Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

ترميمُ الذاتِ

 

بقلم: د. مؤمن عبد الواحد

 دكتور التنمية البشرية

الذاتُ الإنسانيةُ دوماً بحاجةٍ إلى ترميمٍ ؛ ولَملَمةِ الجراحِ؛ ونهوضٍ جادٍّ من دوائرِ الألمِ وظلمةِ الضياعِ والتِّيهِ خلفَ الأبوابِ المغلقةِ من صدماتٍ وتقلُّباتٍ تَعصفُ بها، وتستبيحُ واقعَها؛ وتأسِرُ مستقبلَها؛ لتُمسيَ مؤَهلةً للخنوعِ والضياعِ .

لذا الذاتُ الإنسانيةُ بحاجةٍ إلى ترميمٍ واعٍ  و دقيقٍ؛ ونهوضٍ مستمرٍّ؛ وإعادةِ تشكيلٍ بخصائصَ جديدةٍ؛ وصفاتٍ نبيلةٍ؛ ومعالمَ رائعةٍ، حقيقةً إنّ واقعَنا صعبٌ؛ ونعيشُ تفاصيلَ حياةٍ مؤلمةٍ في محطاتٍ كثيرةٍ ومتكرّرةٍ ، و أذًى يلحقُ بالعقلِ والوجدانِ لصورةٍ قابعةٍ في العيونِ؛ ومن هنا تَنبعُ فكرةُ إعادةِ البناءِ وتعزيزِ الذاتِ؛ لنبدأَ جولةً جديدةً مع الحياةِ؛ ولكنْ برغبةٍ أكثرَ ، وبإيجابيةِ الانتقالِ من الخوفِ من الغدِ إلى الحمدِ أنْ نجَونا من المحطاتِ السالفةِ .

روحٌ جديدةٌ ومُنطلَقٌ جديدٌ وفقَ قانونِ “التخليةُ قبلَ التحلية” ، والإنكارُ قبلَ الإثباتِ؛ انطلاقاً من البعدُ القرآني ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا ﴾ [البقرة: (256( ،

كفرٌ قبلَ الإيمانِ ، تفريغٌ وتشتيتٌ لوجعٍ سابقٍ، واسترخاءٌ واستقبالٌ لشمسِ يومٍ قادمٍ بابتسامةٍ مرسومةٍ بحُبٍّ وقبولٍ ورغبةٍ لحياةٍ أجملَ .

فتعزيزُ الحضورِ الروحاني والمنطقِ الإيماني في روحِنا؛ هو عنوانُ بناءِ العلاقاتِ، وتَقبّلِ العيش،ِ ويرسمُ معالمَ سلوكِنا مع الآخَرينَ في دوائرِنا الضيقةِ أو الأكثرِ اتّساعاً .

صحيحٌ أنّ غيابَ النومِ، والتشتُتَ وسخونةَ الجسدِ مؤشّرٌ خطيرٌ لجسدٍ أنهكتْهُ الأيامُ، وأرهقتْهُ السُّنونَ؛ لكنه مؤشّرٌ لحاجةِ جسدٍ للحياةٍ، ونفخِ روحِ الأملِ فيه؛ ليبدأَ دورةً جديدةً، وينطلقَ نحوَ طموحٍ بعيدٍ وهدفٍ جديدٍ ؛ هكذا هي حياتُنا (كَرٌّ وفَرٌّ ، تَقهقُرٌ وانطلاقٌ ، ثباتٌ وسكونٌ ، وانطلاقٌ يتبعُه انطلاقٌ) .

نحن أهلُ غزةَ أصحابُ رسالةٍ وتَحدٍّ ، أهلُ إقدامٍ وعطاءٍ ، وكأنَّ المَولى _سبحانه وتعالى_ يُجَهِزُنا لأنْ نكونَ عناوينَ مرحلةٍ قادمةٍ مختلفةِ المعالمِ، ومختلفةِ الرجالِ، وبأمهاتٍ تجودُ بفِلذاتِ أكبادِها ، يصاحبُ بكاؤها زغرودةً تَخرجُ من بينِ شَفتَيها بِعَبقِ الشهادةِ والتضحيةِ .

كهذا هُنَّ سيداتُ غزةَ أقمارٌ على الطريقِ، ونجومُ تحريرٍ تقودُ الرجالَ إلى شمالِ البوصلةِ ليَضبطوا الاتجاهَ، ويُرمِّموا ما أنهكَ المَسيرُ، ويتنفسوا نفَسَ حبٍّ وحنينٍ من قلبٍ جريحٍ، وعيونٍ لامعةٍ، وابتسامةٍ رسمتْها الثقةُ باللهِ، وزَيَّنَها قلبٌ مؤمنٌ ومرتبطُ بعشقِ اللهِ، وأملاً بلقاءِ حبيبٍ؛ هناكَ حيثُ جناتُ خُلدٍ وصحبةٌ جميلةٌ .

صديقي الكريم : في ظِلِّ روحٍ مرتبطةٍ بالرحمنِ، وجسدٍ معلّقٍ بِبُيوتِه وذكرياتِه؛ ينبغي لنا أنْ نُرمِّمَ الجسدَ، ونُنعِشَ الروحَ لتستعيدَ ذواتُنا رغبتَها في العيشِ والحياةِ؛ لنبنيَ جيلاً قادماً مرتبطاً بترابِ غزةَ، وعاشقاً لِهواها ، نَعم عاشقاً لغزةَ الجريحةِ، مُكفكِفاً دموعَها، وطبيباً لأوجاعِها ، لتستعيدَ عافيَتَها بحِضنِ سيداتِها ودفءِ رجالاتِها .

أَعلَمُ أنّ الجرحَ عميقٌ، والألمَ كبيرٌ ؛ لكنّ الطموحَ عظيمٌ، والحبَّ كبيرٌ لأرضٍ جُبلتْ بدماءِ أجدادِنا، ورُويَتْ بعَرقِ آبائنا ، ودُفنتْ فيها أجسادُ أمهاتِنا ، وشرِبْنا ماءَها، وتنَفَّسْنا هواءَها ، أَلا تستحقُ أنْ نصبرَ على وَجعِها ، واللهِ لشَرفٌ لنا أنْ أكرَمنا المَولى؛ وجعلنا نعيشُ على ثراها الطاهرِ ، فتكريمٌ لنا أنْ نَدوسَ على ترابِها ، فنَظفرَ بهذه النعمةِ، ونتمتعَ بهواءٍ خالَطَ روحَ الأجدادِ والآباءِ ، ومُزجَ بدموعِ أمهاتٍ صادقاتٍ عشِقتْ الحياةَ؛ لكنْ بصُحبةِ أُمِّهِنَّ “عائشة” رضيَ اللهُ عنها ، فنهايةُ طموحي أنْ أرتميَ في حِضنِ أُمي في جناتٍ عَرضُها السمواتُ والأرضُ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى