المعاييرُ القانونيةُ في التحقيقاتِ الاستقصائيةِ قانونياً
تُعَدُّ التحقيقاتُ الاستقصائيةُ الصحفيةُ أحدَ أنواعِ الكتاباتِ الصحفيةِ، والتي يقومُ فيها الصحفيونَ بالتحقيقِ في موضوعٍ مُعيّنٍ؛ مِثلَ الجرائمِ الخطيرةِ، أو الفسادِ السياسي، أو مخالفاتِ الشركاتِ، وقد يقضي الصحافي الاستقصائي شهورًا أو سنواتٍ في البحثِ وإعدادِ التقريرِ. وتُعَدُّ الصحافةُ الاستقصائيةُ مصدرًا رئيسًا للمعلوماتِ، وهي عمليةٌ منظمةٌ ومنهجيةٌ تتضمنُ مجموعةً من الخطواتِ؛ تبدأُ بتحديدِ الإشكاليةِ، ومن ثَم وضعِ الأسئلةِ والفرَضياتِ، ويَتبعُها جمعُ المعلوماتِ ذاتِ الصلةِ بالإشكالية، ومن ثَم يتمُّ اختبارُ الفرصِ، والإجابةُ عن الأسئلةِ، وتُختَتَمُ بوضعِ تقريرِ الإجابةِ.
ترتبطُ التحقيقاتُ الاستقصائيةُ بمواضيعَ حسّاسةٍ وخطيرةٍ، ومن المُمكِنِ أنْ تؤدّي لإلحاقِ ضررٍ بالصحفي المُستَقصي؛ إنْ لم يكنْ على علمٍ ودرايةٍ بالأُسسِ القانونيةِ لعملِها، من بدايةِ عملِه على التحقيقِ، وطريقةِ حصولِه على المعلوماتِ، فيتوَجّبُ عليه الابتعادُ عن الطرُقِ غيرِ المشروعةِ في جمعِ المعلوماتِ؛ مِثلَ سرقةِ المَلفاتِ الحكوميةِ، أو التجسُّسِ، أو انتحالِ شخصيةِ الغيرِ، ويجبُ عليه احترامُ الوثائقِ السريّةِ للدولةِ وعدمُ نشرِها، وعدمُ التسجيلِ أو التصويرِ؛ إلّا بإذنِ الطرَفِ الآخَرِ وموافقتِه؛ حتى ولو كان بغَرضِ تفريغِه كتابةً، كما و يجبُ عليه اتخاذُ جميعِ الإجراءاتِ التي يقومُ بها بحُسنِ نيَّةٍ، والبعدُ عن الرشاوَى والإكرامياتِ كونَها تُعَدُّ جريمةً.
ومن الأُسسِ القانونيةِ المهمةِ؛ هو إثباتُ صحةِ المعلوماتِ التي يقومُ بجَمعِها؛ فهي مُجرَدُ ادِّعاء، بحيثُ يجبُ على الصحفي تحديدُ المصادرِ بكلِّ وضوحٍ، وأنْ تكونَ كلُّ معلومةٍ مدعومةً بمَصدرَينِ على الأقلِّ، كما وعلى الصحفي السعيَ لتوثيقِ المعلوماتِ، وتقديمَ أدلةٍ قانونيةٍ على صحتِها؛ لكي لا يُعرّضَ نفسَه للمسؤوليةِ القانونيةِ والمجتمعيةِ، مع التأكيدِ على ضمانِ حقِّه في كتمانِ مصدرِ معلوماتِه، وعدمِ كشفِه أمامَ أيِ جهةٍ لإنفاذِ القانونِ؛ إنما فقط أمامَ قاضي جزائي فقط.
كما وتُعَدُّ طريقةُ صياغةِ التحقيقِ نفسِه أهمَّ أساسٍ قانوني فيه؛ وتتضمنُ عدّةَ اعتباراتٍ من حيثُ مدَى التزامِ الصحفي وحفاظِه على النزاهةِ والتوازنِ والموضوعيةِ في طرحِه للتحقيقِ، وكم بذلَ الجهدَ والتحرّي عن صحةِ المعلوماتِ الواردةِ به، وعدمِ مبالغتِه أو تهويلِه أو استخدامِ مدلولاتٍ مغايرةٍ، أو تهَكّم أو سخريةٍ، ومدَى حرصِه على طرحِ الآراءِ والردودِ بشكلٍ محايدٍ، وعدمِ نشرِه الأقوالَ والآراءَ عن طريقِ الحيلةِ والخداعِ، وعدمِ نشرِه معلوماتٍ غيرَ صحيحةٍ أو غيرَ موَثّقةٍ، بالإضافةِ لتحرّي الدقةِ عندَ نشرِ الخبرِ، وعدمِ الذمِّ أو القدْحِ، وأنْ لا تكونَ هناك أيُّ دوافعَ شخصيةٍ للصحفي من نشرِ المادةِ، وإتاحةِ حقِّ الردِّ للآخَرينَ ونشرِه مَهما كان ردُّهم؛ إلّا إذا احتملَ كلاماً غيرَ لائقٍ أخلاقياً للنشرِ، واحترامِ الحياةِ الخاصةِ للمواطنينَ، واحترامِ حريةِ الأديانِ والعقائدِ، وعدمِ نشرِ أيِّ صوَرٍ فاضحةٍ أو مُسيئةٍ، وتُعاملُ الصحفيَّ على أنه يمتلكُ جزءاً من الحقيقةِ، وحرصِ الصحفي على مراقبةِ جودةِ النصِّ، والالتزامِ بالتوثيقِ والكتابةِ وِفقَ ما صرّحَ به المصدرُ، وختاماً تدقيقُ جميعِ الحقائقِ الواردةِ في التحقيقِ من منظورٍ قانونيٍّ؛ بحيثُ لا يَرِدُ فيه ما يُشكّلُ جريمةً بالنسبةِ للصحفي.