ابنٌ مِعطاء

الكثيرُ مِنّا يواجِهُ مشكلةً مع أطفالِه في إمكانيةِ تقَبُّلِه لغَيرِه من الأطفالِ، ففي سنٍّ معيَّنةٍ لا يحبُّ الأطفالُ مُشارَكةَ أقرانِهم في الطعامِ أوِ الشرابِ أو الّلعبِ؛ وذلكَ في عُمرِ ما قبلَ المدرسةِ بالذاتِ، وأولِ سنواتِ المرحلةِ الابتدائيةِ، بل ويبدو الطفلُ أنانيّاً، لا يحبُّ أنْ يُعطيَ ألعابَه لأحدٍ، لا يحبُّ أنْ يُطعِمَ أحداً من طعامِه، لا يحبُّ أنْ يشاركَ ابنُ الجيرانِ غرفتَه، أو أنْ يُعطيَه أيَّ شيءٍ على سبيلِ الإعارةِ مَثلاً من بيتِه، بل ولا يحبُّ أنْ يقتربَ طفلٌ من أمِّه أو يسلّمَ عليها، ولا يَقبلُ أنْ تَمدحَ الأمُّ غيرَه من الأطفالِ.
وفي هذه اللحظةِ قد يقعُ الوالدانِ أو الأمُّ بالذاتِ في موقفٍ مُحرِجٍ، فابنُها لا يريدُ أنْ يشاركَ غيرَه، أو قد تراهُ أنانيّاً بعضَ الشيءِ، خاصةً إذا كانت تعيشُ في عائلةٍ ممتدّةٍ، وهناكَ الكثيرُ غيرُه من الأطفالِ، وتبدأُ المقارَناتُ بينَ كَرمِ هذا وعطاءِ الآخَرِ، وأنانيةِ هذا وحُبِّ ذاكَ للمشاركةِ أكثرَ من الآخَرِ.
أُحبُّ أنْ أطمئنَكِ عزيزتي الأم، الطفلُ الطبيعي في هذه السنِّ يحبُّ التملُّكَ ويَكرهُ العطاءَ، وهذا التملّكُ الذي تحسبينه أنانيةً؛ هو ما يُثبِتُ قوةَ شخصيتِه ومحافظتَهُ على خصوصيتِه وممتلكاتِه؛ فهو لا يعطي أحداً شيئاً إلا على رقبتِه، ومَهما حدثَ لا يتنازلُ؛ وهذا يدلُّ على إصرارِه وثباتِه على الرأيِّ، فعليكِ أنْ تفرحي..، وفيما بعدُ سيَتعوّدُ ابنُكِ على العطاءِ والمشارَكةِ؛ حينما يَفهمُ المعنى الحقيقَ لهذا العطاءِ تدريجًا كُلّما كبرَ.
ولكنْ، كيف له أنْ يفهمَ ويتعلّمَ؟، بسيطة جداً
بالتقليدِ، كوني أنتِ معطاءةً سيكونُ هو..، شارِكي غيرَك كلَّ التفاصيلِ سيشارِكُهم هو. خُذي مثلاً بعضاً من طعامٍ صنعتيهِ؛ واذهبي به إلى الجيرانِ، اصنعي حلوى وقولي له :” سنأكلُها مع عمَّتِك وأبنائها؛ حينما يأتونَ إلينا اليوم”، أو سنأخذُ بعضَ القطعِ لنعطيَها للجيرانِ، مع ملاحظةِ أنْ لا تعتدي على ممتلكاتِه، تصرَّفي فقط بما هو مُلكٌ للجميعِ: “طعامٌ، نقودٌ، بعضُ أدواتِ المنزلِ”؛ وليست أدواتِه هو تحديداً.
وفي المدرسةِ حاولي أنْ تضعي له في حقيبتِه عدداً أوفرَ من “السندويتشات”، وقولي له:” رُبما نسيَ أحدُ أصدقائكَ “ساندويشَه”، يُمكِنُك أنْ تطعِمَه”، أو قطّعي كميةً وافرةً من الفاكهةِ؛ وضعيها في صندوقِه؛ وإذا قال لكِ أنّ هذه الكميةِ كثيرةٌ، قولي له:” يُمكِنُك أنْ تأكلَ مع أصدقائكَ.
هنا سيُفرِحَ الطفلَ كثيراً؛ لأنّ العطاءَ تدريجًا سيتَحوّلُ من عَيبٍ إلى ميزةٍ، فبدَلاً من أنْ يراهُ تنازلُاً، سيراهُ صِفةً من صفاتِ القائدِ، وكرَماً يتميّزُ به كما تتميّزُ به أمُّه أو أبوهُ.