Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

الصحفيةُ “آية أبو طاقة” ابتلعتْ طعمَ الأمانِ بعدَما نجتْ واطمأنتْ

نجَتْ "غزة "ووَحدَها الصحفيةُ "آية أبو طاقية" لم تنجُ

 

تقرير: آلاء عاطف النمر

“نجَت غزة.. وكلُّ الذي عِشناهُ في طريقِ النجاةِ كان عجَباً، إذْ كيف تجتمعُ عليكَ تحتَ النارِ في آنٍ واحدٍ؛ مشاعرُ القهرِ مع الفخرِ! الخوفِ والأمنِ! الموتِ مع الطمأنينةِ أيضا، لم يَحدُثْ بعدُ في بلادِنا أنْ يُدخَلَ الشهيدُ قبرَه؛ وتَخرُجَ من قبورِ الأرضِ -عِوضاً عنه- صواريخُ تَثأرُ لمَقتلِه!”، سويعاتٌ أربعٌ فصلتْ الصحفية “آية صبري أبو طاقية” عن كتابة نصِّها الناجي من حربٍ طاحنةٍ في عددٍ خاصٍّ بتغطيةِ معركةِ القدسِ؛ أصدرتْهُ مجلةُ “السعادة” بعدَ أيامٍ قليلةٍ من انتهاءِ العدوانِ “تحتَ عنوانِ لوحةُ الملَثَّمِ.. موناليزا المقاومةِ في فلسطين”، ولم تَعلمْ أنها لن تنجُ حتى بعدَ حتميةِ انتهاءِ المعركةِ؛ وأنها ستكونُ جزءاً واضحَ المَعالمِ من لوحةِ “موناليزا” ستكونُ فيها أميرةَ الحورِ.

لحظةُ أمانٍ غادرةٌ

بينَ ليلةٍ وضحاها، وفي لحظةِ أمانٍ غادرةٍ على قلبِ آية وأطفالِها الثلاثة “مريم ولين وبكرها عمرو” تغيّرَ الحالُ، بعدَما خرجَ زوجُها المهندسُ “أسامة فضل جنينة” منذُ ساعاتِ الصباحِ الأولى، ليؤدّي مهمةً جهاديةً كانت من نصيبِه؛ بعدَ هدوءِ المعركةِ الضاريةِ لأحدَ عشرَ يوماً، وتحصلَ هي على اللقبِ.

الصحفيةُ “آية” خمسة وثلاثون عاماً؛ نذرتْ دموعَها، وحكاياتِها، وحِبرَ قلمِها؛ لكُلِّ بيتٍ أصبحَ أثَراً بعدَ عينٍ؛ وتحوّلَ أصحابُه إلى مشرّدينَ، ولكُلِّ عائلةٍ فقدتْ عزيزَها شهيداً، أو حتى مُسِحَ اسمُها من قائمةِ السجلاتِ المَدنيةِ، فلم تَنعمْ بهدوءِ الناجينَ حقاً؛ بعدما تصوّرتْ في كلِّ مرّةٍ نفسَها في رقعةِ وجعٍ جديدةٍ على مدارِ أحدَ عشرَ يوماً من الحربِ الطاحنةِ وما بعدَها.

لكنّ عُمرَ “آية” تقدّمَ مائةَ عامٍ أخرى؛ في الوقت الذي كانت تبكي؛ وتكتبُ فيه قصصَ زوجاتِ وأطفالِ وأمهاتِ الشهداءِ، وتروي بطولاتِهم؛ أصبحتْ هي بطلةَ القصةِ؛ وزوجةَ الشهيدِ؛ وأمَّ أطفالِ الشهيدِ الثلاثةِ “عَمرو ومريم ولين”.

“أنا بعيدٌ”

كان شهر مايو قد أغلقَ صفحاتِه الأخيرةَ؛ بعدما ملأ غلّتَه بمئاتِ الشهداءِ، والإطاحةِ بعشراتِ البناياتِ السكنيةِ الآمِنةِ على مَن فيها، ولم تَعلمْ غزة أنها ستبتلعُ حتماً طُعمَ الأمانِ وقتَ ارتخائها في محاولاتِها لسحبِ أنفاسٍ جديدةٍ تُعينُها.

لكنّ الثاني من شهر يونيو، وتحديداً بعد الساعةِ الرابعةِ عصراً؛ كانت الأخبارُ تأتي تباعاً بأنّ حدَثاً عرَضياً قد حدثَ في محافظةِ الوسطى، والأخبارَ الأوليةَ بدأتْ بإعلانِ شهيدينِ دفعةً واحدةً؛ وانتهتْ على ذلك.

الصحفيةُ “آية” كانت قد دخلتْ منزلَها للتوِّ،  بِيدِها فتحتْ مقبضَ البابِ؛ وفي الأخرى ما زالت تُمسكُ بهاتفِها تمازحُ “أسامة” وتخبرُه بأنه قد تأخّرَ هو أيضاً عن البيتِ مِثلها، تلاطفُه على عجلٍ “اشتريتلك “حبة ذرة مسلوقة من إلي بحبّها قلبك، يا دوبك تلحق تأكلها وهي سخنة!”، فيردُّ “أسامة” “أنا بعيد”، “طيب الله ييسر لك أمورَك.. في أمانِ الله”، لم تَعلمْ “آية” أنها استقبلتْ على هاتفِها آخِرَ مكالمةٍ صوتيةٍ تجمعُها بحبيبِ عُمرِها، وكان هذا الوداعَ الأخيرَ بلا عناقٍ.

بلا انتهاءٍ

خمسَ عشرةَ دقيقةً، كانت “آية” قد ابتلعتْ أنفاسَها بعدَ صعودِها لبيتِها في الطابقِ الخامسِ..وجلستْ أخيراً؛ لكنها تلقّفتْ خبراً مفادُه أنّ شهيدينِ مجهولينِ ارتقيا، وقلبَها وحدَه أعلنَ عن هويةِ الشهيدِ؛ وقرأتْ اسمَ زوجِها في سطرِ الخبرِ الذي لا يحملُ أسماءَ الشهداءِ بعدُ، لكنه قلبُها الذي انخلعَ بفاجعتِها.

المهمةُ الجهاديةُ هي تتمّةٌ بلا انتهاءٍ لأيامِ المعركةِ، وهي ذاتُها التحضيرُ والإعدادُ وملءُ السلاحِ بحبات ِالرصاصِ، وشحنِ المرابضِ بصواريخَ جديدةٍ، هذه المهمةُ موكَلةٌ لأشدِّ الرجالِ حرصًا على النصرِ وهزيمةِ الأعداءِ بذكاءِ عقولِهم، وهي المهمةُ التي نفّذها المهندسُ “أسامة جنينة” زوجُ الصحفيةِ “آية” في تفكيكِ صواعقِ صواريخِ الاحتلالِ؛ واغتنامِها في خزينةِ المجاهدينَ؛ لكنّ الصواريخَ كانت سبّاقةً في منحِه راحةً طويلةً في جنّاتِ الآخِرةِ، وتلقيبِه بشهيدِ الإعدادِ.

تحوّلتْ العيونُ نحوَ “آية”، تحوّلتْ إليها كلماتُ المؤازرةِ والمواساةِ بفقدِها الجَلَلِ؛ بعدما كتبتْ كلماتِ النجاةِ كان قلبُها يحدّثُها بغيرِ ذلك،؛ كان يحدّثُها بالخوفِ وتحدّثُه بالطمأنينةِ، كانت تُلقِّنُه الثباتَ؛ ويؤكّدُ لها بأنّ المعركةَ لم تنتهِ بعدُ.

هذه المرّةُ ستخيطُ “آية” جرحَها بيدِها، ستَعضُّ على جرحِها، وتشدُّ مئزرَ صبرِها وحدَها، وهي تُحاولُ نطقَ الكلماتِ التي ستصبحُ لزاماً عليها، ستقوَى بصبرِها على نطقِ كلمتِها بـ “الله يرحمه”.

في آخِرِ أيامِ العدوانِ، وفي لحظةِ الإعلانِ عن انتهاءِ المعركةِ؛ أوصتْ “آية” شعبَها بقولِها:” يا أعزاء، قِبلتُنا بعد التكبير قلوبُ المجروحين، وبيوتُ المكلومين، هؤلاءِ الأعزاءُ أصحابُ السموِّ وشُعَلَ النصرِ، ولُّوا وجوهَكم قِبَلهم، استأذِنوهم لتكونوا لهم خيرَ السندِ، هؤلاءِ أصدقاؤنا الذين جارتْ عليهم حِممُ العدوانِ، فاختارتْهم وتركتْنا، ارحموا عزيزَهم، واسألوهم ماذا يريدونَ! وكيف يريدون !، فـبِثباتِهم ننتصرُ”. لكنّ القِبلةَ تحوّلتْ إلى قلبِ “آية”، إلى بيتِها، وكأنّ كلماتِها سبقتْها فنطقتْ عنها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى