Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

كيف كانت المرأةُ شريكةً في حملِ سيفِ القدس؟

بقلم :إسماعيل الثوابتة

صحفي وكاتب فلسطيني

لفتْ نظري بشكلٍ كبيرٍ دورُ المرأةِ الفلسطينيةِ خلالَ عدوانِ الاحتلالِ الصهيوني على قطاعِ غزةَ، الذي استمرَّ أحدَ عشرَ يوماً؛ كانت هي الأقسَى على شعبِنا الفلسطيني العظيمِ خلالَ تلكَ الأيامِ.

المرأةُ كانت مستوعِبةً على ما يبدو أكثرَ من السنواتِ الماضيةِ لمتطلّباتِ المرحلةِ القاسيةِ التي عاشها أبناؤها في أسرتِها من جهةٍ، وأبناءِ شعبِها من جهاتٍ أخرى، فمثلاً كانت المرأةُ على رأسِ عملِها كإعلاميةٍ وصحفيةٍ وناشطةٍ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، جنباً إلى جنبٍ مع الصحفي والإعلامي الرجلِ؛ حيثُ تكاتفا بالقلمِ، وبالكاميرا، وبالصورةِ، وبالتغطيةِ المتواصلةِ التي لم تنقطِعْ.

سألتُ نفسي سؤالاً خلالَ عملي في التغطيةِ الإعلاميةِ للعدوانِ: إنْ كان الصحفيُّ والإعلاميُّ الرّجلُ يُغطّي العدوانَ؛ ففي بيتِه امرأةٌ تديرُ بالها على أسرتِه وأطفالِه، تحافظُ عليهم، وتحميهم، وتهدّئ من رَوعِهم، وتخففُ عنهم؛ ولكنْ من يقفُ وراءَ تلك المرأةِ الإعلاميةِ الصحفيةِ؛ التي كانت تعملُ كأسطورةٍ وهي تقفُ خلفَ رسالتِها الإعلاميةِ؟ من يقفُ وراءَها؟ وهل الظروفُ مُهيأةٌ لأنْ تكونَ هي في هذا الموقفِ الخطيرِ أصلاً؟ وهل قلبُ المرأةِ وبُنيَتُها  يحتملانِ هذا الكمَّ الهائلَ من الخوفِ والضغطِ النفسي الرهيبِ في ظِلِّ القصفِ والقتلِ والدمارِ والعدوانِ وتطوراتِه المتلاحقةِ؟ وهل مطلوبٌ منها ذلكَ باعتقادِكُم؟

ولا ينسحبُ كلامي فقط على الصحفيةِ؛ بل يتجاوزهُا لنرى تلكَ الطبيبةَ الجسورةَ التي تقفُ على رأسِ عملِها في المستشفياتِ، تُطبِّبُ المصابينَ وتُجري العملياتِ، أو تلكَ الممرضةَ المرابطةَ التي تحملُ هموماً كبيرةً؛ المصابونَ من جهةٍ، وتفكيرُها بأطفالِها من جهةٍ أخرى، أو تلكَ النسوةَ الثائراتَ اللواتي يعملنَ في المختبراتِ، أو في الصيدلياتِ، أو في الأجهزةِ الأمنيةِ، أو في الوزاراتِ والمؤسساتِ العامةِ أو الخاصةِ، اللواتي يحمِلنَ نفسَ الهمِّ والعطاءِ والمسئوليةِ؟

إنها المرأةُ الفلسطينيةُ التي لا يُقارَنُ بها أحدٌ على وجهِ البسيطةِ، تلك المرأةُ التي يتنامَى احترامُنا لها مع كلِّ ظرفٍ قاسٍ يمرُّ بنا وفينا لينموَ عطاؤها، وتُمسي صاحبةَ رسالةٍ نبويةٍ تتشابهُ إلى حدٍّ كبيرٍ برسالةِ الصحابياتِ اللواتي عِشنَ في عصرِ خيرِ الأنامِ.

أتعجّبُ كثيراً من هذا العطاءِ غيرِ المحدودِ لهؤلاءِ النسوةِ! حيثُ بِتنَ أفضلَ من آلافِ الرجالِ الصامتينَ المتخاذلينَ الشاهدينَ على ذبحِ شعبِنا؛ دونَ أن يُحرّكوا ساكناً أو يُسكّنوا متحرّكاً.

ليس من المبالَغةِ إنْ قلتُ لكم أنّ المرأةَ الفلسطينيةَ تُعَدُّ من وِجهةِ نظري من أعظمِ نساءِ الكونِ، فكما ذكرناهنَّ على رأسِ أعمالِهنّ؛ نذكُرُهنَّ وهنّ يقدِّمنَ أبناءَهنّ شهداءَ في ميدانِ المقاومةِ والعطاءِ، بل وكانت تلكَ المرأةُ أحايينَ كثيرةً في مقدمةِ الصبرِ والاحتسابِ والشهادةِ، فيكونُ فِلذةُ كَبدِها في كَفنِه محمولاً على الأكتافِ، بينما هي تزغردُ فرحاً في عُرسِه إلى دارِ الخلودِ شهيداً؛ يَحملُ لها مستقبلاً جميلاً كما نعتقدُ جازمينَ.

إنه تاريخٌ مجيدٌ لا أعتقدُ أنّ أمّةً مرّتْ به من قبلُ؛ مع مِثلِ هذه الظروفِ المتشابكةِ التي يتداعَى عليها المارقونَ؛ كما تداعَى الأكَلةُ إلى قَصعتِها، إنه تاريخٌ تُسطِّرُ فيه المرأةُ الفلسطينيةُ بطولاتٍ شامخةً في مجابهةِ الظروفِ إياها؛ بل وتفوّقتْ على نفسِها في أحيانٍ كثيرةِ لها أولٌ وليس لها آخِرُ.

هل تعتقدونَ أنّ هذه التضحياتِ سوف تمضي سُدى؟ أو أنّ اللهَ لن ينصُرَ هذا الحقَّ على الباطلِ بعدَ كلِّ هذا الصبرِ والصمودِ والتضحياتِ العظيمةِ؟ كَلّا ولا.. وحاشَ لله، إنّ النصرَ قريبٌ وقادمٌ بلا شكٍّ ولا تَرَدُّدٍ، إنه يقينُ الصابرينَ والصابراتِ، وستَذكرونَ ذلكَ قريباً بإذنِ اللهِ؛ ونحن نطرقُ أبوابَ المسجدِ الأقصى محرّراً عزيزاً كريماً، سنَطرُقُه بصبرِنا وصبرِهنَّ، وثباتِنا وثباتِهنّ، ودماءِ شهدائِنا وشهدائِهنّ، وتضحياتِنا وتضحياتِهنّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى