Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياحة

المقاومةُ الشعبيةُ في “بيتا” تواجِهُ بؤرةً استيطانيةً

جبلُ صبيح صامدٌ في وجهِ المحتلِّ

 

تحقيق : السعادة

على وقعِ الهتافاتِ، ومكبّراتِ الصوتِ، وأبواقِ المَركباتِ، وإشعالِ الإطاراتِ؛ تعيشُ بلدةُ “بيتا” جنوبَ نابلس، منذُ أسابيعَ هذه الحالةَ؛ كأسلوبٍ جديدٍ في المقاومةِ الشعبيةِ ضدَّ إنشاءِ بؤرةٍ استيطانيةٍ جديدةٍ فوقَ قمّةِ “جبل صبيح”، والذي أَطلقَ عليه الأهالي “الإرباك الليلي”.

تقعُ بلدةُ “بيتا” إلى الجنوبِ الشرقي من مدينة نابلس؛ وتبعدُ (13) كم عن مدينةِ نابلس؛ وتُعَدُّ عاصمةً لمجموعةِ (مشاريق البيتاوي) والتي تضمُّ إحدى وثلاثينَ قريةً؛ وتمتدُّ أراضيها على الرقعةِ الجغرافية الواقعةِ بين قريتَي حوارة وقوزة غرباً، وقريةِ عَقرَبا شرقاً  ومن قريتَي عورتا وأودلة شمالاً إلى قرى يتما وقبلان وأوصرين جنوباً، يعودُ أصلُ تسميتِها إلى أصلٍ سريانيٍّ معناه الأهلُ أو البيتُ وبيتا .

تبلغُ مساحةُ الأراضي التابعةِ لقريةِ بيتا ستةً وسبعينَ ألفَ دونمٍ، معظمُها مزروعٌ بالزيتونِ واللوزِ والتينِ والعنبِ؛ وتُعَدُّ بيتا البلدَ الأولَ في إنتاجِ الزيتِ في محافظةِ نابلس؛ حيثُ ترتفعُ (550) متراً عن سطحِ البحرِ .

جمالُ الطبيعةِ

تتشكلُ أراضي “بيتا” في معظمِها من مرتفعاتٍ جبلية يتخلَّلُها عددٌ من الأودية التي تتَّجِهُ في مجراها من الشرقِ إلى الغربِ، وأهمُّ جبالِها جبلُ “العرمة”، والذي يبلغُ ارتفاعُه عن سطحِ البحر (783) متراً، ويوجدُ في البلدة العديدُ من العيونِ والينابيعِ؛ أهمُّها (عين روجان، وقوزا، وأم الجرب، وعينُ المغارة، وعينُ الغوطة).

يتصلُ بالقريةِ من الناحية الشرقيةِ خربتانِ أثريتانِ؛ فيهما بيوتٌ رومانيةٌ مهدّمة، وبعضُ السجونُ؛ أهمُّها حبسُ خربة روجان، وحبسُ الشايب في خربةِ عوليم، كما يوجدُ جنوبَ البلدة منطقةٌ أثرية تسمّى “البالعة”؛ وهي عبارةٌ عن مغارةٍ على جدرانِها بعضُ التماثيلِ، وكلُّها يعودُ تاريخُها للعهدِ الروماني، وكذلك العرمة، ومقام أبو زكري.

تعدُّ بلدةُ بيتا البلدةَ الأمَّ في التاريخِ الفلسطيني؛ لأنَّ العشراتِ من القرى التي تشكلتْ تعودُ جذورُها إلى عائلاتٍ من بلدة بيتا، حيثُ شاركَ أهلُها في جميع الثوراتِ الفلسطينيةِ، وقدّمتْ ما يزيدُ على خمسينَ شهيداً من خيرةِ أبنائها.

بلدةُ “بيتا” إحدى البلداتِ القليلةِ جنوبَ نابلس، التي لم يَنخرْ الاستيطانُ أراضيها، ما زالت تُجسّدُ النموذجَ الحيّ للمقاومةِ الشعبيةِ في وجهِ الاحتلالِ، فتحوّلَ الجبلُ المحتلُّ إلى ميدانِ مواجهةٍ حقيقةٍ، ضِمنَ معركةٍ توَحّدَ فيها أبناءُ البلدةِ من كافة الأعمارِ والفئات، فاستُشهدَ الطالبُ والمعلمُ ووكيلُ النيابة في سبيلِ اقتلاعِ البؤرةِ الاستيطانيةِ.

إحصائياتٌ

استغلَّ المستوطنون أحداثَ الشيخ جرّاح، وعدوانَ الاحتلالِ على غزة، ليُكملوا مخطَّطَهم بالاستيلاءِ على جبلِ “صبيح” الواقعِ على أراضي بلدات “بيتا”، و”قبلان”، و”يتما”، جنوبي نابلس، وفي غضونِ نحوِ خمسةٍ وأربعينَ يومًا أقاموا قرابة (40) وحدةً استيطانيةً على سبعِ دونمات، ووضعوا خياماً وكرفانات لترسيخِ مشروعِهم القاضي بابتلاعِ الجبلِ، وبدءِ توسعةِ مستوطنةِ “أفتار” لوَصلِها بجدارٍ استيطاني يصِلُ الأغوارَ، ويفصلُ شمالَ الضفةِ عن جنوبها.

تشيرُ إحصائياتٌ رسميةٌ فلسطينية، إلى أنّ (618) مواطنًا أصيبوا منذُ مطلعِ مايو الماضي في بلدةِ بيتا، خلالَ المواجهاتِ التي تشهدُها البلدة ليلًا نهارًا؛ احتجاجًا على إقامةِ بؤرة “أفيتار” الاستيطانيةِ على قمةِ الجبل.

في حديثٍ “للسعادة” مع نائب رئيسِ بلديةِ بيتا “موسى حمايل”، ذكرَ أنّ ميثاقَ الشرفِ على رفضِ الاستيطانِ سجّلتْهُ البلدةُ بالدمِ منذُ عام (1988)؛ بعدَ أنْ أفشلتْ أولى محاولاتِ إقامةِ المستوطنينَ بؤرةً على أراضيها، فشبابُ البلدةِ وفعالياتُها ومؤسساتُها لن تقبلَ أيَّ مستوطنةٍ على أراضيها، وستبقى شوكةً في حلقِ الاستيطانِ والمحتل”.

وأوضحَ “حمايل” أنه كما فشلتْ محاولةُ إقامةِ بؤرةٍ في جبلِ العرمةِ العامَ الماضي؛ ستفشلُ في جبلِ صبيح، منوهًّا إلى أنّ (90%) من أراضي البلدةِ واقعةٌ في المنطقةِ المصنفةَ (ب) وفقَ اتفاقِ أوسلو.

 

إزالةُ البؤرةِ الاستيطانية

ويصِفُ “حمايل” ممارساتِ الاحتلالِ بأنها “عمليةُ إجرامٍ وإعدامٍ ممنهجٍ بحقِّ البلدةِ وأبنائها، فخلالَ شهرٍ أعدمَ الاحتلالُ أربعةً من شبابِ البلدة، واستهدفَ المتظاهرينَ بالرصاصِ الحيِّ بشكلٍ جنوني؛ حيثُ تركّزتْ الإصاباتُ في الصدرِ والبطنِ والأطرافِ”.

ويشيرُ إلى أنّ جرائمَ الاحتلالِ وقنصِ الشبانِ؛ التي إنْ لم تؤدِّ لاستشهادِ أحدِهم؛ ستجعلُه يرافقُ الإعاقةَ، تهدفُ لإرهابِ أهالي البلدةِ، وثَنيِهم عن مقاومةِ البؤرةِ الاستيطانيةِ، وفرضِ أمرٍ واقعٍ على الأرضِ، مؤكدًا “لكنْ لن تثنيَ تلكَ الجرائمُ شبابَ البلدةِ عن المقاومةِ الشعبيةِ حتى إزالةِ البؤرةِ الاستيطانيةِ عن أراضيها”.

ويبيّنُ أنّ المستوطنين سيطروا على قرابةِ (20) دونمًا من قمةِ الجبل، وأقاموا (30) “كرفانا” بمساعدةٍ من جيشِ الاحتلالِ، كما شقّوا الطرُقَ لها خلالَ أيامٍ فقط، فيما يتخوفُ أهالي القرى الثلاثِ من السيطرةِ على كاملِ الجبل، والبالغةِ مساحتُه (840) دونمًا.

ويشيرُ “حمايل” إلى أنّ أهالي بيتا يملكون (20-25%) من مساحةِ الجبلِ الإجمالية، فيما تَتبعُ بقيةُ المساحاتِ لأهالي قبلان ويتما، منوّهًا إلى أنّ إقامةَ المستوطنةِ سيؤثّرُ بشكلٍ مباشرٍ على حياة المواطنينَ وأرزاقِهم والتواصلِ ما بين القرى الثلاث؛ نظرًا لقُربِها من الشارعِ الواصلِ بين زعترة ومدينةِ أريحا.

مسيراتٌ يوميةٌ

ويكافحُ سكانُ البلدةِ الذين ينظّمونَ مسيراتٍ يوميةً مندّدةً بالاستيطان، ويطالبونَ بإخلاءِ المستوطنين الذين يسابقونَ الزمنَ لتثبيتِ وجودِهم. وسبقَ أنْ أفشلَ السكانُ أربعةَ مخطّطاتٍ سابقةٍ لتوسيعِ البؤرةِ الاستيطانيةِ على قمّته، وإنْ كانت تبدو المحاولةُ الأخيرةُ الأخطرَ فيها؛ حيثُ أقامَ المستوطنونَ أكبرَ عددٍ من الكرفانات الاستيطانيةِ، ويقابلُ الاحتلالُ المسيراتِ السلميةَ بقنابلِ الغازِ، وإطلاقِ الرصاصِ الحيّ والمَعدني المغلّفِ بالمطاطِ عليهم،

بحسبِ مديرِ مركزِ أبحاثِ الأراضي “محمود الصيفي”؛ يذكرُ عدّةَ أسبابٍ لتركيزِ المستوطنينَ على الجبلِ؛ أوّلها، وقوعُه على يسارِ شارعِ ما يسمى طريق “آلون” باتّجاه الأغوارِ، وقد يشكّلُ مع مستوطنةِ “تفوح” القريبةِ منه من جهةِ الغربِ كتلةً استيطانيةً كبيرة؛ وبالتالي إيجادُ تواصلٍ جغرافي استيطاني مع مستوطنةِ “أرئيل” المتصلةِ بالأراضي المحتلةِ عام (48).

مديرُ مكتبِ هيئةِ الجدارِ والاستيطانِ في الشمالِ “مراد شتيوي” يقول: “إنّ بلدةَ بيتا شكلتْ نموذجاً متقدماً في المقاومةِ الشعبية، واخترعتْ أسلوباً جديدا في المواجهةِ عن طريقِ الاستمراريةِ على مدارِ (24) ساعةً، وهو أسلوبٌ مختلفٌ عن المسيراتِ الأسبوعيةِ المنظمة.

وأضاف “شتيوي”: إنّ ما يميزُ أسلوبَ المقاومةِ في بيتا هو الزخمُ الكبيرُ في حجمِ المشاركة، وبروزُ دورِ المرأةِ في النضالِ بشكلٍ مباشرٍ وغيرِ مباشر، من خلالِ تقديمِ الدعمِ المعنوي والمساندةِ، وتقديمِ الوجباتِ للمشاركين في المقاومةِ، وتشجيعِ الأبناءِ على الخروجِ للدفاعِ عن أراضيهم”.

وبيّنَ أنّ ما يلفتُ النظرَ في تجربةِ بيتا هو التسابقُ على النضالِ في معركةِ الدفاعِ عن الجبل؛ حيثُ استُشهدَ خمسةُ مواطنين، أربعةٌ من بيتا، وآخَرُ من قريةِ يتما، إضافةً إلى إصابةِ نحوِ (300) مواطنٍ بالرصاصِ الحي من الاحتلال؛ وكلُّ ذلك لم يُثنِ الأهالي عن المقاومةِ وابتداعِ أساليبَ جديدةٍ لها.

وأشارَ “شتيوي” إلى أنّ العملَ جارٍ على ثلاثةِ محاورَ ضدّ إنشاءِ البؤرةِ الاستيطانية؛ من الناحيةِ القانونيةِ بالتعاونِ مع مركزِ القدسِ للمساعدةِ القانونية، إضافةً إلى العملِ الشعبي، والمحورُ الثالث سيكونُ بعدَ النجاحِ في إزالةِ البؤرةِ الاستيطانيةِ من خلالِ تنفيذِ عددٍ من المشاريعِ لتعزيزِ صمودِ الأهالي على الجبلِ من قِبلِ هيئةِ الجدارِ والاستيطان.

ويؤكّد أنّ الفلسطينيين دائماً يبتدعونَ طرُقاً جديدةً في المقاومةِ الشعبيةِ؛ كما حصل في قريةِ كفر قدوم شرق قلقيلية؛ من خلالِ استخدامِ انعكاسِ المرايا لتشتيتِ تركيزِ جنودِ الاحتلالِ في حالاتِ إطلاقِ الرصاصِ، واستهدافِ المشاركينَ في المسيرةِ الأسبوعية، إضافةً إلى استخدامِ مضخاتٍ من الدخانِ، وحرقِ الإطاراتِ المطاطيةِ التي شكّلتْ حالةَ إزعاجٍ للمستوطنين.

صمودُ المرأةِ الفلسطينية

وكان لنساء بلدةِ بيتا نموذجٌ جديدٌ مشرّفٌ؛ يضافُ لنماذجَ ساهمتْ فيها المرأةُ بمقاومةِ الاحتلالِ بأساليبِها المختلفةِ؛ وذلك لِما لها من دورٍ فاعلٍ ومميّزٍ في تعزيزِ صمودِ الشبابِ في منطقةِ جبلِ صبيح.

تحدّثتْ الناشطةُ “آمال بني شمسة” في بلدة بيتا: إنّ دورَ المرأةِ الفلسطينيةِ في البلدةِ مرموقٌ منذُ الانتفاضةِ الأولى والثانية؛ وامتدَّ حتى اللحظةِ من خلالِ إبداعِها في ابتكارِ أفكارٍ مسانِدةٍ للشبابِ المقاومِ للاحتلال، بحيثُ تغطّي احتياجاتِهم.

تقولُ :”فكرةُ دعمِ الشبابِ في جبلِ صبيح؛ جاءت باقتراحِ الناشطةِ “شادية بني شمسة”؛ بعدَ أنْ تواصلَ معها نساءٌ من بيتا، ونشرَها هاشتاق #أنقذوا جبلَ صبيح، ويسألونها دائمًا هل يمكنُ أنْ نخرُجَ مع الشبابِ لنقاومِ؟ وكيف يمكن مساعدتُهم؟

تضيف:” تلقتْ النساءُ الفكرةَ بترحابٍ، منهنّ من يتعاونُ بصنعِ الطعامِ، وأخرى بتوصيلِه بسياراتِهم الخاصة، وأخرياتٌ بالتبرعِ بالمال، فكنا نتواصلُ مع الأخواتِ في البيوتِ والشبابِ على الجبلِ، ونمثلُ بينهم حلقةَ وصلٍ، وإنهنّ كمتطوّعاتٍ يفكِرنَ دائماً كيف يطوِّرنَ فكرةَ المساندةِ ودعمِ الشباب، فقرّرن زيادةَ عددِ الوجباتِ، ومساندةَ الشبابِ لتعزيزِ صمودِهم، وعدمَ تركِهم وحدَهم يواجهونَ الاحتلالَ.

ولفتتْ أنه وفي بدايةِ الحراكِ كانت الأمهاتُ تخافُ على أولادِها من غدرِ الاحتلال، ثم بعدَ أنْ رأت الجميعَ يقدمُ أبناءَه للدفاعِ عن بلدةِ بيتا ويواجِهُ الاستيطانَ، باتت الأمُّ في بيتا تستنكرُ على أولادِها الجلوسَ في البيوتِ؛ وتدعوهم للخروجِ بعدَ أنْ تستودِعَهم لله؛ بأن يحفظَهم ويمكِّنَهم من استرجاعِ أرضهم.

وأكّدتْ الناشطةُ “آمال” أنّ كلَّ شهيدٍ ترتقي روحُه على جبلِ بيتا؛ لا يغيبُ عن الشبابِ الثائرِ في جبلِ صبيح؛ بل يكونُ دافعاً للاستمرارِ كي لا تذهبَ دماؤهم هدرًا، داعيةً شبابَ بيتا لعدمِ الشعورِ بالإحباطِ والخذلانِ؛ فكُلُّ أبناءِ وبناتِ بيتا متوَحِّدونَ معا حتى زوالِ الاستيطانِ.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى