Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

البحرُ “بوصلةُ” غزةَ الوحيدةُ صيفًا

الغزيّونَ على البحرِ يمارسونَ كلَّ أوجُهِ الحياةِ المُمكِنةِ في ظِلِّ تشديدِ الحصارِ 

 

تقرير : السعادة

البحرُ بوصلةُ المدينةِ الوحيدةِ المُحاصرةِ، فهو المَعْلَمُ الّذي يحدّدُ الجهاتِ، ونحوَه تتّجِهُ حركةُ العمرانِ، ويرتفعُ رأسُ المالِ الاقتصاديّ والاجتماعيّ بالقربِ منه؛ إذْ ترتفعُ قيمةُ العقاراتِ، ويتردّدُ تعبيرُ “نيّالهم! دارهم بتّطلّ ع البحر”، وحتّى اتّجاه قِبْلَة الصلاة يعرفُها الغزّيّون بإعطاءِ ظهرِهم للبحرِ.

مع تشديدِ الحصارِ، وغيابِ مصادرِ الرزقِ لغالبيةِ المَسحوقينَ فقراً في غزةً، ومع انقطاعِ الكهرباءِ، وموجاتِ الحرِّ غيرِ المسبوقةِ؛ يحملُ الغزيّون أرواحَهم وأحزانَهم، عجزَهم وتعبَهم وضياعَهم ويقظتَهم، وما يملكونَ من أحلامٍ وآمالٍ إلى شاطئِ البحرِ؛ ليَقضوا أيامَ الصيفِ الحاميةَ أمامَ مُتنفَّسِهم الوحيدِ.

طاقةُ الاستمرارِ

على “الكورنيش” الممتدِّ من بيت لاهيا شمالاً؛ وحتى رفحَ جنوبًا، في ساعاتِ الصباحِ الأولى، تصطّفُ كلُّ أنواعِ المَركباتِ التي تتواجدُ داخلَ المدينةِ، فيما يسيرُ على طرُقاتِه كلُّ وجوهِ المجتمعِ في “مراثون” رياضيّ خطُ وصولِه النهائي التخلصُ من الضغطِ والتوتُرِ، أو الحصولُ على جرعةٍ من النشاطِ والطاقةِ في حياةٍ لا طاقةَ فيها إلا طاقةُ الاستمرار..

وتقولُ “سُمية” وهي سيدةٌ في بداياتِ العقدِ الرابعِ، إنها شرعتْ منذُ سنة تقريباً بالتوجُّهِ شِبهَ اليومي إلى “الكورنيش”؛ بعدَ نصيحةٍ من الطبيبِ، بسببِ إصابتِها بـخشونةِ المفاصلِ، موضّحةً أنّها ترتّبُ كلَّ حياتِها للذهابِ باكرًا إلى الكورنيش؛ ليس فقط لاستفادتِها الكبيرةِ صحياً؛ وإنما لأنها تشعرُ أنّ مشوارَها الصباحي يخلّصُها من كلِّ أعباءِ الحياةِ التي نعيشُها بغزة، هناكَ أجِدُ نفسي حُرةً قويةً نشيطةً؛ ولدَيَّ قدرةٌ على الاستمرارِ والعطاءِ.

ومن بينِ زوّارِ “الكورنيش” صباحاً “محمود نصار”، في بداياتِ العقدِ السادسِ، ويملكُ محلاً تجارياً في مدينةِ غزة، ويقولُ إنه يأتي من منزلِه البعيدِ إلى هذا المكانِ، مستقلاً عربتَه، ويضعُها على أحدِ جوانبِ الطريقِ، ليمضي مدةَ ساعةٍ في المشي، من أجلِ خفضِ منسوبِ السكرِ في الدمِ، والمحافظةِ على ضغطِ الدمِ سليمًا، بعدَ إصابتِه قبلَ عامينِ بهذينِ المرَضينِ.

ولا ينتهي زوارُ “الكورنيش “مع شروقِ الشمسِ، وذهابِ أربابِ الرياضةِ كلٌّ إلى عملِه، فلهذا المكانِ زوّارُه، مع انتصافِ الشمسِ، حيثُ تبدأُ زياراتُ العائلاتِ، وطلبةُ الجامعاتِ، وحتى مَن هم في فترةِ الخطوبةِ، والأزواجُ الجُددُ؛ للاستمتاعِ بالمنظرِ الجميلِ، والذي يمتدُّ حتى يحتضنَ البحرُ قُرصَ الشمسِ، كما يعودُ في ساعاتِ العصرِ آخَرونَ ممن يفضّلونَ فترةَ الرياضةِ في هذا الوقتِ.

مشوارٌ إجباريّ مُحبّبٌ

في حين يقولُ أسامة أبو طواحين “43 عامًا”، إنه يسيرُ مسافةً تصلُ إلى ربعِ ساعةٍ؛ هو عائلتُه بشكلٍ يومي في ساعاتِ العصرِ؛ مصطحبًا معه بعضَ المياهِ الباردةِ، والأطعمةِ المنزليةِ غيرِ المُكلفةِ، وإناءينِ من الشايِ والقهوةِ المنزلية، وشرشفاً مزركشاً تضعُه زوجتُه بالقربِ من الشاطئ؛ وتجلسُ بينما يغوصُ “أسامة” وأطفالُه داخلَ المياهِ الزرقاءِ بسعادةٍ بالغةٍ لا تتغيرُ مَهما تكرّرَ الفعلُ.

يضيفُ أسامة:” أوضاعي الماليةُ صعبةٌ للغايةِ؛ ولا أمتلكُ غالبيةَ الأيامِ قوتَ يومي، لا يمكنُني إرسالُ أطفالي إلى أماكنَ ترفيهيةٍ؛ أسوةً بالأطفالِ المحيطينَ؛ لذا أصحبُهم إلى شاطئِ البحرِ، وأشاركُهم السباحةَ ثلاثَ مراتٍ أسبوعيًا؛ أنسِّقُها مع جدولِ الكهرباءِ؛ نخرجُ من المنزلِ بعدَ الساعةِ الخامسةِ؛ ونعودُ قربَ الساعةِ الحادية عشر بعدَ تأكُّدِنا من عودةِ الكهرباءِ.

أمّا أم محمد “38 عامًا” وعائلتُها، فتقولُ لـ “السعادة”:” تُجبِرُنا الكهرباءُ على مغادرةِ بيوتِنا في ساعاتِ العصرِ؛ نجتمعُ كلُّ نسوةِ الحيّ “أخوات، وصديقات، سلفات”؛ ونخرجُ إلى شاطئِ البحرِ، نفترشُ الأرضَ، يلعبُ أطفالُنا في المياهِ والرمالِ، ونتسامرُ نحن بعيدًا عن الحرِّ وغيابِ الكهرباءِ.

وتتابعُ: لا ملَلَ من مشوارِنا شِبه اليومي؛ على الرغمِ من أننا مُجبَرينَ عليه، فالبحرُ هو المتنفَسُ الوحيدُ والجميلُ لسكانِ القطاعِ، لا أحدَ يمكنُ أنْ يستغنيَ عنه، أو عن الجلوسِ على شاطئهِ، والاستمتاعِ بضجةِ الحياةِ التي تجدُها على الشاطئِ حتى ساعاتِ الليلِ المتأخرةِ.

مَقبرة

في حين يقولُ حسام أبو عرب “30 عامًا”:” غزة دونَ البحرِ مَقبرة، جئتُ إليه بعد أنْ ضاقت بي كلُّ سُبلِ العيشِ؛ أنا ومجموعةٌ من أصدقائي الذين نصحوني بإيجادِ مكانٍ يُمكنني أنْ أبيعَ من خلالهِ أيَّ صنفٍ من المأكولاتِ كمصدرِ رزقٍ لي ؛ فكان البحرُ هو مأمني.

ويضيفُ: بيعُ الذرةِ هو الحلُّ الأمثلُ أمامي في الأوضاعِ الراهنةِ؛ لاسيّما وأني غيرُ قادرٍ على إيجادِ عملٍ كاملٍ يمكنني من العيشِ بكرامةٍ وسعادةٍ، وأحرِصُ على بدءِ العملِ في بيعِ الذرةِ مطلعَ شهرِ مارس،؛ حيثُ يكونُ الزبائنُ في شوقٍ لتذوقِ الذرة، فأبيعُ ” الكوز” الواحدَ في بدايةِ الموسمِ بثلاثةِ شواكل، ثم أبيعُها نهايةَ العامِ بشيكلٍ واحدٍ؛ وأحقّقُ من ذلك (25) شيكلا يوميًا، تكفيني عن سؤالِ الآخَرين قوتَ يومي.

وعلى طولِ “طريقِ الكورنيش” أقامَ رجالٌ أكشاكاً خشبيةً صغيرةً، تُحملَ على عجلاتٍ، وجعلوها مصدرًا لجَني المالِ، من خلالِ بيعِ المشروباتِ الساخنةِ على روادِ المكانِ، ويحرصُ هؤلاء وبينَهم خريجونَ جامعيونَ، دفعتْهم ظروفُ الحياةِ، وتفشي البطالةِ، إلى بيعِ المشروباتِ للمارّةِ ومن يقضونَ وقتاً على “الكورنيش” بأسعارٍ قليلةٍ جداً؛ إذا ما قورنتْ بتلكَ التي تُباعُ في المقاهي الكبيرةِ، أو في الفنادقِ والمطاعمِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى