Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقاريررياديات

الفنانةُ “سجى موسى” تُحوّلُ ركامَ غرفتِها الى مَعرِضٍ فنيٍّ يضجُّ بالحياة

 

تقرير: السعادة

في كلِّ مرةٍ تغادرُ غزةُ العدوانَ بعنفوانِ شبابِها؛ وتحوّلُ مأساتَها بيوتَها وشوارعَها وأبناءَها ونساءَها إلى قصصِ صمودٍ لا تُشبِهُ القصصَ الأخرى، إيماناً من الجميعِ أنَّ الكُلَّ في موقعِه صاحبُ رسالةٍ ورصاصةٍ؛ سواءٌ كانت رسالةَ فنٍّ وأدبٍ ومقاومةٍ.

على رُكامِ منزلِها المدمَّرِ في مدينةِ “رفح”؛ جلستْ الفنانةُ “سجى موسى” تتجرّعُ حزناً وقهراً اعتلَى قلبَها؛ بعدَ تدميرِ منزلِها من قِبلِ طائراتِ الاحتلالِ خلالَ العدوانِ الأخيرِ، كانت عيونُها تجوبُ بين ملابسِها وأدواتِ غرفتِها، وبقيةِ أثاثِ منزلِها، وفى كلِّ قطعةٍ منه ذكرياتٌ جميلةٌ طوَتها آلَةُ حربٍ لا يَفقَهُ صاحبُها إلا الدماءَ والدمارَ.

إننا باقونَ

بينما انشغلَ الجيرانُ في إزالةِ ركامِ منازلِهم المدّمرةِ بالكاملِ؛ كانت “سجى”، مُنشغِلةً في البحثِ بينَ أنقاضِ منزلِها _المدمّرِ جزئيًا_ عن قِطَعٍ تصلحُ لتُحويلِها لوحاتٍ فنيةً؛ توَثّقُ الجريمةَ التي اقترفَها المحتلُّ بحقِّ المَدنيينَ العُزّلِ وبيوتِهم وذكرياتِهم؛ لتُعبّرَ من خلالِها عن مشاعرِ الوجعٍ والحزنِ جراءِ طيِّ ذكرياتِها وذكرياتِ عائلتِها مع الركامِ.

وتقولُ الفنانة موسى لـ”السعادة”: كان هذا العدوانُ مختلفاً؛ فرغمَ كلِّ الخوفِ والتوتُرِ ومظاهرِ الدمارِ التي عمّتْ كلَّ مكانٍ؛ وطالت منزلي وغرفتي وبعضَ البيوتِ في حارتي؛ إلّا أنَّ مشاعري كانت مختلفةً ومتناقضةً؛ جمعتْ بين الحزنِ والقهرِ جرّاءَ ما تعرّضْنا له؛ لكنْ في ذاتِ الوقتِ كان هناك داخلي مشاعرُ قويةُ تعبّرُ عن حالةِ الصمودِ، وأنّ هذا المحتلَّ سيرحلُ يوماً، وأنّ رسالتَنا من فوقِ الدمارِ لابدَّ أنْ تقولَ له “ارحَلْ إننا باقونَ”.

وتضيفُ: خطرَ  بِبالي استخدامُ قطعٍ مختلفةٍ من الركامِ لصناعةِ لوحاتٍ تنقلُ المشاعرَ المتناقضةَ التي أشعرُ فيها، وبالفعلِ بينما انشغلَ الناسُ في إزالةِ الركامِ؛ كنت أنشغلُ في تجميعِ قطعِ تَصلحُ؛ لأنْ تكونَ لوحاتٍ توَثّقُ الجريمةَ؛ وتنقلُ رسالةَ الصمودِ والبقاءِ؛ وتعزّزُ المقاومةَ، منوّهةً في كلِّ مرةٍ كنتُ أبحثُ بينَ الركامِ؛ كان اللهُ يَمُنُّ على بفكرةٍ جديدةٍ لِلَوحةٍ جديدةٍ؛ حتى شعرتُ أني في مهمةٍ فنيةٍ جهاديةٍ تُشابهُ إلى حدٍّ كبيرٍ الكثيرَ من المقاومينَ والمرابطينَ في مواقعِهم.

صمودٌ وبقاءٌ

وتتابعُ: كثيراً ما كنتُ أؤمنُ برسالةِ الفنِّ في إيصالِ الرسائلِ وتوثيقِ التاريخِ؛ لكنّ هذه المرّةَ أنا صنعتُ ذلك؛ وكنتُ صاحبةَ رسالةٍ عميقةٍ لمسَها كلُّ من زارَ مَعرضي داخلَ غُرفِ منزلي المُدمّرةِ؛ حيثُ علّقتْ قِطعاً من “زُجاجٍ، حجارةٍ، شظايا، قِطعِ أسبست وصفيحٍ وغيرِها”، حوّلتُها إلى لوحاتٍ فنيةٍ؛ لتَقلِبَ الركامَ الجاثمَ على قلبِ العائلةِ إلى لوحاتٍ تنبضُ بالحياةِ.

وتستطردُ: كلُّ لوحةٍ حملتْ رسالةً مختلفة، تنوّعتْ ما بينَ صمودٍ وبقاء، وألمٍ وأمَل، وحطامٍ وبقاء؛ فمِنها ما احتوى على مُجسّمِ قبةِ الصخرةِ، وأخرى لثائرٍ فلسطيني موَشّحٍ بالكوفيةِ، وثالثةٍ ليدٍ تُمسكُ بمفتاحٍ على شكلِ كلمةِ “باقون”، كما رسمتُ شجرةً أوراقَها على لونِ علمِ فلسطينَ؛ وأعلاها كلمة “صامدون”، وقِطعٌ أخرى كُتبَ عليها “سوف نبقى هنا”، وكلُّ هذه الرسائلِ هي نتاجُ تجربتي الشخصيةِ، وتجربةِ المحيطينَ والأصدقاءِ والأهلِ خلالَ العدوانِ الأخيرِ؛ حيثُ لمستُ هذه المرةَ مشاعرَ مختلفةً ؛ الجميعُ يؤكّدُ على أنهم راحلونَ ونحن باقونَ.

وتُتابعُ: على جدارِ الغرفةِ المدّمرةِ، والتي كانت عبارةً عن الخلفيةِ التي ارتكزتْ عليها اللوحاتُ والقطعُ الفنيةُ؛ اخترتُ عباراتٍ تاريخيةً ومعروفةً وذاتَ دلالاتِ صمودٍ؛ ومن أبرزِها: “باقون؛ هذا البيتُ لي، هذا الجدارُ الرطبُ لي، هذا الرصيفُ وما عليه السلام؛ هذا البيتُ لي.

أعادَ الحياةَ

وعلى الرغمِ من انتهاءِ الحربِ؛ والبدءِ برفعِ الركامِ؛ إلّا أنّ الفنانةَ “سجى موسى” ما زالت تقبعُ فوقَ ركامِ منزلِها؛ وتختارُ لوحاتِها وأفكارَها بعنايةٍ بالغةٍ؛ وتضيفُ كلَّ يومٍ إلى مَعرِضِها لوحاتٍ وقِطعاً فنيةً جيدةً، في حين تنشغلُ بقيةَ ساعاتِ النهارِ في استقبالِ زوارِ المعرضِ الذين يُبدونَ خالصَ الاهتمامِ والحبِّ لفكرةِ المَعرضِ ورسائلِه القويةِ التي تنبضُ بالأملِ، الذي أعادَ الحياةَ للمشهدِ الكئيبِ الذي كانت عليه تلك الغرفةِ”.

وترى “موسى” أنّ “الفنَّ رسالةٌ، والريشةَ سلاحٌ، أقاومُ بها بطريقتي، كما المقاومِ بسلاحِه، والصحفي بكاميراتِه، وأستخدمُ الرسمَ كوسيلةٍ تعبيريةٍ تنقلُ ما نعيشُه للعالمِ، وتتركُ الأثرَ البالغَ، وهو لغةٌ تنطقُ لوحدِها، وتوصلُ الرسالةَ المرادُ إيصالُها، وكلُّ ذلك ينجحُ لأننا أصحابُ قضيةٍ عادلةٍ.

وتضيفُ: “قمتُ بتحويلِ الجمادِ (الركام) إلى جمالٍ ناطقٍ؛ فنحن أصحابُ رسالةٍ ساميةٍ، وحقٍّ خالصٍ، وكلُّ واحدٍ مِنا يجبُ أنْ يوصلَها بطريقتِه؛ كي نتركَ أثرًا ونصنعَ تأثيرّا، ونُحدثَ اختراقًا في الضميرِ العالمي تُجاهَ قضيتِنا والذي شعرْنا في الحربِ الأخيرةِ أنه اختراقٌ كاملٌ أوصلَ الرسالةَ وحقّقَ نجاحاً لم نكنْ نتوقّعُه.

ومن وسطِ الركامِ أرسلتْ الفنانةُ “موسى” رسالةً إلى العالمِ، عبّرتْ فيها عن أملِها ألاّ تعودَ الحربُ، ويعُمَّ الأمنُ والاستقرارُ والسلامُ، وينعمَ شعبُنا بالأمنِ والأمانِ على أرضِه، ويُعادَ إعمارُ ما دمّرَه الاحتلالُ في كلِّ شارعٍ وحَيٍّ.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى