Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

نُدوبُ الروحِ البشريةِ

بقلم : الكاتب علي لبد

الضغوطُ النفسيةُ وما يتولّدُ عنها من تَوتُرٍ وكبتٍ وقلقٍ؛ هي ندوبٌ مؤلمةٌ وعميقةٌ؛ وصدماتٌ مرعبةٌ متتاليةٌ؛ عاشها أهلُ قطاعِ غزةَ خلالَ الحربِ الأخيرةِ؛ حيثُ كان أصعبَها فَقدُ الأحبةِ وفقدُ المأوَى، والمَشاهدُ المفزعةُ من دماءِ وأشلاءِ الكبارِ والصغارِ، والدمارُ والقصفُ العنيفُ المتواصلُ الذي فاقَ التوقّعَ والخيالَ. فقد شكّلتْ الحربُ الأخيرةُ عاملاً نفسياً صعباً على الجميعِ، والتي انعكستْ على الحالةِ النفسيةِ للمواطنينَ، وأضحتْ تراكماتٍ مرعبةً من الكبتِ والاختناقِ والخوفِ والأرقِ والفزعِ؛ ما أحدثَ حالةً من الاضطرابِ عندَ البعضِ فيما بعدُ، وللتغلّبِ على هذه التراكماتِ النفسيةِ والاضطراباتِ؛ فإنّ الإنسانَ بحاجةٍ إلى برامجَ متعدّدةٍ من التفريغِ النفسي؛ تختلفُ في مقوّماتُها ومحتوياتُها.. منها ما يقومُ بها أخصائي ومعالجٌ نفسي؛ وتكونُ عبارةً عن جلساتِ التفريغِ النفسي؛ التي تختلفُ في مدَّتِها حسبَ الحالةِ؛ فبعضُها يتمُّ من خلالِ الأسرةِ والمحيطِ الاجتماعي  من أقاربَ وأصدقاء، وبعضُها الآخَرُ يُنفّذُها الشخصُ نفسُه من خلالِ تمارينَ سلوكيةٍ معيّنةٍ ، وإنّ من الجديرِ ذِكرَه ضرورةُ التعاملِ الصحيحِ مع الاضطراباتِ النفسيةِ؛ ومحاولةُ تفريغِها بسرعةٍ ليتمكنَ الشخصُ من الوصولِ إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ فيما يتعلقُ بصحتِه النفسيةِ، والجميعُ يعلمُ أنّ الضغوطَ النفسيةَ نتجتْ عن تراكُمٍ للعديدِ من المُهدداتِ ونقصِ الحاجاتِ الأساسيةِ للإنسانِ، التي أغلبُها ناتجٌ عن الحربِ وآثارِها، وبعضُها من آثارِ الحصارِ المستمرِّ؛ الذي ولَّدَ فقراً وتراجعاً اقتصادياً لدَى كافةِ شرائحِ المجتمعِ؛ وزِدْ على ذلكَ فقدانَ الأمنِ والطمأنينةِ خاصةً عندَ تواصلِ هجماتِ العدوِّ على القطاعِ.

ولتشتيتِ وتفريغِ المشاعرِ السلبيةِ؛ كالغضبِ والشعورِ بالذنبِ والتوترِ والحقدِ والكراهيةِ؛ يجبُ انتهاجُ بعضِ الأساليبِ والتمارينِ لهذا الشخصِ، الذي تعرّضَ لتلكَ الظروفِ الصعبةِ ومنها : ممارسةُ الأنشطةِ  الرياضيةِ؛ مِثلَ المَشي بينَ أحضانِ الطبيعةِ، أو لعبةِ كرةِ القدمِ، أو أيِّ ألعابٍ أخرى يحبُّ ممارستَها، أو الذهابِ والسيرِ على شاطئ البحرِ؛ لتخفيفِ التوتراتِ، وتفريغِ الشحناتِ الانفعاليةِ السالبةِ؛ ما يزيلُ الهمومَ والضغوطَ النفسيةَ، والنظرةَ السلبيةَ للآخَرينَ.

وهنا أوَدُّ أنْ أُشيرَ إلى أسلوبٍ علاجيٍّ مُهِم يتعلقُ بالوجدانِ والروحِ ،، أَلا وهو قراءةُ القرآنِ؛ وإمتاعُ النظرِ في آياتِه؛ فهو غذاءٌ للعقلِ والروحِ، وصحةٌ للنفسِ، وإعادةُ التوازنِ، والتكيفُ مع الواقعِ، ويَبثُّ الطمأنينةَ في النفسِ. قال تعالى: ” أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” الرعد:28، وشفاءٌ كثيرٌ من المشكلاتِ السلوكيةِ والأمراضِ النفسيةِ والاجتماعيةِ، ويجلو به اللهُ الصدورَ ويطهّرُها من الدَّنسِ، ويغسلُها كما يَغسلُ الماءُ الثوبَ. ومن الدلالاتِ المعبّرةِ عن إزالةِ التوتُرِ؛ السجودُ والبكاءُ لقولِه تعالى: “وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا” الإسراء:109، فالبكاءُ سلوكٌ سيكولوجي يعبّرُ عن موقفٍ يتعرّضُ له  الشخصُ سواءً كان مُفرِحاً أو مُحزناً للتخفيفِ عن النفسِ وخلجاتِها؛ وهو من مراحلِ الارتدادِ النكوصي للشخصيةِ في حالاتِ الإخفاقِ والفشلِ، أو التعرّضِ للمواقفِ الطارئةِ، أو مراحلِ اليأسِ والضعفِ والعجزِ والكسلِ، أو المرضِ والألمِ، أو الكبتِ والقهرِ والإيذاءِ النفسي، أو الاستجداءِ وطلبِ المساعدةِ. وللبكاءِ والدموعِ وظائفُ ودلالاتٌ نفسيةٌ ومعنويةٌ؛ تُنَقي النفسَ وتريحُها وتطهرُها، منها:

–   تقليلُ الهرموناتِ المُسبِّبةِ للتوترِ والضغطِ، والتأزمِ النفسي، وللبكاءِ وذَرفِ الدموعِ ردُّ فعلٍ فسيولوجيٍّ لراحةِ القلبِ، وترويحِ الأعصابِ، وإعادةِ التوازنِ الهرموني، ويُجسّدُ بالحركةِ والصوتِ والصراخِ، وهو لغةُ الجسدِ.

–  يساعدُ البكاءُ على تفعيلِ الخلايا المنتِجةِ للأجسامِ المضادة، وزيادةِ المناعةِ الجسميةِ وإفرازاتِ الغدّةِ الدمعية.

–  أما البكاء المُفاجئُ والدموعُ غيرُ الإراديةِ، تعملُ على تشتيتِ المشاعرِ السلبيةِ كالغضبِ والشعورِ بالذنبِ والتوترِ والحقدِ والكراهيةِ.

–  كما يعملُ البكاءُ على فتحِ المداركِ والاستبصارِ بالذاتِ، والتغلّبِ على الاغترابِ والنفورِ النفسي قدرَ الإمكانِ، يقالُ: “دقيقةُ بكاءٍ تَجلو النفسَ، وتُغني عن ساعةِ نوم”.

في الختامِ اعلَموا أنّ الصحةَ النفسيةَ تُعدُّ جزءًا من خدماتِ الصحةِ العامةِ، فلا تَتردَّدوا ولا تخجلوا من زيارةِ الطبيبِ النفسي لكم أو لذوِيكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى