Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

العائدونَ من القاعِ ..

بقلم : الكاتبة دعاء عمار

كتبتُ من قبلُ مقالاً بهذا العنوانِ، أحبُّه وأعيدُ قراءتَه مرّةً بعدَ مرّةٍ؛ كلّما سنحتْ لي الفرصةُ؛ كان يحكي عن تجديدِ الشعورِ الوطني الذي أعادتْهُ لنا مسيراتُ العودةِ منذُ بدايتِها؛ رغمَ ما لاقيناهُ فيها من تعبٍ ونصَبٍ؛ لكنها استطاعتْ أنْ تُعيدَ ضبطَ بوصِلتِنا، توَحّدَ شعورَنا، تُنسينا مآسينا الصغيرةَ، وتُيمِّمَ شطرَ قلوبِنا تُجاهَ أهدافِنا الكبيرةِ التي كُنا قد أوشكنا على نسيانِها تحتَ وطأةِ الحصارِ وشِدّتِه.

هذه المرّة عُدنا من القاعِ فعلاً، عودةً لا رجوعَ فيها، ولا شتاتَ بإذنَ اللهِ، الحربُ لا شكَّ مؤلمةٌ ومن ذا الذي يتمناها! إنْ كُنا داخلَ فلسطينَ وغزةَ تحديداً؛ فمَن ذا الذي يريدُ أنْ يستمعَ إلى أصواتِ القصفِ والصواريخِ وألمِها ورهبتِها! والتي نحاولُ كتمانَها بفرحِنا بصواريخِنا المنطلقةِ من أماكنِها المختلفةِ في القطاعِ؛ لأنها تجعلُنا نشعرُ أنهم كذلك يشعرونَ بالخوفِ مِثلِنا، غيرَ أنّ لنا من الأجرِ ما ليس لهم.

شهداؤنا الذين لن ننساهُم أبداً، مَهما تقادمَ الزمنُ، أحبَّتُنا الذين نعرفُهم ونفقدُهم في لحظاتِ الحربِ؛ لا يمكنُ لأيِّ شيءٍ أنْ يغيّرَ شعورَنا نحوَهم، غيرَ أننا أهلُ غزةَ في الخارجِ مصابونَ بلعنةِ الغيابِ، رُبما لا يصدّقُ البعضُ أننا كنا نموتُ في اليومِ ألفَ مرةٍ ؛ أكثرَ من عددِ الصواريخِ النازلةِ على رؤوسِ أهلِنا هناك، نبغضُ أنفسَنا كما لم يفعلْ أحدٌ من قبلُ؛ لأننا ننعمُ بالهدوءِ دونَهم، نظنُّ أننا من المغضوبِ عليهم؛ إذْ كُتبَ لنا الخروجُ بينما بقَوا هم هنالكَ.

لغزةَ عشقٌ لا يعرفُه غيرُ أهلِها؛ مَهما كابدْنا فيها من مصاعبَ، مَهما متْنا فيها ألفَ مرةٍ، وقُتلتْ أحلامُنا بالصواريخِ، والحصارِ، والفقرِ، والقمعِ والتضييقِ؛ لكنّ غزةَ نعرفُ دومًا أنها قبِلتْنا ونفَسُ الحياةِ فينا الذي نرغبُ دومًا بالعودةِ إليه؛ مَهما طالتْ بنا المسافاتُ، واستغرقْنا في الغربةِ لأعوامٍ.

غزةُ هذه المرةَ أذاقتْنا العِزّةَ، وغيّرتْ العالمَ فعلاً، تمكّنَ جيلُ الهواتفِ المحمولةِ وتطبيقاتُه المختلفةُ بإحداثِ ما لم يمكِّنُنا فِعلُه على مدارِ سنواتٍ سابقة، تماماً كما تمكّنَ أترابُهم خلفَ راجماتِ الصواريخِ، والطائراتِ المسيّرةِ، وقاذفاتِ “الكورنيت” من إحداثِ إساءةِ الوجهِ التي طالَما قرأناها في سورةِ الإسراءِ؛ وقُلنا أنَّى هي! وكيف هي! لكنّنا رأيناها فعلاً.. وعرفناها حقاً وقلنا صدقَ اللهُ ورسولُه، والعزةُ للهِ وللمؤمنينِ؛ ولكنّ المنافقينَ لا يعلمونَ.

بِتنا أكثرَ يقيناً من اقترابِ التحريرِ، كُنا نقولُ سيَشهَدُه أبناؤنا؛ لكننا رُبما نَشهدُه أيضاً؛ إنْ مدَّ اللهُ في أعمارِنا بضعَ سنواتٍ أو أقلَّ، هذا وعدُ اللهِ الذي طالَما سخِرُ منه أصحابُ الرؤَى الماديّةِ من المُحلّلينَ والكُتّابِ حتى من داخلِ غزة، كم كنتُ أتمنّى حقاً لو رأيتُ  وجوهَهم الآنَ؛ بعدَ ما تحقّقَ أخيراً على يدِ المقاومةِ.

إذا.. لا بأسَ عليكِ يا غزة، وحدَكِ كنتِ تسيرينَ على خُطى ثابتةٍ بهِمّةِ أولئكَ الأتقياءِ الأنقياءِ الذين لا نَعلمُهم؛ لكنّ اللهَ تعالى يَعلمُهم، مَهما كثُرَ الفقدُ فينا والألمُ، سنشتاقُ لا محالةَ، سنكتُم أعيُنَنا ونُثنيها عن الدمعِ مرةً بعدَ مرّة، ندَّخِرُه ليومِ التحريرِ الأكبرِ بإذنِ اللهِ؛ عندَها يستحيلُ الدمعُ فرحاً وشكراً على ما خصَّنا اللهُ تعالى به دونَ غيرِه.

عندما نرى رِفعةَ الدرجاتِ، وجزيلَ الثوابِ، وصُحبةَ الأخيارِ والأحبابِ؛ سنَحمَدُ اللهَ ألفَ مرّةٍ أنْ منَّ علينا بنعمةِ الإيمانِ والمقاومةِ، بنعمةِ غزةَ من دونِ كلِّ بقاعِ العالمينَ، لا يضرُّنا مَن خذَلَنا، ولا من خالَفَنا، ولا من لامَنا في حبِّها وهواها، مَهما كُنا في أجملِ مدنِ العالمِ وأعرَقِها، ولْنَكُنْ كمَن قال: وحاضِنَتي النصحُ لكنْ لستُ أسمعُه…… إنَّ المُحِبَّ عن العُذالِ في صَمَمِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى