Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
حوار

سعيد الطويل ابنُ جمهوريةِ “رفح” الأكثرُ صموداً وعطاءً

أخبارٌ ع الريق صباحُ غزةَ اليومي

 

حوار : ديانا المغربي

في جمهوريةِ “رفح”، حيثُ تشرقُ الشمسُ مختلفةً على أبنائها الذين منذُ كبرتْ الثورةُ كبروا معها، وكانوا في كلِّ مراحلِها عناوينَ بارزةً، في جمهوريةِ “رفح” الحياةُ طعمُها مختلفٌ؛ هي آخِرُ مُدنِ القطاعِ؛ لكنها شريانُ الحياةِ لكُلِّ سكانِها، في جمهوريةِ “رفح” يغفو “سعيد الطويل” ورفاقُه؛ وهم يحلمونَ بعملِ خيرٍ جيّدٍ ينعشُ قلوبَهم وحياةَ مئاتِ العائلاتِ الذين يسمعونَ قصصَهم وأوجاعَهم، في “رفح” يستيقظُ “سعيد” ليكتبَ لنا أخباراً على الريقِ؛ تُشكّلُ نشرةَ أخبارِنا اليوميةِ منذُ ما يزيدُ عن مئةِ يومٍ .  

في ضيافةِ “السعادة” سعيد الطويل (34) عاماً، مهجّرٌ من قريةِ “المغار”، يعملُ صحفياً ومحاضراً أكاديمياً، حاصلٌ على الدراساتِ العليا بعلمِ الاجتماعِ، متزوجٌ من “فاطمةَ” الصديقةِ والشريكةِ والزوجةِ _كما يصِفُها_، لديهِ ثلاثةُ أطفالٍ؛ (رضوان، عبد الرحمن، ونوران)، يرتبطُ اسمُه ارتباطاً وثيقاً بالعملِ الخيري والإغاثي، عبرَ صفحاتِه “الفيسبوك” نتابعُ معه بشكلٍ يوميٍّ فرحةً جديدةً يصنعُها ورفاقُه من نشطاء “رفح” لبيتٍ أو شخصٍ جديدٍ.

المقلوبةُ والمعكرونةُ

يقولُ لـ “السعادة”:” أنا من مواليد “رفح”، والابنُ الأكبرُ لعائلتي، صنعوني على عينِ اللهِ، وضعوا فيَّ كلَّ أحلامِهم، فمنذُ سنواتِ عمري الأولى؛ أدركتُ أنّ حُلمَ أبى أنْ أكونَ مميّزاً، يدعو ليَ الناسُ كلما رأوني؛ لذلك كنتُ ابنَ الخيرِ أكثرَ من عائلتي، وكافحتُ حتى أكونَ شاباً مبادِراً وخادماً لمجتمعِه، وعَلماً، وقد يسّرَ اللهُ لي كلَّ ذلكَ بقليلٍ من السعيِ وكثيرٍ من الرضا.

هذا الحبُّ الكبيرُ تسلّلَ إلى علاقتي بعائلتي الصغيرةِ والمقرّبةِ، فوالدي أصبح الصديقَ القريبَ والحبيبَ.. بَيدَ أنّ هذه الصداقةَ لا تتعدّى على مكانةِ أمي؛ ” أم سعيد”؛ الأولى في حياتي؛ أعيشُ برضاها ودعواتِها اليوميةِ، والتي تصنعُ أكلَتي المفضّلةَ “المقلوبةَ والمعكرونةَ ” الأجمل على مستوى الوطنِ، في حين يُمثّلُ إخوتي _على الرغم من أنهم أصغرُ منّي_  سَندَ الحياةِ لي، في حين تتمثّلُ حلاوةُ الدنيا بشقيقتي (أنغام)، التي تشارِكُني حبَّ اللونِ الأسودِ، وكثيراً من صفاتي وميولي.

