فيسبوك يعدِمُنا… حملةٌ رقميةٌ تطالبُ بوقفِ إغلاقِ الحساباتِ المناصرةِ للقضيةِ الفلسطينية

تقرير: السعادة
يتعرّضُ المحتوى الفلسطيني لحملاتِ تضييقٍ كبيرةٍ من قِبلِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي فيسبوك منذُ عدّةِ سنواتٍ؛ وازدادتْ حدّةً منذُ بدءِ أزمةِ حي “الشيخ جرّاح” بالقدسِ المحتلّةِ؛ وظهورِ دورِ حساباتٍ لمؤثرينَ فلسطينيينَ على شبكاتِ التواصلِ؛ نشطتْ في كشفِ أدِلّةِ القمعِ الإسرائيلي الممنهجِ ضدّ الفلسطينيينَ ميدانياً ورقمياً.
ونجحَ النشطاءُ والمؤثرونَ في تغييرِ دفّةِ التعاطفِ الشعبي دولياً نحوَ فلسطينَ وأهلَها؛ إلّا أنّ الصوتَ الفلسطيني على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي قوبلَ بتَحيُّزٍ مضادٍّ؛ اتّجهتْ فيه مواقعُ التواصلِ الاجتماعي نحوَ دعمِ وتعزيزِ الروايةِ الإسرائيليةِ على حسابِ الروايةِ الفلسطينيةِ؛ ووصلَ الأمرُ إلى وقفِ وحذفِ حساباتٍ داعمةٍ للمحتوَى الفلسطيني؛ فيما أُطلقَ عليه اسمُ ” الإعداماتُ الرقميةُ”.
حقُّ المحتوى العربي
حملة (#فيبسوك_يعدِمُنا) وهي حملةٌ “غيرُ سياسيةٍ تُقدّمُ حلولاً تدافعُ عن حقِّ المحتوى العربي الآمِنِ المسالمِ في الحياةِ رقمياً؛ وسطَ موجةِ إعداماتٍ رقميةٍ عشوائيةٍ يشُنُّها “فيسبوك”؛ أطلقَها خبراءُ ذكاءٍ صناعيٍّ، ومؤثّرونَ كبارٌ، وناشطونُ عربٌ وفلسطينيون.
تأتي الحملةُ ردّاً على ملايينِ “الإعداماتِ الرقميةِ العشوائيةِ” للحساباتِ والصفحاتِ والمنشوراتِ التي تعاطفتْ مع معاناةِ الفلسطينيينَ مؤخّراً؛ من تهجيرٍ قسريٍّ للمَدنيينَ المَقدسيينَ، وقتلٍ للأبرياءِ على كافةِ الأراضي الفلسطينيةِ المحتلةِ في الضفةِ وغزةَ وأراضي ال(48)؛ تهدفُ _حسبَ ما ذكرَ الموقعُ الرسميّ للحملةِ_ إلى وضعِ حلولٍ أمامَ “فيسبوك”؛ لإزالةِ تحيُّزِ برمجياتِه ضدّ المحتوى العربي الآمِنِ، والمُناصرِ للحرياتِ والقِيَمِ الإنسانيةِ”.
التفاعلُ على حسابِ الحملةِ بموقعِ التواصلِ الاجتماعي “فيسبوك” كان سريعاً وقوياً؛ لأنّ أزمةَ الإعداماتِ الرقميةِ كانت واسعةً وشرسةً؛ ليس فقط أمامَ المؤثّرينَ الفلسطينيينَ؛ بل والمؤثّرينَ العربِ والمسلمينِ في كلِّ دولِ العالمِ؛ وسرعانَ ما ا نضمَّ لها مشاهيرُ ومؤثّرونَ عربٌ وفنانونَ وموسيقيونَ من كلِّ أنحاءِ العالمِ.
من جانبِه يقولُ محمود الشريف، مديرُ حملة “فيسبوك يعدِمُنا”، وأحدُ مؤسّسيها في بيانٍ: “هذه حملةٌ عفويةٌ غيرُ مُسَيَّسةٍ، وغيرُ مُموّلةٍ من أيِ جهةٍ؛ وتأتي ّردّاً على ما تعرّضَ له المؤثّرُ العربي والمُواطِنُ الرقميّ البسيطُ على حدٍّ سواءٍ من انتهاكٍ لحريةِ التعبيرِ؛ على يدِ إعداماتٍ رقميةٍ جائرةٍ على منصّاتِ التواصلِ الاجتماعي مؤخَّراً”.
وأضاف: “يشاركُ في إدارةِ الحملةِ متطوِّعونَ من (12) بلداً؛ لا هَمَّ لهم إلّا الدفاعُ عن حقِّ المحتوى الذي يعبّرُ عنا وعن آمالِنا المشروعةِ السلميةِ في الحياةِ رقميّاً”.
توثيقٌ وتأكيدٌ
ووَثّقَ مركزُ حملةِ (المركزُ العربي لتطويرِ الإعلامِ الاجتماعي) تقريراً عن الانتهاكاتِ التي تعرّضَ لها المحتوى الفلسطيني على منصّاتِ التواصلِ الاجتماعي بين (6 و20 مايو/ أيار)؛ يُفصّلُ الانتهاكاتِ التي تعرّضَ لها المحتوى خلالَ هذه الفترةِ على مختلفِ منصّاتِ التواصلِ الاجتماعي والشركاتِ التكنولوجيةِ؛ إلى جانبِ انتشارِ خطابِ الكراهيةِ والتحريضِ ضدّ الفلسطينيينَ والعربِ باللغةِ العبريةِ.
يؤكّدُ التقريرُ أنه خلالَ العدوانِ الإسرائيلي الأخيرِ على الفلسطينيينَ في( مايو/ أيار) الماضي؛ تعرّضتْ الحقوقُ الرقميةُ الفلسطينيةُ إلى رقابةٍ صارمةٍ من مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، وذلكَ بإيعازٍ من سلطاتِ الاحتلالِ الإسرائيلي؛ التي ظلّتْ تطاردُ كلَّ ما يَدحَضُ الروايةَ الإسرائيليةَ.
ووَثّقَ المركزُ ما يزيدُ على (500) بلاغٍ للتعدّي على الحقوقِ الرقميةِ الفلسطينيةِ في الفترةِ المذكورةِ؛ بالتعاونِ مع مؤسَّساتٍ شريكةٍ؛ وهو ما يشارُ إليه في التقريرِ التوثيقي؛ بأنه “ازديادٌ ملحوظٌ للرقابةِ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي على الخطابِ السياسي الفلسطيني”؛ وأدّى ذلك إلى إزالةِ جزءٍ كبيرٍ من المحتوى الفلسطيني من المنصّاتِ، وتعليقِ حساباتٍ وإغلاقِ أُخرى.
ووفقاً للتقريرِ، تنوّعتْ أسبابُ الانتهاكاتِ ما بينَ إزالةِ المحتوَى، وحذفِ وتقييدِ الحساباتِ، وإخفاءِ الأوسِمةِ، إضافةً إلى تقليلِ الوصولِ لمُحتوًى بِعَينِه، وحذفِ المحتوى المؤرشفِ، وتقييدِ الوصولِ، فيما تنوّعتْ نسبةُ الانتهاكاتِ على مختلفِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي؛ حيثُ وثّقَ مركزُ الحملةِ (50%) من هذه الانتهاكاتِ على منصةِ “انستغرام” و(35%) على منصةِ “فيسبوك”، بينما وثّقَ ما نِسبتُه (11%) من مُجملِ الحالاتِ على منصّةِ “تويتر” و(1%) من الحالاتِ على “تيك توك”، بينما كانت (3٪) الأخيرةُ من الحالاتِ دونَ معلوماتٍ كافيةٍ من المُبلّغينَ.
ترسيخُ الهيمنةِ العِرقيةِ
تزامَنَ إطلاقُ حملةِ “فيسبوك يعدمُنا”؛ مع إطلاقِ صحافييّن أمريكييّن رسالةً “مفتوحةً” حولَ التغطيةِ الإعلاميةِ لوسائلِ الإعلامِ في بلدِهم للحربِ الإسرائيليةِ الأخيرةِ على قطاعِ غزة.
وانتقدَ الصحافيونَ الأمريكيونَ ازدواجيةَ وسائلِ الإعلامِ في بلادِهم، و”تخلِّيها عن القِيَمِ الصحافيةِ” في التغطيةِ الإخباريةِ لِما يجري بين إسرائيلَ وفلسطينَ، وقالوا “خذلَنا جمهورُنا بروايةٍ تَحجِبُ الجوانبَ الأساسيةَ للقصةِ: الاحتلالُ العسكريّ الإسرائيليّ ونظامُ الفصلِ العنصري”.
وتَطرّقَ الصحافيونَ الأمريكيونَ إلى جانبٍ من هذه الممارَساتِ غيرِ المِهنيةٍ؛ منها على سبيلِ المثالِ؛ اللغةُ المستخدَمةُ في التغطيةِ الأخيرةِ لمحاولاتِ الإجلاءِ القسري لسكانِ حيّ “الشيخ جراح” بالقدسِ الشرقيةِ، فغالبًا ما تشيرُ وسائلُ الإعلامِ إلى التهجيرِ القسريّ للفلسطينيينَ الذين يعيشونَ هناك على أنه “عملياتُ إخلاءٍ”؛ إلّا أنّ هذا المُصطَلحَ يشيرُ بشكلٍ مُضلِّلٍ إلى “نزاعٍ” عقاريّ بينَ المستأجرِ والمالكِ؛ وهو تصويرٌ غيرُ دقيقٍ للوضعِ.
وتَعُدُّ الأممُ المتحدةُ القدسَ الشرقيةَ أرضًا فلسطينيةً محتلةً؛ ما يعني أنّ مطالباتِ إسرائيلَ الإقليميةَ هناكَ غيرُ معترَفٍ بها؛ والأهمُّ من ذلكِ استخدامُ المصطلحِ يتجاهلُ الهدفَ الموثّقَ جيدًا للحكومةِ الإسرائيليةِ؛ المتمثّلَ في ترسيخِ الهيمنةِ العرقيةِ على القدسِ؛ وطردِ أصحابِ الأرضِ منها؛ والحفاظِ على وضعٍ عِرقيٍّ تمييزيٍّ لصالحِ اليهودِ الذين اختاروا الهجرةَ والاستيطانَ على الأراضي الفلسطينيةِ المحتلةِ.