Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مرآتي

بقلم : الكاتبة تسنيم المحروق

وجوه وحيطان

كل يوم أخرج فيه، أتأمل الناس في الطريق، تطرق ذهني أسئلة كثيرة: عن هؤلاء البشر، حياتهم، همومهم، طموحهم، وأتساءل: أجيدون هم أم أشرار؟ عقلاء أم سذّج؟ ظالمون أم مظلومون؟ سعداء أم تعيسون؟

أتأمل وجوههم، وأدرك أن في كل وجه قصة وحياة، حكاية وعالم، وأطنان من الأحلام وأحاديث النفس..

أراقب البيوت المتناثرة على الطريق، بين متلاصقة ومتناثرة، كألغاز في صناديق ملقاة على الطريق، لا يُعرف ما بداخلها، ترى من يسكنها؟ كيف هي حياتهم؟ ما الذي يؤرق نهارهم، أو يسهد ليلهم؟ هل هم بداخلها أو هجروها إلى ما وراء الحدود؟ هل يبكون أم يضحكون؟..

يضجّ عقلي بالأسئلة ويثقل رأسي، ويتوه عقلي، وأشعر بانقباض في قلبي، فأطرح عني كل ذلك، واثقة بأن عين الله التي لا تنام مطلعة على كل هؤلاء، وعلى كل الملايين سواهم، أتذكر أنه هو الذي خلقهم ويسرهم في دنياهم، فأطمئن إلى أنه لن يضيعهم، ولن يضيعنا

جمادات صديقة

حدّثت صديقتي عن نافذتي، فقالت: “حتى الجمادات تحيا بتأملنا وتكبر بحزننا”، واختارت هي “حزننا” لأنها حزينة، وأكملت أنا “بحزننا وفرحنا، بضيقنا، وأملنا، بكل شيء يعتمل في صدورنا وقلوبنا، وينعكس على ما حولنا..

قد تبدو الجمادات ساكنة لا روح لها، لكن هذا ما نعتقده، والأمر عكس ذلك تماماً، وإلا فما الذي يفسر كرسينا المفضل، وزاويتنا المحببة، ونافذتنا القريبة، وكيف تكون قطعة من الأثاث في موضع مرموق من قلوبنا، نحزن لخرابها، وكيف فوق هذا كله، يصبح البيت وتفاصيله “الجامدة” أكثر الأماكن راحة على وجه الأرض؟

في وقت من الأوقات، تعلقت بنافذتي تعلقاً حسبته حالة مَرَضية، ويوماً ما قلت في نفسي ماهذا الهراء؟ إنني أمارس طقوس الجنون، فرأيت في منامي موضعي ذاك من نافذتي تلك في أحسن صورة، وأفضل حال، وإشارات أمل، ودلالات رفعة، من يومها توقفت عن استهجان الارتباط مع الجمادات، ووطدت علاقتي بها أكثر.

في البيت أجد الحيطان أماناً، والأرائك حضناً، والسرير راحةً، لأننا تشاركنا معاً كل شيء، الحب الضحك الوجع، والدموع، وخارجه تكون كل الجمادات مسخرة ناطقة بأن كل مافي هذا الكون له سبب وغاية، ومهمة، وهذه الأجرام جزء من “تقدير العزيز العليم”

“هادا لَاحشاي، وهادا لَاعداي”

حدّثتني جدتي يوماً عن سيدة من “البلاد” كانت تعرفها قبل النكبة، حين كانت عصابات الهاغاناه في كرّ وفرّ مع “الفدائية” الذين لم تتوقف محاولاتهم لمنع احتلال مدنهم وقراهم، كان أحد أبناء تلك السيدة “فدائياً”، لم يلبث أن استُشهِد،

واجتمعت نساء القرية ومن بينهن جدتي لتعزيتها، فوجدنها مرتدية أجمل وأحدث “ثوب” تملكه، مغطية رأسها بشال “مشكوك بالليرات”، مكتحلة ومتعطرة، جالسة في كبرياء وشموخ دون بكاء أو مظاهر حزن، ومتصدرة المجلس في ساحة بيتها الخارجية المطلة على الشارع،

استغربت النساء فعلها وتهامسن “انجنّت”..وكان الموت يومها “عزيز” خاصة لشاب

كانت أم الشهيد تلك تسكن على أطراف قريتها قريباً من الطريق، وظلت صامتة حتى ظهر مجرمو العصابات الصهيونية مارّين من الطريق، وراحوا ينظرون للمشهد باستغراب وخوف..

بعد انصرافهم، قالت إنهم كانوا يمرون دائماً يتوعدون ويستهزئون ويشتمون، وترد: ستزولون،

وعلمت أنهم اليوم قادمون، وقالت للسيدات مشيرة لمظهرها: “هاذا لَاعْداي”، ثم رفعت طرف ثوبها الأنيق، ليظهر من تحته ثوب آخر أسود حزين مكملة: “وهاذا لَاحْشاي”..

رحلت أم الشهيد وجدتي ونساء القرية، عن بلادهم وعن الدنيا، وتركن خلفهن جيلاً من الأمهات يُغِظن العدا بأبنائهن أحياءًا، وبثباتهن بعدهم أمواتاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى