امرأةٌ صامتةٌ
بقلم :الباحثة نهال الجعيدي
تعيشُ المرأةُ الفلسطينيةُ في مجتمعٍ استثنائيّ؛ يعاني من ظروفٍ إنسانيةٍ ومجتمعيةٍ واقتصاديةٍ خانقةٍ؛ حيثُ تتقاذفُ عليه المصائبُ من كلِّ حدبٍ وصَوبٍ، فالاحتلالُ البغيضُ قد ألقى بظلالِه على كلِّ تفاصيلِ حياتِنا، وتَسبّبَ في أزماتٍ إنسانيةٍ صادمةٍ؛ كان للمرأةِ الحظُّ الأوفرِ منها؛ كَونَها الحلقةَ الأضعفَ داخلَ مجتمعٍ أنهكتْهُ تلكَ الأزماتُ، فتحمّلتْ الحصارَ الظالمَ؛ وما نتجَ عنه من أوضاعٍ اقتصاديةٍ صعبةٍ، وبطالةٍ متفشيةٍ، والعدوانِ الاحتلالي المتكرّرِ و الهمَجي وما تركَه من دمارٍ ماديٍّ ونفسي؛ أثّرَ على المرأةِ بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشر، فكان الصبرُ والتحملُ واجباً عليها، ومقارعةُ الاحتلالِ خيارَها، ورغمَ حصولِها على الشهاداتِ العليا في مختلفِ التخصصاتِ العلميةِ والمِهنيةِ؛ إلّا أنّ كلَّ ما سبقَ لم يشفعْ لها؛ كونَها شريكةَ النضالِ والتضحيةِ والمعاناةِ؛ ولم يحسّنْ من نظرةِ المجتمعِ لها، أو يغيّرْ موقفَه منها .
فخلالَ الشهرِ الماضي رصدْنا حادثَينِ منفصلَينِ؛ شهِدا على ما تعانيهِ المرأةُ من قمعٍ لحريةِ الرأيِّ والتعبيرِ، سواءٌ على الصعيدِ الأُسري الخاصِّ ، أو الصعيدِ العام .
حيثُ دفعتْ “إستبرق برَكة” حياتَها ثمنَ تعبيرِها عن رفضِها زواجَ أختِها الصغرى بشقيقِ زوجِها؛ خوفاً عليها أنْ تَحيَى حياةً تعيسةً كَحياتِها، وأنْ تشقَى في زواجٍ مبكرٍ يفتقرُ للمودةِ والرحمةِ والسكينةِ والسعادةِ ، فقُتلتْ وجنينُها نتيجةَ العنفِ والضربِ المبرحِ على يدِ زوجٍ افتقرَ لأدنَى درجاتِ الآدَميةِ؛ ضاقَ ذرعاً ببعضٍ من الكلماتِ التي عبّرتْ فيها الضحيةُ عن موقفٍ ورأيٍّ على الصعيدِ الأُسرى.
أمّا على الصعيدِ العام؛ فقد أقدمتْ قوَى الأمنِ التابعةِ للسلطةِ الوطنيةِ في الضفةِ المحتلةِ ، على استعمالِ كلِّ أشكالِ القمعِ والعربدةِ ضدّ النساءِ؛ وخاصةً الصحفياتِ المشاركاتِ في الاحتجاجاتِ والتظاهراتِ العارمةِ؛ المُطالبةِ بِتنَحّي الرئيسِ “محمود عباس” ، وإقالةِ حكومةِ “اشتيّه” ، ونزعِ الشرعيةِ عن سلطةِ أوسلو، عقبَ استشهادِ الناشطِ المعارضِ “نزار بنات” على يدِ الأجهزةِ الأمنيةِ على خلفيةِ آرائهِ السياسيةِ الجريئةِ المناوِئةِ للسلطةِ؛ حيث قاموا بضربِ وسَحلِ الفتياتِ المشاركاتِ في الفعالياتِ، وابتزازِهنَّ وتهديدِهنَّ، وانتهاكِ كرامتِهنَّ بألفاظٍ نابيةٍ، ومصادرةِ أدواتِهنَّ الإعلاميةِ الشخصيةِ و المِهنيةِ من كاميراتٍ و جوالاتٍ؛ في مَشاهدَ داميةٍ بعيدةٍ عن أخلاقِ شعبِنا ، و في مخالفةٍ واضحةٍ لكُلِّ موادِ الدستورِ الفلسطينيّ الذي كفلَ حريةَ الرأيِّ والتعبيرِ لكُلِّ مواطنٍ ، وأقرَّ صَونَ كرامةِ الإنسانِ في كلِّ الأوقاتِ.
وفي خِضَمِّ ذلك، لقد أكّدتْ المؤسساتُ النسويةُ فشلَ شعاراتِها البراقةِ كالعادةِ، وأثبتتْ أنها بعيدةٌ كُلَّ البُعدِ عن المهنيةِ في علاجِ قضايا المرأةِ والسعيّ لإنصافِها ورفعِ الظلمِ الواقعِ عليها .
فالواقعيةُ والنزاهةُ لا وجودَ لها في تعامُلِ هذه المؤسساتِ مع قضايا المرأةِ، وما يَحكمُها هو المزاجيةُ وارتهانُ مواقفِها وقراراتِها لأجنداتٍ حزبيةٍ ، فنُدينَ مقتلَ “إستبرق” على يدِ زوجِها، ونصمتْ عن قمعِ المشاركاتِ في الاحتجاجاتِ لمقتلِ “نزار” على يدِ الأجهزةِ الأمنيةِ.
إنّ امرأةً صامتةً لا تعبِّرُ عن نفسِها ؛ ولا تستطيعُ أخذَ أيِّ قرارٍ يخُصُّها أو يخصُّ مجتمعَها؛ امرأة ٌتخافُ الخوضَ في أيِّ قضيةٍ عامةٍ أو خاصةٍ؛ خشيةً على نفسِها أو بيتِها أو تعرُّضِها لأذى؛ هو ما يُرضي غرورَ المَرضى في هذا المجتمعِ .
لذلكَ على كاهلِ النساءِ المؤمناتِ حقاً بأهميةِ مشاركةِ المرأةِ؛ العملَ على إنشاءِ جسمٍ نسائي، يكونُ إنصافُ المرأةِ المعيارَ الأولَ في حُكمِه على القضايا وتَبنّيها، وأنّ حقَّ المرأةِ فوقَ مُحاباةِ الحزبِ، والتحيّزِ والتبريرِ لانتهاكاتِه ضدّها، وأنّ الهدفَ الرئيسَ على أجندتِها؛ هو صونُ حقِّها في التعبيرِ عن نفسِها، ورأيِّها وقرارِها، كجزءٍ فاعلٍ يؤَثرُ ويتأثرُ في المجتمعِ .