
بعدَ قصفِ عدّةِ أبراجٍ وبناياتٍ تجاريةٍ وسكنيةٍ؛ تضمُّ مكاتبَ مؤسّساتٍ ووكالاتٍ إعلاميةً فلسطينيةً ودوليةً وسطَ مدينةِ غزة؛ جاء استهدافُ الصحفي في إذاعةِ صوتِ الأقصى “يوسف أبو حسين” بقصفِ منزلِه؛ ليُضيفَ علامةً فارقةً في الاستهدافِ الإسرائيلي للصحفيينَ خلالَ العدوانِ الإسرائيليّ الأخيرِ على قطاعِ غزة.
مع بدءِ العدوانِ الصهيونيّ الهمجيّ على قطاعِ غزة؛ قامت بمُوازاتِه حربٌ ثانيةٌ، وإذا كانت الحربُ الأولى عمادُها وقوامُها الأساسُ الطائراتُ والصواريخُ التي لم تميّزْ بين الحجرِ والشجرِ والبشرِ نتيجةَ سياسيةِ القصفِ العشوائي؛ فإنّ الحربَ الثانيةَ كان عمادُها الكلمةَ والقلمَ والفضاءَ الإعلامي.
على رأسِ الحدَثِ
في حديثٍ مع المصوّرِ عطية درويش يقولُ :”بِمجردُ اللحظاتِ الأولى للحربِ؛ أخذْنا على عاتقِنا أنْ نغطّي كافةَ الأحداثِ، وننقلَ الخبرَ أولاً بأول؛ وذلكَ من أجلِ فضحِ جرائمِ الاحتلالِ أمامَ العالمِ الذي يدَّعي الحريةَ؛ وينطقُ بحقوقِ الإنسانِ، فكُنا على رأسِ الحدَثِ، ولم تُرعِبْنا قذائفُ وصواريخُ المحتلِّ؛ بل زادتْنا إصراراً على تغطيةِ الأحداثِ وتوثيقِها .
فيما تحدّثتْ “غالية حمد” مراسلةُ الجزيرة “للسعادة” قائلةً:” كُنا على رأسِ الساعةِ تحتَ القصفِ، نرى الصواريخَ وهي فوقَ رؤوسِنا، فجميعُنا ننطقُ بالشهادةِ، ونواصلُ عملَنا.. وفي لحظاتٍ كثيرةٍ عِشناها كان الموتُ قريباً منّا؛ لكننا لم نتوقفْ عن العملِ وكشفِ جرائمِ المحتلِّ بحقِّ المَدنيينَ والأطفالِ والنساءِ .
تتابعُ حديثَها:” نحن استطعْنا أنْ نجعلَ الاحتلال يشعرُ بفشلِه وهزيمتِه أمامَ عدساتِنا وكاميراتِنا وقوّتِنا وبقائنا في أرضِ الميدانِ باستمرارٍ؛ لنوصلَ صوتَنا وصورتَنا للعالمِ، وأننا شعبٌ يحاربُ من أجلِ حريتِه ونَيلِ حقوقِه والعيشِ بسلامٍ، شعبٌ يقدّمُ روحَه وأبناءَه وخيرةَ شبابِه فداءً للوطنِ والأقصى والقدسِ .
“مؤمن قريقع” الذي عاشَ يومَ عيدِ الفطرِ( 13 مايو/أيار) نكبةً جديدةً في عملِه الصحفي؛ عندما تعرّضتْ مؤسسةُ “آيديا” للإنتاجِ الإعلامي -التي أسَّسها منذُ شهورٍ قليلةٍ- للتدميرِ؛ إثرَ قصفِ عمارةِ الوليدِ غربيَّ مدينةِ غزة ..
استهدافُ الصحفيينَ
ويعملُ قريقع مع (6) صحفيينَ، جميعِهم فقدوا عملَهم ومعداتِهم بسببِ القصفِ. وكان “قريقع” قد أصيبَ بجروحٍ صعبةٍ خلالَ تغطيتِه العدوانَ الإسرائيلي الأولَ على غزةَ عامَ (2009)، ومرةً أخرى في عدوانِ( 2012)، الأمرُ الذي تسببَ بفقدانِ ساقَيهِ..
ويقولُ المصوّر” قريقع”: إنّ استهدافَ إسرائيلَ للصحفيينَ ومقارِّهم هدفُه تغييبُ صورةِ الآثارِ المدمَّرةِ للعدوانِ عن الإعلامِ الدولي.
ومن بين عشراتِ الصحفيينَ المصابين، نجا مصورُ وكالةِ الأناضولِ التركيةِ “محمد العالول” من الموتِ؛ بعدَ أنْ سقطَ صاروخٌ إسرائيليّ قربَ سيارةِ وكالتِه التي كانت تَحملُ شارةَ الصحافةِ؛ واستقلّها “العالول” مع (3) من زملائه خلالَ تغطيتِهم قصفَ قريةِ “أمِّ النصرِ” شمالَ القطاعِ؛ حيثُ أصيبَ بشظايا مختلفةٍ في أنحاءِ جسدِه؛ وخضعَ لعملياتٍ جراحيةٍ، وأدّتْ إصابتُه إلى توقّفِ عملِه.
وفي تصريحٍ لرئيسِ المكتبِ الإعلامي الحكومي بغزة “سلامة معروف”؛ أشادَ بدورِ كافةِ الصحفيينَ والإعلاميينَ الفلسطينيينَ الذين يبذلونَ جهوداً مضاعفةً منذُ بدءِ العدوانِ على الشعبِ الفلسطيني؛ من أجلِ كشفِ الصورةِ المزيفةِ للاحتلالِ، الذي طالَما تغنَّى بالإنسانيةِ والحرية.
يقولُ:”إنّ الإعلامَ الفلسطيني تميّزَ كالعادةِ؛ وأصبح لديهِ الخبرةَ العمليةَ الميدانيةَ في تغطيةِ العدوانِ على قطاعِ غزةَ، وخاصةً الإعلامَ المحليّ بكافةِ أشكالِه”، مشيداً بدورِ الإعلامِ الجديدِ والتواصلِ الاجتماعي.
جرائمُ غيرُ مبرَّرة
وتابع: “لا بدّ من التأكيدِ على دورِ المراسلينَ والمصورينَ الذين يعملونَ في الميدانِ على مدارِ الساعةِ، ويبذلونَ جهوداً مضاعفةً بالرغمِ من خطورةِ الوضعِ، فلا بدَّ من نقلِ الرسالةِ كاملةً، وتوثيقِ جرائمِ الاحتلالِ في كافةِ مناطقِ القطاع”.
وأوضحَ “معروف” أنّ الاحتلالَ “الإسرائيلي” ارتكبَ خلالَ الحربِ على غزةَ حماقةً كبيرةً باستهدافِه للصحفيينَ والمقراتِ الصحفيةِ.
وشدّدَ على أنّ الاحتلالَ ارتكبَ _على مرأى وسمعِ العالمِ أجمعَ_ جريمةً جديدةً ضدَّ وسائلِ الإعلامِ، بقصفِ برجِ الشروقِ الذي يضمُّ عشراتِ المقارِّ الإعلاميةِ والتجاريةِ أبرزُها شبكةُ الأقصى الإعلامية.
وأشارَ إلى أنّ الاحتلالَ قصفَ المقارَّ ليوقفَ التغطيةَ، ويُسكتَ صوتَ الحقيقةِ، فكان الردُّ باستمرارِ التغطيةِ دونَ توقُفٍ، ومواصلةِ فرسانِ الحقيقةِ العملَ ميدانياً لفضحِ الاحتلالِ، ونقلِ جرائمِه ليشاهدَها العالمُ أجمع.
وتابعَ “معروف” القولَ: “نرى في استهدافِ الاحتلالِ للمؤسساتِ الصحفيةِ والأبراجِ السكنيةِ جريمةَ حربٍ مركّبةً، وتَحدّياً للمواثيقِ الدوليةِ.. وعلى المجتمعِ الدولي تحمّلَ مسؤولياتِه في لجمِ الاحتلالِ عن استهدافِها، وتوفيرَ الحمايةِ لها.
فضحُ جرائمِ المحتلِّ
طالبَ المجتمعَ الدولي بضرورةِ الخروجِ عن صمتِه، الذي شجّعَ الاحتلالَ على ارتكابِ المزيدِ من الجرائمِ، والتدخُلِ العاجلِ لوضعِ حدٍّ لجرائمِ الاحتلالِ، ووقفِ العدوانِ الغاشمِ على المدنيينَ ووسائلِ الإعلامِ في قطاعِ غزة كما ودَعا المنظماتِ والاتحاداتِ المعنيةَ بحريةِ الرأيِّ والتعبيرِ لإلغاءِ عضويةِ الاحتلالِ فيها، وإعلانِ موقفٍ واضحٍ تجاهَ جرائمِ المحتلِّ، وتشكيلِ لجنةِ تحقيقٍ دوليةٍ في كافةِ الجرائمِ السابقةِ والحاليةِ.
من جهتِه دانَ منتدَى الإعلاميينَ الفلسطينيينَ جريمةَ الاحتلالِ بالاستهدافِ المستمرِّ للمؤسساتِ الإعلاميةِ، مشيداُ بكفاحِ الصحفيينَ الفلسطينيينَ لأداءِ رسالتِهم المهنيةِ في فضحِ جرائمِ الاحتلال؛ ومؤكّداً في ذاتِ الوقتِ على أنّ جرائمَ الاحتلالِ ستَفشلُ في طمسِ الحقيقةِ؛ وسيبقى الصحفيونَ الفلسطينيونَ، والصحفيونَ الأجانبُ الأحرارُ في ميدانِ واجبِهم المِهني.
كما دعا منتدى الإعلاميينَ الاتحادَ الدولي للصحفيين، واتحادَ الصحفيينَ العربِ، ومنظمةَ مراسلونَ بلا حدودٍ، والصليبَ الأحمرَ، وكلَّ المؤسساتِ الحقوقيةِ إلى العملِ الجادِّ على محاسبةِ قادةِ الاحتلالِ على هذا الجرائمِ، وضمانِ عدمِ تكرارِها.
انتهاكاتٌ بالأرقامِ
وحسْبَ بيانِ لجنةِ الحرياتِ في نقابةِ الصحفيينَ؛ أنه خلالَ الأسبوعينِ الماضيينِ؛ ارتكبَ الاحتلالُ أكثرَ من (180) جريمةً وانتهاكاً ضدَّ الصحفيين؛ حوالي (80 )منها في قطاعِ غزةَ؛ وأدّتْ لاستشهادِ الصحفي “يوسف أبو حسين” _مقدّمِ برامج في إذاعةِ الاقصى_، كما أصيبَ (10) صحفيينَ جراءَ القصفِ الصاروخي والمدفعي من قِبلِ جيشِ الاحتلالِ، ودمّرتْ الصواريخُ حوالي (37) مؤسسةً صحفيةً؛ منها (26) مؤسّسةً دُمرتْ دماراً كاملا.
وأكّدَ البيانُ أنّ نحوَ (100) صحفيٍّ في الضفةِ الغربيةِ والقدسِ _بينهم عربٌ وأجانبُ_؛ قمعَهم الاحتلالُ بالضربِ، ومنعِ العملِ، ومصادرةِ المُعدّاتِ، والاستهدافِ المباشرِ بالسلاحِ، كما سجلتْ عشراتُ الانتهاكاتِ بحقِّ المحتوى الفلسطيني، وتقييدُ حساباتٍ على (اليوتيوب والواتس آب).
ووثّقتْ الهيئةُ المستقلةُ لحقوقِ الإنسانِ استهدافَ البنيةِ التحتيةِ؛ ومن ضِمنِها الأبراجُ السكنيةُ والتجاريةُ، والتي ضمّتْ عدداً كبيراً من مكاتبِ المؤسساتِ الصحفيةِ المحليةِ والدوليةِ، أولُّها “برجُ الجوهرة” في اليومِ الثاني للعدوان؛ ما أدّى إلى تدميرِ (12) مقرّاً إعلاميًا؛ منها مكاتبُ صحيفتَي فلسطينَ، والعربيِّ الجديدِ، وقنواتِ العربي والمملكةِ ووكالةِ “إيه بي إيه.” (APA)
وفي اليومِ ذاتِه، قصفَ الاحتلالُ برجَ الشروقِ الذي ضمَّ (6) مؤسساتٍ إعلاميةٍ؛ منها مقرُّ فضائيةِ وإذاعةِ الأقصى، ومرئيةِ الأقصى، وقناةِ فلسطينَ اليوم.
وكان قصفُ برجِ الجلاءِ وانهيارُه أمامَ عدساتِ الصحافةِ العالميةِ؛ يُعَدُّ الاستهدافَ الأبرزَ للمقراتِ الإعلاميةِ؛ إذْ ضمَّ البرجُ (8) مؤسساتٍ إعلاميةٍ؛ منها مكاتبُ واستوديوهاتُ قناةِ )الجزيرةِ، ومقرُّ وكالةِ الصحافةِ الأميركيةِ “أسوشيتد برس”Associated Press).