جمهوريةُ “رفح” _كما يسمّيها الطويل_ الميلادُ، والنشأةُ، والانطلاقُ، والمعارفُ، والناسُ الطيبةُ، منها تَعلّمنا المبادرةَ وحُبَّ الناسِ، فيها جاهدْنا الاحتلالَ؛ فتعرّضنا للإصابةِ، وهدمِ البيوتِ، وقصفِ مصادرِ الرزقِ، وغيابِ الأملِ.. ورغمَ ذلك تبقَى الحُبَّ الذي لا يتغيّرُ، والمدينةَ التي تعطيكَ أكثرَ مما تأخذُ منك، يحبُّها أبناؤها بشغفٍ غريبٍ؛ قد نقولُ عنه (الحبُّ الذي لا يخرجُ بَرَّه يعودُ إليها ) وهذا ما لمسناهُ جميعاً وقتَ مبادرةِ حملةِ “رفح بحاجةٍ إلى مستشفى”، والتي كان لي الفخرُ أنْ أكونَ أنا ومجموعةٌ من أصدقائي من منظِّميها والداعينَ لها باستمرارٍ .

حدُّ النخاعِ

في هذه الحملةِ بالذاتِ، والتي استمرّتْ لمدّةِ عامينِ تقريباً؛ انتزعْنا قراراً ببناءِ مستشفى برفح، اكتشفْنا أنّ حُبَّ “رفح” يُعشّشُ في صدورِ كلِّ من عاشوا فيها، وغادروها للعملِ أو للحياةِ خارجَها في مُدنِ العالمِ الكبيرةِ، وأنّ احتياجاتِ “رفح، ومتطلباتِ سكانِها؛ استطاعتْ أنْ تُعيدَهم إلى مربّعِ الحبِّ، وتجعلُهم يطالبونَ _بكُلِّ ما أوتوا من قوةٍ_  أنّ رفحَ بحاجةٍ لهذه المستشفى.. تَعاضُدُهم القويُّ معنا؛ دفعَنا للاستمرارِ وعدمِ اليأسِ، كانت بيوتُ “رفح” كاملةً، ومؤسساتُها، ومحلاتُها التجاريةُ، وطاقاتُها الشبابيةُ متاحةً وتحتَ تصرّفِ مُنَسّقي الحملةِ ؛ لدرجةٍ كُنا نسيرُ في الشارعِ فيصرخُ البعضُ موصياً إيانا؛ أنّ رفحَ بحاجةٍ إلى مستشفى.

ويتابعُ: الغريبُ أيضاً أنّ هذه الحملةَ أشعرتْنا بحُبِّ “رفح” من الجميعِ: الفِرقِ الشبابيةِ، الشخصياتِ الوطنيةِ، الصحفيينَ والإعلاميينَ؛ حتى بات هاشتاج “رفحُ بحاجةٍ إلى مستشفى” ا”لترند” الدائمَ على صفحاتِ “السوشيال ميديا”.

ثلاثيةُ الخيرِ الرفحيةُ الاسمُ الجميلُ الذي يمكنُ أنْ يُطلَقَ على علاقاتِ “سعيد” وأصدقائه، إذْ يجتمعُ “سعيد” مع ثُلّةٍ من أصدقائه؛ ينتمونَ إلى أحزابٍ سياسيةٍ مختلفةٍ في الرؤى والبرامجِ؛ إلاّ أنّ هذا الاختلافَ لا يصِلُ إليهم، ولا يؤثّرُ على علاقاتِهم أو مبادرتِهم التي أصبحتْ اليومَ جزءاً من حياةِ “رفح” اليوميةِ.

سامِحْ.. تؤجَرْ

 

يتناقشونَ، يفكرونَ، يلعبونَ، وكثيراً ما يسهرونَ، ويتابعُ الجميعُ سهراتِهم الليلةَ من خلالِ شواءِ “الباذنجان”، أو تحدِّي كرةِ القدمِ بينَ الفِرقِ التي يشجعونَها؛ إذْ يشجّعُ “سعيد” فريقَ “برشلونة” العالمي، أمّا على صعيدِ الرياضيةِ العربيةِ؛ فهو (أهلاوي) بدونِ منازعٍ،  ومحليّاً فهو (رفحاوي) حدَّ النخاعِ؛ إذْ يتابعُ مبارياتِ خدماتِ رفح بشكلٍ دوريّ.

ويعودُ “الطويل” بذاكرتِه إلى المبادَرةِ الأولى التي جمعتْهُ بأصدقاءِ العمرِ، ورفاقِ الدربِ _كما  يسمّيهم_ إلى صيفِ (2014) إبّانَ الحربِ الأخيرةِ على قطاعِ غزةَ؛ حيثُ دارَ النقاشُ يومَها؛ كيف يكونُ لنا دَورٌ وطريقةٌ لدعمِ المدينةِ المكلومةِ؟ فقرّرْنا استغلالَ تواجُدِنا عبرَ منصّاتِ التواصلِ الاجتماعي.

كانت “رفح” المدينةَ الأكثرَ تضرُّراً، وانتهاكاً، ووحشيةً، وانتصاراً، وصموداً؛ حيثُ وصلتْنا مناشدةٌ من عائلاتٍ خرجتْ من بيوتِها تُجاهَ مدارسِ “الأونروا” من شِدّةِ القصفِ الذي طالَ منازلَهم، وجاء وقتُ السحورِ؛ وغيرُ متوفّرٍ عندهم سحورٌ، كتبتُ منشوراً.. وبعدَ عدّةِ دقائقَ عشراتُ العائلاتِ تواصلتْ معي لتوصيلِ سحورٍ وإفطارٍ.

مع هذه النخوةِ العظيمةِ بدأتْ حملةُ المساعداتِ الكبرى التي استمرتْ حتى آخرِ يومٍ بالحربِ، وامتدَّ عملُها وتوَسّعَ بشكلٍ كبيرٍ؛ وصلَ لاستئجارِ بيوتٍ، وتسكينِ النازحينَ في المنازلِ، واستمرَّ العملُ على فتراتٍ متقطّعةٍ حتى انطلقتْ قبلَ قرابةِ عامينِ حملةُ “سامِح تؤجَر” الشهيرةُ؛ والتي ذاعَ سيطُها في أرجاءِ البلادِ من خلالِ فكرةٍ بسيطةٍ؛ بعدَ نشرِ الصديقِ “أسامة أبو دلال” عبرَ صفحتِه المتواضعةِ؛ أنه قد سامحَ بكُلِّ الديونِ التي يريدُها من الناسِ؛ فتلقفتُ الفكرةَ أنا وأصدقائي؛ ورَوَّجنا لها؛ وحازتْ على جماهيريةٍ هائلةٍ تخطّتْ الحدودَ من فضلِ اللهِ.

دَينُكَ حقٌّ علينا

استمرّتْ حملةُ “سامحْ تؤجَر” بفكرةٍ جديدةٍ؛ وهي مساعدةُ الغيرِ، وتقديمُ المساعداتِ لهم بمختلفِ أنواعِها، مع التركيزِ على تلبيةِ مناشداتِ العلاجِ والغذاءِ والمسكنِ، وقد أبدعَ رفافي “وائل وخالد” ضِلعا المُثلثِ (أصدقاءُ ثلاثيةِ الخيرِ) في مواصلةِ توفيرِ الدعمِ لإنجازِ تكيّةِ رفح الخيريةِ، التي تقدّمُ الطعامَ الطازجَ واللحومَ والدجاجَ _بشكلٍ شِبه أسبوعي_ للأُسرِ المتعففةِ دونَ إحراجٍ أو تصويرٍ يهينُهم.

ويتابعُ: بعدَها منَّ اللهُ علينا بحملةِ (دَينُكَ حقٌّ علينا)؛ وهي أكثرُ الحملاتِ قوةً وتفاعلاً؛ والتي تتلخّصُ بسدادِ ديونِ شهداءِ مسيراتِ العودةِ؛ وقد تمَّ سدادُ ديونِ عشراتِ الشهداءِ من قِبلِ أهلِ الخيرِ؛ وكان لها الأثرُ الكبيرُ في نفوسِ الجميعِ .

حولَ سؤالِ “الطويل” عن نشرةِ أخبارِه اليوميةِ؛ ابتسمَ بشغفِ المُحبِّ لمجتمعِه وقالَ:”ع الريق” كانت تجربةً عفويةً، لم أقصدْ أنْ أستمرَّ فيها؛ لكني وجدتُ تفاعلاً، واهتماماً، وتشجيعاً؛ فشعرتُ أنه يجبُ أنْ أكملَ، وألتزمَ نحوَ المتابعينَ.

يقولُ سعيد: “أحببتُ أنْ أوجِّهَ الناسَ نحوَ القراءةِ بطريقةِ “اللغة البيضاء”، التي نَسمعُها في الشارعِ وفي السيارةِ، وفي صالونِ الحلاقةِ، وغيرِها، فتُحيطَ بها، وتتثقفُ بما يدورُ حولَها من أخبارٍ، بحيثُ يكونوا في قلبِ الحَدثِ”.

وأضاف: “المقصودُ هنا باللغةِ البيضاءِ؛ ليستْ لغةَ الشوارعِ؛ بل اللغةَ البسيطةَ المتداوَلةَ بينَ الناسِ، فأحاولُ أنْ أكتبَ أخباري بنفسِ الألفاظِ؛ لتصِلَ إلى المتعلّمِ وغيرِ المتعلمِّ، والمهتمِّ وغيرِ المُهتم، فيصبحَ الشخصُ يعرفُ ما يجري حولَه، وتصِلُ الأخبارُ إلى جميعِ الفئاتِ في المجتمعِ؛ وهذا هدفي”.

“ع الريق”

وحولَ آليةِ كتابةِ النشرةِ، قال سعيد: “أستيقظُ وقتَ الفجرِ؛ أؤدّي الصلاةَ؛ ثُم أنسجُ أفكاري؛ بعدما أُلِمُ بالمحيطِ حولي؛ وأحرصُ على التأكُّدِ من دِقّةِ المعلوماتِ؛ وأنْ تكونَ مثيرةً للاهتمامِ، وجديدةً؛ فأُلخِّصُ للناسِ كلَّ ما حدثَ بالأمسِ على مدارِ اليومِ، وفي الساعةِ السادسةِ والنصفِ صباحاً؛ تكونُ النشرةُ جاهزةً؛ ويستغرقُ إعدادُها نصفَ ساعةٍ فقط”.

وحولَ نجاحِ الفكرةِ وانتشارِها بشكلٍ واسعٍ، يقولُ: “لم أتوقّعْ نهائياً ردودَ الفعلِ الإيجابيةَ التي أحدثتْها نشرةُ أخبارِ “ع الريق”، كانت صفحتي نشيطةً؛ ولكنْ زادَ نشاطُها كثيراً، وكثيراً من الصفحاتِ النشطةِ التي فيها مليون مُتابعٍ تتداولُ النشرة بشكلٍ يوميّ سواءٌ في الضفةِ أو غزةَ، وتمَّ رصدُ تفاعلٍ معها بالآلافِ، ما بينَ تعليقاتٍ ومشارَكاتٍ”.

ويهمسُ “الطويل” _الذي يتمنّى الحصولَ على شهادةِ “الدكتوراه” في العلومِ السياسيةِ_ لِجيلِ الشبابِ الذين يقاربونَه بالعمرِ: إنّ الحياةَ الجامعيةَ هي سرُّ الكينونةِ والانطلاقِ؛ وهي المحطةُ الأكثرُ انطلاقاً، فالعملُ الطلابيّ يُغيّرُ في سلوكِكَ، وطريقةِ تفكيرِك، وتعامُلِكَ مع الآخَرينَ، ويطوّرُ من خبراتِك، ومعارفِك، وقدراتِك على العطاءِ والشراكةِ والتواصلِ والحبِّ والتغييرِ والعملِ الوطنيّ والمجتمعي.

ويضيفُ: حُبي وشغفي بالعملِ الإعلاميّ والشبابيّ تُلخِّصُه أحلامي بأنْ أكونَ مديراً لشبكةٍ إعلاميةٍ عالميةٍ؛ تُقدّمُ محتوَى بقالبٍ مِهنيّ؛ يوجَّهُ مباشرةً للشعوبِ بشكلٍ واقعيّ دونَ أيِّ أجنداتٍ؛ إضافةً للاهتمامِ الخاصِّ لإنشاءِ مركزٍ خاصٍّ بالدارساتِ الإعلاميةِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى