Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

التفكيرُ خارجَ الصندوقِ

بينَما أجلسُ متأخِرةً عن إرسالِ المقالِ كالعادةِ؛ أقولُ لابني: لا أعرفُ عن ماذا أكتبُ، يقولُ لي: بسيطة فكّري خارجَ الصندوقِ، أسألُه أيَّ صندوقٍ أفكّرُ خارجَه..؟ اندمجَ في لعبتِه ولم يُجبْني، لكنه وضعَ اسمًا لِما أريدُ أنْ أخبرَكم به منذُ مدّةٍ، فقلتُ سأكتبُ عن ذلكَ الصندوقِ الذي عِشنا به لسنواتٍ في إطارِنا العربي؛ علَّنا نَخرجُ خارجَه جميعًا.

أظنُّ أكثرَ من يتأذَّى من ذلكَ الصندوقِ هنَّ النساءُ أو الفتياتُ العربياتُ بالدرجةِ الأُولى؛ لأنّ الكثيرَ من القوالبِ التي وُضعتْ لهنَّ منذُ الصغرِ كي يَسِرنَ عليها؛ سواءً في حياةِ الملتزِماتِ أو غيرِ الملتزماتِ، يُربِّينا المجتمعُ على درجاتٍ معيّنةٍ؛ علينا السيرُ فيها لا أظنُّها تَصعدُ بل تَهبطُ بنا في سلّمِ الثقةِ بالنفسِ، والقوةِ التي يجبُ على الفتاةِ أنْ تتحلّى بها في علاقاتِها مع الناسِ من حولِها في المجتمعِ.

وهو أولاً: ثقةُ الفتاةِ بشَكلِها، نَعم قد نَدعمُ ثقتَها بعقلِها وقدرتِها على تحقيقِ النجاحِ أكاديميا؛ لكنّنا قبلَ تلكَ المُسلسَلاتِ ووَهمِ الجمالِ الغربي الذي تسلّلَ إلينا؛ كُنا نرتكبُ تلكَ الخطيئةَ بحقِّ أنفسِنا يومًا بعدَ يومٍ؛ حتى تشكّلتْ صورةُ “الباربي” في عقليةِ الفتاةِ والفتى على حدٍّ سواءٍ؛ فلم تَعدْ الفتاةُ ترى نفسَها جميلةً إنْ نقصَ منها أيُّ صفةٍ، وتعاني من الشكِّ؛ وكأنه لا يمكنُ القبولُ بها فيما بعدُ كحبيبةٍ أو زوجةٍ.

بينما في قلبِ مدينةٍ من أكبرِ المُدنِ التي يقصدُها الناسُ والعربُ على وجهِ الخصوصِ للسياحةِ العلاجيةِ والتجميليةِ؛ ترَى وجهَ الحقيقةِ لدَى النساءِ هنا، ثقةٌ مرتفعةٌ جدًا بنفسِها ومَظهرِها؛ حتى لو كُنا كأغرابٍ عنهم نقولُ: ماذا فعلتْ هذه بنفسِها منذُ الصباحِ، وأحياناً ماذا لم تفعلْ؟

الطفلُ ينشأُ هنا بمساحةٍ من الحوارِ والنقاشِ؛ حتى يكادَ لا يصمتُ في الطريقِ، وإنْ استغرقَ ساعاتٍ، يتناوبُ الأبُ والأمُّ في الردِّ، وغالباً يكونُ الأبُ صاحبَ البالِ الأطولِ في الردِّ والحديثِ مع الأبناءِ، لا فرقَ بين الفتى والفتاةِ في ذلكَ؛ الفتاةُ ترتدي ما تحبُّ بِغَضِّ النظرِ عن شكلِها وطولِها وعرضِها ومدَى تناسقِ جسمِها، أو حتى هل هو لامعٌ مثلَ ما يعكسونَه في المُسلسلاتِ والأفلامِ أَم لا!

لا أقارنُ هنا بين الزيِّ المُحتشِم وغيرِه، ولا أُنكِرُ أنّ الذوقَ العربيَّ يهتمُ أكثرَ بتنسيقِ الألوانِ والملابسِ بكثير؛ لكنه ليس مريحًا في العمومِ؛ مثلَ أنْ ترتديَ ما تُحبُّ وما يناسبُك، وما يتماشَى مع إمكاناتِك الماديةِ والمجتمعيةِ، وأنْ تتوقّعَ رغمَ ذلك عباراتِ الإطراءِ في كلِّ مرّةٍ على نفسِ الهيئةِ، ونفسِ الزيِّ بالضبطِ، كما لا ترَى لأحدٍ الحقَّ في أنْ يقولَ لك لِمَ ارتديتَ هذا، أو فعلتَ ذاك؟ ببساطةٍ لأنه لا شأنَ له.

كم أتمنَّى لو أنّ هذا النمطَ ينتقلُ لدَينا في مناسباتِنا الكثيرةِ وعاداتِنا الغريبةِ المبذّرةِ فيها، وأظنُّه أمرٌ لا بدّ أنْ يبدأَ من الداخلِ، إنْ اقتنعتْ كلُّ فتاةٍ بمَظهرِها؛ وأحبّتْ شكلَها كما هو _لستُ أقولُ ألا تَسعَى لعلاجِ ما بها من مشكلاتٍ إنْ وُجدَ_ لكنْ ألا تهتمُ بكلامِ غيرِها إنْ أحبّتْ نفسَها بوَزنِها وشكلِها وشعرِها، وحتى حبِّ الشبابِ في وجهِها، والشعرِ الذي لا ترغبُ بإزالتِه بعدُ عن يدَيها.

هنا فقط لن يهمَّها إنِ ارتدتْ نفسَ الفستانِ في حنّتِها وخِطبةِ شقيقتِها، وفرحِ ابنِ عمِّها، وسهرةِ ابنِ خالتِها، وحتى في نزهةِ العيدِ مع صديقاتِها، ولن يهمَّها أنْ تبدوَ كثيراً بغيرِ مكياجٍ، أو أنْ تبدأَ التجاعيدُ والشعرُ الأبيضُ بغَزوِها؛ لأنها ستكونُ على ثقةٍ أنَّ مَن أحبَّها سيُحبُّها كما هي، ومَن رأى فيها عيباً سيَعجزُ عن رؤيةِ الميزاتِ، ومن أرادها سيأتي.. ومن ينتظرُ رأيَّ الناسِ فيها أولاً؛ فلا أهلاً به ولا سهلاً.

الشاطئُ هنا فاضحٌ لكُلِّ أكاذيبِ المسلسلاتِ مع البطلةِ بملابسِ السباحةِ العاريةِ، ممشوقةَ القوامِ، لامعةَ الجسدِ، برّاقةً تخطفُ قلبَ البطلِ من اللحظةِ الأولى، فالشاطئُ هنا مليءٌ بالنساءِ مُمتلئاتِ الوزنِ، تماماً كما هنَّ على الطبيعةِ ببطنِها الذي صار أكثرَ بروزاً من صدرِها؛ حتى لا يكادُ يبدو، وخصرِها الذي اختفى بعدَ تراكُمِ الدهونِ عليه، وشعرِها المجعّدِ من ماءِ البحرِ؛ بعدما تَساقطَ نِصفُه جرّاءَ تقدُّمِها في العمرِ، ثُم هي لا تخجلُ من الجلوسِ مُمدَّةً على الشاطئِ؛ تستمتعُ بلونِ الشمسِ اللافحِ على جِلدِها.

وهي بكُلِّ ذلك تثِقُ بمَن اختارَها، ورضيَ أنْ ينتَهيا معاً على وسادةٍ واحدةٍ، حتى وإنْ كان أكثرَ وسامةً منها، مع أنّ الرياضةَ وأماكنَ شدِّ الجسمِ متوفّرةٌ مجاناً في كلِّ حيٍّ _بدونِ مبالغةٍ_ يُمكِنُها أنْ تمارسَها متى شاءتْ من اليومِ كما تريدُ.

إنه الرِّضا، مِطرقةُ صندوقِ المظاهرِ، ورأيُ الناسِ الذي أحكمَ إغلاقُه على عقليتِنا بشكلٍ كبيرٍ، فاستهلكَ من سلامِنا الداخلي، ونقودِنا، وعلاقاتِنا وأحاطَنا بالأكاذيبِ والنميمةِ والتّهَكُمِ بلا حدودٍ.

لنَكسِرْه ونرضى بما نحن عليه، نتغيرُ وفقَ ما نريدُ لا ما يريدونَ، وفقَ ما يتطلبُه الشرعُ منها، لا ما يتطلّبُه الشارعُ والناسُ، وفقَ ما يرضي اللهَ تعالى؛ لا ما ترضاهُ أهواؤهم.. والسلام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى