلِهم المستمرِّ لدرجةِ غيابِ الحوارِ والتفاهمِ، وكلُّ ذلك أدَّى للنفورِ العاطفي؛ الذي يهدّدُ الحياةَ الزوجيةَ، وانعدامِ الانسجامِ؛ وهذه مؤشراتُ طلاقِنا العاطفي وانفصالِنا؛ رغمَ وجودِ طفلينِ؛ لكنْ لا بدَّ من التحلِّي بالصبرِ وتهدئةِ الأمورِ.

يضيفُ :”اللومُ يقعُ علينا كزوجٍ وزوجةٍ، ومن المفروضِ علينا أنْ نتماسكَ ونعتمدَ لغةَ الحوارِ بطريقةٍ هادئةٍ وجيدةٍ؛ تُعيدُ الدفءَ للحياةِ الزوجيةِ، وحلِّ كلِّ المشاكلِ لإبعادِ الفتورِ العاطفي بينَنا؛ وهذا ما أحاولُ تحقيقَه للمحافظةِ على أسرةٍ سعيدةٍ”.

في حين يشتكي “أبو أحمد” في منتصفِ الأربعينياتِ؛ أنه حاولَ مرارًا وتكراراً مع زوجتِه لتغيِّرَ من طباعِها وطريقتِها التقليديةِ في الحياةِ؛ فهي غيرُ اجتماعيةٍ؛ ولا تُشارِكُني تفاصيلَ الحياةِ؛ فبدأتُ أشعرُ بالمَللِ معها.. تقومُ بواجباتِها كزوجةٍ في أمورِ البيتِ؛ وتعتقدُ أنها تقومُ بكافةِ واجباتِها؛ لكنْ للأسفِ لا ترَى تقصيرَها كزوجةٍ وشريكةِ حياةٍ، فبدأَ البعدُ والجفاءُ يشقُّ طريقَه إلينا؛ حتى أصبحتْ الحياةُ بينَنا طلباتٍ ومَسجاتٍ عبرَ الجوالِ والواتس آب .

بدايةُ الطلاقِ الفعلي

د. منير رضوان مستشار أسري

د. “منير رضوان”  المستشارُ الأُسري، يقولُ للسعادة :”الانفصالُ العاطفي بدايةُ الطلاقِ الصامتِ، الذي يسبقُ الطلاقَ الفِعلي، وهو عبارةٌ عن ردّةِ فعلٍ عكسيةٍ لمشاعرِ الزوجينِ اللذَين اقتصرتْ الحياةُ بينَهما على التواصلِ المكاني فقط؛ من أجلِ أداءِ المَهامِّ المُخوّلةِ لكُلِّ واحدٍ منهما.

ويرجعُ  د. “رضوان” السببَ في تلكَ الإشكاليةِ إلى التراكماتِ النفسيةِ، والضغوطِ اليوميةِ؛ مع ضعفِ قدرةِ الطرَفينِ على مواجهةِ المشكلاتِ، وفشلِ تحقيقِ التوازنِ بينَ الاحتياجاتِ والإمكاناتِ، وهناكَ حالاتٌ قد يكونُ عدمُ توافُرِ ما يطمحُ له الزوجُ أنْ يَجدَه في شريكةِ حياتِه؛ سبباً لإحداثِ الفجوةِ بينَهما؛ ومن ثم الوقوعِ في براثنِ الخيانةِ، يلي ذلك حدوثُ الانفصالِ الذي قد يأخذُ شكلاً خفياً فقط؛ أي داخلَ جدرانِ المنزلِ، بعيداً عن أعيُنِ المجتمع .

ويبيّنُ أنّ  (60%) من المشكلاتِ الزوجيةِ سبَبُها “الهَجرُ والانفصالُ والتجاهلُ”؛ لدرجةٍ تصِلُ في بعضِ الحالاتِ إلى عدمِ تلبيةِ الاحتياجاتِ الأساسيةِ من مأكلٍ ومشربٍ، ونتيجةً لاختفاءِ الحوارِ؛ تتأزّمُ المشكلةُ؛ ويصبحُ الزوجانِ كالغُرباءِ؛ يتشاركونَ المَسكنَ فقط، وكثيراً ما ترِدُ إلينا حالاتٌ تعاني فيها الزوجةُ من وضعٍ نفسيٍّ سيئٍ، وأحياناً من عدّةِ أمراضٍ.. وتارةً أخرى ينعكسُ ذلك على الأبناءِ .

عواصفُ وفتورٌ

ويقولُ :”مما لا شكَّ فيه أنّ إشباعَ العواطفِ بين الزوجينِ؛ يُبعِدُهما عن حدوثِ العواصفِ والفتورِ بينَهما، حيثُ يَحدثُ الطلاقُ والهجرانُ الوجداني حينَ خفتَتْ جَذوةُ الحبِّ، وبرودُ المشاعرِ، مع اختلافِ الطبائعِ، وانعدامِ التوافقِ النفسي، والديني، والفكري، والثقافي، والاجتماعي؛ ومن هنا يبدأُ التناحرُ اللفظي، فالانفصالُ العاطفي، وتقليلُ النفقةِ، حيثُ يقتصرُ تواصُلُ الطرَفينِ على الأمورِ الماديةِ فقط، وتصبحُ العِشرةُ بينَهما بالمعروفِ فقط، وليس بالإحسانِ؛ ما يؤثّرُ سَلبًا في الأبناءِ من جميعِ الجوانبِ؛ لِذا من الضرورةِ إجراءُ فحصٍ للتوافقِ الزوجي للمُقبِلينَ على الزواجِ؛ للوقوفِ على مدَى تقارُبِهما وتناسُبِهما لبعضِهما، قبيلَ ارتباطِهما بعقدِ زواجٍ .

ويرى أنّ الوسائلَ التكنولوجيةَ الحديثةَ ساهمتْ في وجودِ الطلاقِ العاطفي بينَ أفرادِ الأسرةِ؛ بدْءاً من الزوجينِ، ويتوارَثُه منهما الأبناءُ بالتبَعيةِ في اختلالِ علاقتِهم بزملاءِ محيطِهم الدراسي والخارجي، ويتّجِه للقولِ بأنه من الملاحَظِ حاليًا انشغالُ أفرادِ الأسرةِ كلٌّ مع هاتفِه، أو وسائلِ التواصلِ الاجتماعي؛ مع إهمالٍ كاملٍ للجوانبِ الاجتماعيةِ، حيثُ نجدُ زوجينِ حديثي الزواجِ؛ كلُّ ما يَشغلُ بالَهما هو تصويرُ الأماكنِ، أو الوجباتُ الغذائيةُ؛ ونشرُها على هذه الوسائلِ، ويتنافسانِ في كمِّ ما حَصدوهُ من شاراتِ إعجابٍ؛ مع الردِّ على أسئلةِ المُعجَبينَ بالصورِ، وأصبحتْ معه العقولُ فارغةً وجدانياً وعاطفياً وفكرياً.

يتابعُ: أدّى ذلكَ بالزوجينِ للابتعادِ نفسياً عن بعضِهما البعضِ عاطفياً؛ حيثُ لم يَعدْ يربطُهما ما يعزّزُ أُسُسَ الحياةِ الزوجيةِ الصحيةِ بينَهما، ويعمّقُ علاقتَهما؛ لِذا ومع أولِ خلافٍ بينَهما _وإنْ كان بسيطاً_؛ يقفزُ عدمُ التفاهمِ، الذي يصلُ في بعضِ الأحوالِ إلى الطلاقِ الفعلي، وإنْ تَجاوَزا الخلافَ؛ واستمرّتْ الحياةُ؛ فلا يوجدُ دِفءٌ عاطفي بينَهما، سِوَى شراكةٍ بينَ اثنينِ لا تربِطُهما أيُّ مشاعرَ؛ سِوَى ورقةٍ تمثّلُ عقدَ الزواجِ الرسمي بينَهما.

حلولٌ لإعادةِ الحياةِ

برفسور الشريعةِ والدراساتِ الإسلاميةِ  محمد شريدة يقولُ: العلاقةُ بينَ الزوجينِ تقومُ على الوُدِّ والعاطفةِ، وإذا ما سادَ تلكَ العلاقةَ نوعٌ من الفتورِ أو النشوزِ؛ فالأصلُ البحثُ عن حلٍّ لإعادةِ الأمورِ إلى ما كانت عليه، فقد يَحدثُ خلافٌ بينَ الزوجينِ؛ لا يصِلُ إلى مرحلةِ الطلاقِ؛ ولكنْ يشوبُ العلاقةَ بينَهما نوعٌ من البرودِ أو الانفصالِ الظاهري؛ دونَ أنْ يكونَ هناك طلاقٌ من الزوجِ، والذي يَظهرُ _واللهُ أَعلمُ_ أنّ الحُكمَ الشرعي في هذه الأمورِ؛ كما جاءَ في قولِه تعالى: (ولا تُمسِكوهُنَّ ضِرارًا لتعتدوا)، فإبقاءُ الزوجةِ في هذه الصيغةِ هي كالمُعلّقةِ، والقرآنُ قال: (ولا تَذَروها كالمُعلّقة)، فلا يُعدَّ هذا الهجرانُ طلاقاً؛ لأنّ الطلاقَ له ألفاظٌ صريحةٌ وكنائيةٌ، فإمّا أنْ يُطلّقَ الزوجُ صراحةً؛ كأنْ يقولَ لها: أنتِ طالقٌ، أو أنتِ مُسّرحٌ أو مُفرّق، وإمّا أنْ تكونَ كنائيةً؛ بأنْ يتلفظَ الزوجُ بألفاظٍ تحتملُ الطلاقَ وغيرَه؛ كأنْ يقولَ: «اذهبي لأهلِك»، فإنْ كان يقصدُ الذهابَ الأبَدي؛ فهو طلاقٌ؛ وإنْ لم يقصِدْ ذلك فلا يُعَدُّ، وعليه فإنّ بقاءَ المرأةِ في البيتِ دونَ أنْ تكونَ بينَهما علاقةٌ؛ ولم يتلفظْ الزوجُ بلفظِ الطلاقِ “كنايةً أو تصريحاً” فإنه لا يُعَدُّ طلاقاً، ولكنّ الزوجَ مُطالَبٌ من الناحيةِ الشرعيةِ أنْ يحسِمَ الأمرَ” إمّا بالبقاءِ أو التسريحِ”. ويكمل: القول إنَّ الوضعَ بتلكَ الطريقةِ إنما هو من أجلِ الأولادِ، أو الشكلِ الاجتماعي، فهذا يعدُّ مصلحةً فاسدةً أمامَ حقِّ المرأةِ.

ويتابعُ: لا ينبغي أنْ تكونَ الخلافاتُ القائمةُ أو السابقةُ سبباً في نفورِ الزوجِ من زوجتِه، فقال تعالى: (وعاشروهُنَّ بالمعروفِ فإنْ كرِهتُموهُنّ فعسى أنْ تكرهوا شيئاً ويجعلَ اللهُ فيه خيراً كثيراً)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفركْ مؤمنٌ مؤمنةً، إنْ كَرِهَ منها خُلقاً رضيَ منها آخَرَ»، وأمّا انفصالُ المرأةِ عن زوجِها في السكنِ بموافقةٍ من الزوجِ من غيرِ طلاقٍ لها؛ فلا يأخذُ حُكمَ الطلاقِ، ولا يُسقطُ شيئاً من حقوقِ الزوجةِ الواجبةِ لها؛ إلّا إذا كانت ناشزاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى