لؤي البسيوني:” أنا بأمان على المريخ”

صراعُ الأدمغةِ هي المعركةُ التي يقودُها الغزيّون؛ للخروج من سجنِ غزةَ الكبيرِ؛ إلى عالمِ الحياةِ الواسعِ، إذا لم تُفلحْ كلُّ محاولاتِ الحصارِ في كسرِ إرادتِهم بتَغيّيرِ أهدافِهم أو طريقةِ أحلامِهم، لم تقلّلْ شغفَهم فيما يُحبّونه؛ بل في مراحلَ كثيرةٍ كان الحصارُ دافعاً لخوضِ غمارِ التجارِب.
المهندس لؤي محمد حسان البسيوني (42 عاماً)، من سكان بيت حانون، شمالَ قطاعِ غزة، والذي يقطنُ حالياً في ولاية “كاليفورنيا”، واحدٌ من هؤلاء الغزيّينَ الذين رسّخوا قاعدةَ “إنّ الفلسطينيَّ مُبدِعٌ أينما حلَّ، مبتكِرٌ أينما تواجدَ، صانعُ نجاحٍ أينما أعطتْه الحياةُ فرصةً، أو انتزعَ منها فرصتَه، حتى وصلَ ليكونَ من ضِمنِ الفريقِ المشاركِ في إرسالِ مركبةِ “بيرسفيرنس” التابعةِ لوكالةِ “ناسا” إلى المرّيخ.
المهندسُ الصغيرُ
وُلدَ “البسيوني” في ألمانيا؛ وعاد إلى غزةَ طفلاً صغيراً يُعَدُّ عمرُه على أصابعِ اليدِ الواحدةِ؛ درسَ الابتدائيةَ والإعداديةَ والثانويةَ في مدارسِها، ومن ثَم خرجَ للدراسةِ في الولاياتِ المتحدةِ؛ وهناكَ تفوّقَ؛ وأكملَ دراستَه؛ والتحقَ بوكالةِ “ناسا”.
يقولُ لـ “السعادة “: إنه منذُ سنواتِ عُمرِه الأولى؛ كان شغوفاً بتفكيكِ جهازِ التلفازِ؛ وإصلاحِ أعطالِه، ويُعيدُ كلَّ قطعةٍ فيه إلى مكانِها بعنايةٍ، ولُعبتُه المفضّلةُ الَّلعبُ بأجهزةِ الإرسالِ وتغييرُها، والمذياعِ، وغيرِها من الإلكترونيات، حتى بات الجميعُ ينادونَ عليه بـ”المهندسِ الصغير”.
وفي عامِ (1998) سافرَ “البسيوني” إلى الولاياتِ المتحدةِ؛ ليُكملَ طريقَه العَملي بدراسةِ بكالوريوس تخصُّص “هندسة كهربائية” بجامعةِ “كنتاكي”، ثمّ أكملَ الماجستير في جامعةِ “لويفيل”.
ويضيفُ: اخترتُ تخصُّصاً بمجالِ الهندسةِ الكهربائيةِ، “تصميم سيارات كهربائية”، لأحصلَ بعدَ ذلك على فرصةِ عملٍ مع شركةِ “جنرال إلكتريك” في بداياتِ تطويرِ مشروعِ السياراتِ الكهربائية، موضّحاً أنه عملَ مع العديدِ من الشركاتِ الأمريكيةِ في مجالِ إنتاجِ خطوطِ الطاقةِ والمحرّكاتِ المختلفةِ؛ وصولًا إلى الكهربيةِ وطاقةِ الرياحِ.
وأوضحَ أنّ عملَه بإحدى الشركاتِ الأمريكيةِ المختصّةِ بالطاقةِ البديلة، ألحَقَه بمجالِ “الطائراتِ الكهربائيةِ المُسيَّرة”؛ حيثُ حصلتْ الشركةُ التي يعملُ فيها بعدَ ذلكَ على عقدٍ مع وكالةِ الفضاءِ الأمريكيةِ “ناسا” عامَ (2018) لتصميمِ طائرةِ “هليكوبتر” تحلّقُ على سطحِ المرّيخ.
هبطتْ المَركبةُ
ويتابعُ: ترأستُ فريقًا هندسيًّا مختصًا مكوّنًا من( 8) فنيِّينَ؛ بالتعاونِ مع وكالةِ “ناسا”؛ لإنجازِ الدوائرِ الكهربائيةِ، والتحكُّمِ الآلي للطائرةِ؛ حيثُ قامَ برفقةِ فريقِه بإجراءِ دراسةٍ معمَّقةٍ حولَ إمكانيةِ طيرانِ طائرةٍ في كوكبٍ آخَرَ.. وبناءً عليه شرَعنا في تصميمِ المروحيةِ، ونوّهَ إلى أنه كان المسؤولَ في قسمِ الهندسةِ الكهربائيةِ، وتصميمِ نظامِ الدفعِ الهوائي، وآليةِ التحكّمِ.
وشارك لؤي البسيوني -عبر حسابِه على تطبيقِ “لينكد إن”- خبرَ وصولِ المركبةِ إلى المريخ، وعلّقَ قائلاً “هبطتْ المركبةُ الفضائيةُ التابعةُ لناسا بنجاحٍ على سطحِ المريخِ؛ بعدَ قرابةِ 7 أشهرٍ من انطلاقِها من الأرضِ، أنا بأمانٍ على المريخ”. وأضافَ “إنّ المثابرةَ ستوصِلُكَ إلى أيِّ مكانٍ”.
ويستطردُ: إنّ المركبةَ الجوالةَ ستبحثُ عن أحافيرَ دقيقةٍ وصخورٍ في المريخ، وعن موقعِ بحيرةٍ قديمةٍ؛ ثم تنطلقُ الطائرةُ المروحيةُ في غضونِ (10) أيامٍ تقريبًا في سَعيها للبحثِ عن علاماتٍ للحياةِ، كما ستلتقطُ الصوَرَ..، ولأولِ مرةٍ ستُسجّلُ الصوتَ على سطحِ الكوكبِ الأحمرِ، مشيرًا إلى أنّ الرحلةَ انطلقتْ في (30) يوليو العامَ الماضي؛ ووصلتْ إلى سطحِ المريخ في (18) فبراير العامَ الجاري؛ بعدَما حطّتْ أقدامَها على كوكبِ المريخِ بسلامٍ.
أُفقُ المريخِ
وبيّنَ أنه بمُجردِ وصولِ الرحلةِ إلى سطحِ الكوكبِ الأحمرِ؛ فهذا نجاحٌ عظيمٌ، حيثُ كان المشروعُ الأساسُ يجمعُ (20) شخصًا، لافتًا إلى أنه بلغَ عددُ فريقِ تصميمِ المروحيةِ “الهيكلِ ونظامِ التحكّم” (5 )أشخاصٍ.
ويصِفُ لحظةَ وصولِ الرحلةِ إلى أُفقِ المريخِ “بالشيءِ العظيمِ”، الذي رافقَه (10) دقائقَ كاملةً من الرعبِ، مُعللًا ذلك بأنه كان هناك نيازكُ قريبةٌ “فأيُّ خطأٍ غيرِ مقصودٍ فستَتَبخّرُ (5) سنواتٍ من العملِ والدراسةِ “.
ويوضّح أنه قبلَ موافقةِ “ناسا” على الطائرة؛ فإنّ العملَ عليها، وتطويرَها استغرقَ (3 )أعوامٍ، أي قبلَ عامِ (2018)، وكانت مخصَّصةً لنظريةٍ تسعَى وكالةُ “ناسا” لإثباتِها، وحين أُعجبتْ الوكالةُ بها، وافقتْ عليها؛ لتستغرقَ بعدَ ذلكَ عامَينِ من التجاربِ والتطويرِ.
ووصفَ “البسيوني” رحلتَه بالتجربةِ الرائعةِ “؛ ولكنّ الشيءَ الذي تعلَّمتُه وأثّرَ في تفكيري وشخصيتي؛ الدهشةَ التي تتملَّكُني تُجاهَ خلقِ الكونِ! فنحن نعيشُ على الكوكبِ الأرضي الذي يُعَدُّ جنَّةً؛ مقارَنةً بالكواكبِ الأخرى؛ بسببِ المميزاتِ الموجودةِ فيه، والمفقودةِ في الكواكبِ الأخرى”.
ويوضّحُ “البسيوني” أنّ ذلك يجعلُه يحترمُ الأرضَ التي يقفُ عليها، حيثُ الجوُّ واعتدالُ المُناخِ حتى في أقصَى بقاعِها؛ مقارَنةً بالكواكبِ الأخرى، ويجعلُكَ تَحمَدُ اللهَ أنكَ موجودٌ على كوكبِ الأرضِ.