
“كنعان” شغفٌ قديمٌ حديثٌ لثلاثِ مهندساتٍ متخصّصاتٍ في الجانبِ المعماري في قطاعِ غزة؛ ونافذتُهنَّ التي تطلُّ على حياةٍ تُوافقُ شغفهَنَّ، وتُلبّي رغبتَهنَّ الشديدةَ في البحثِ والاستكشافِ؛ وصولًا إلى ملامحِ التاريخِ، وأصلِ الحضاراتِ في فلسطينَ؛ وهو مشروعٌ رقَميٌّ متخصّصٌ في توثيقِ الآثارِ الفلسطينيةِ، والأماكنِ القديمةِ بطريقةٍ عصريةٍ؛ تواكِبُ التكنولوجيا المختلفةَ.
وموقعُ “كنعان” هو أولُ موقعٍ فلسطينيّ في غزةَ؛ يُطلِقُ على نفسِه وصْفَ السجلِ الرقميِّ المتخصّصِ في توثيقِ الآثارِ والتراثِ الفلسطيني؛ بالإضافةِ إلى وجودِ تطبيقٍ خاصٍّ بالهواتفِ الذكيةِ؛ يتداولُ ما يُنشَرُ عبرَ الموقعِ.
تجربةٌ فرديّةٌ
وبدأتْ رحلةُ فريقِ “كنعان” بتجربةٍ فرديةٍ؛ قادتْها المهندسةُ “نسمة السلاق” عامَ (2015)؛ قبلَ أنْ تلحَقَ بها كلٌّ من المهندسةِ “سُندس النخالة، والمهندسةُ “ميار حميد”؛ بالإضافةِ إلى شابٍّ متخصٍّص في البرمجياتِ، يتولَّى مسؤوليةَ تطويرِ الموقعِ الإلكتروني.
وتَمكَّنَ الفريقُ على مدارِ السنواتِ الثلاثِ الماضيةِ من توثيقِ جميعِ المناطقِ الأثريةِ الموجودةِ، وتوفيرِ كاملِ المعلوماتِ عنها، بما يسمحُ لمُتصفّحِ الموقعِ التجَوّلَ الافتراضي، ومشاهدةَ مقاطعَ فيديو وصوَرٍ عنها في أيِّ مكانٍ في العالمِ.
ولم تقتَصِرْ عمليةُ التوثيقِ الرقميّ للفريقِ على اللغةِ العربيةِ؛ إذْ حرِصوا على نقلِ معلوماتٍ وتوفيرِها باللغةِ الإنجليزيةِ عن أشهَرِ المناطقِ الأثريةِ الموجودةِ في القطاعِ.
وتقولُ السلاق لـ”السعادة”:” إنّ التجربةَ كانت قبلَ قرابةِ (6 )سنواتٍ؛ حينما بدأتُ بالتفكيرِ في توثيقِ المباني الأثريةِ والقديمةِ بطريقةٍ جديدةٍ؛ أمزجُ بها توثيقَ التراثِ بالأدواتِ التكنولوجيةِ الحديثةِ، التي تسهّلُ نقلَها للأجيالِ الصاعدةِ؛ في محاولةٍ لإبرازِ آثارِ قطاعِ غزةَ؛ وتوثيقِها بطريقةٍ إلكترونيةٍ، بعيدًا عن الرتابةِ في طرحِ المعلوماتِ، عبرَ التجوّلِ افتراضيًا داخلَ المكانِ، والحصولِ على صوَرٍ ومعلوماتٍ تاريخيةٍ عنه.
ديرُ القدّيسِ
في حين تقولُ المهندسة “ميار”: إنّ إقبالَ الناسِ على الوسائلِ الإلكترونيةِ يزدادُ يومًا بعدَ آخَرَ؛ ما دفعَهنَّ لإبرازِ فكرةِ مشروعِهنَّ وشغفِهِنَّ؛ الذي بدأَ منذُ كنَّ طالباتٍ في الجامعةِ، فعمِلنَ على توثيقِ الآثارِ ونقلِها للمهتمّينَ من داخلِ غزةَ وخارجِها منوِّهةً: كان اختيارُ اسمِ “كنعان” مرتبطاً بالحضارةِ الكنعانيةِ التي كانت أُولَى الحضاراتِ التي عاشت في فلسطينَ، وتَعدُّ مختلفَ الأماكنِ الأثريةِ الموجودةِ بها شاهدةً على هذه الحضارةِ؛ التي تعودُ الأصولُ الفلسطينيةُ إليها تاريخياً.
وتوضّحُ: إنّ التجربةَ الأولى كانت لمشروعِ “كنعان” في توثيقِ ديرِ القديسِ “هلاريون”؛ أحدِ الأماكنِ الأثريةِ في غزةَ، التي وُثِّقَتْ بشكلٍ كاملٍ إلى جانبِ التصويرِ بدرجةِ (360) درجة، وتوفيرِ مقاطع فيديو تسمحُ لأيِّ متصَفّحٍ حولَ العالمِ بالتنقُلِ في المكانِ افتراضياً. وخلالَ أعوامِ ( 2018 و2019) انتقلَ الفريقُ إلى توثيقِ مناطقَ جديدةٍ عبرَ مشروعٍ من منظمةِ الأممِ المتحدةِ للتربيةِ والعلمِ والثقافةِ ”اليونسكو”، وُثِّقَ خلالَه السجّلُ الوطنيُّ الثقافيُّ في قطاعِ غزةَ باستخدامِ أدواتٍ خاصةٍ؛ مِثلَ الطائراتِ المخصِّصةِ للتصويرِ “الدرون”؛ إلى جانبِ أدواتِ النظمِ الجغرافيةِ وتطبيقاتِ الهواتفِ الذكيةِ.
وبحسبِ “السلاق”، تَمكّنَ الفريقُ خلالَ تلكَ الفترةِ من توثيقِ جميعِ المناطقِ الأثريةِ؛ سواءٌ فوقَ الأرضِ، أو تحتَها، بعدَ فترةٍ طويلةٍ من العملِ في غزةَ؛ وانتقلَ بعدَها للعملِ على التوثيقِ في بلدةٍ في الضفةِ الغربيةِ بمنطقةِ عرّابة بجِنين، من خلالِ التعاونِ مع فريقٍ موجودٍ هناك.
قِلّةُ المَصادرِ
أمّا المهندسةُ المعماريةُ “سُندس النخالة”، إحدى أعضاءِ الفريقِ، تقولُ:” إنّ الفريقَ واجَهَ العديدَ من الصعوباتِ خلالَ العملِ؛ كان أبرزُها استخدامَ التصويرِ الجويّ “بالدرون”؛ من أجلِ رسمِ المباني بتقنيةٍ ثلاثيةِ الأبعادِ.
وتضيفُ: إنّ من أبرزِ العقباتِ التي واجَهتْهم؛ كانت قلّةَ المصادرِ والمَراجعِ؛ إذ لا يوجدُ مصدرٌ حولَ طبيعةِ المواقعِ الأثريةِ الموجودةِ تحتَ الأرضِ؛ وهو ما دفعَ الفريقَ إلى البحثِ حتى وصلوا إلى وثيقةٍ تابعةٍ لجريدةِ الوقائعِ الفلسطينيةِ الصادرةِ عامَ (1945).
وبحسبِ المهندسةِ المعماريةِ التي كانت تشرفُ على الفريقِ الميداني؛ الذي توَلّى عمليةَ التوثيقِ، فقد وثَّقوا (311) مبنىً، و(76) موقِعاً أثرياً موجوداً في قطاعِ غزة، فيما كان أكثرُ من (50%) من هذه المنازلِ مهجوراً دونَ اهتمامٍ.
ويشيرُ الفريقُ إلى أنّ هناك الكثيرَ من المنازلِ القديمةِ، والبيوتِ الأثريةِ التي تتعرّضُ للهدمِ من أجلِ استبدالِها بمبانٍ استثماريةٍ؛ وهو ما كان يسبّبُ معاناةً كبيرةً لهم خلالَ عمليةِ التوثيقِ لهذه المنازلِ أو المناطقِ؛ إضافةً إلى عدمِ تَقبُلِ البعضِ توثيقَ هذه المناطقِ.
لم يُهملْ الفريقُ أهميةَ (السوشيال ميديا) وروّادِها؛ إذ كانت تتولّى المهندسةُ المعماريةُ “ميار حميد” نقلَ هذه التجربةِ عبرَ حساباتِها الشخصيةِ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؛ قبلَ أنْ تنتقلَ لتوثيقِها عبرَ الحساباتِ الخاصةِ بالفريقِ؛ مؤكِّدةً وجودَ اهتمامٍ كبيرٍ وشغفٍ لدَى الكثيرِ من المتابعينَ؛ بما يُنشَرُ ويوَثِّقُ الأماكنَ الأثريةَ، والمنازلَ القديمةَ التي يزيدُ عمرُها على (100) عامٍ.
وشكّلَ توثيقُ المهندسةِ الفلسطينيةِ، ونقلُ التجاربِ اليوميةِ للفريقِ، وزيارتُهم الميدانيةُ للأماكنِ القديمةِ والأثريةِ؛ كَسراً للنظامِ النمَطي التقليدي؛ الذي اعتادَ عليه متصَفِّحو المواقعِ الإلكترونيةِ، وروّادُ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي المختلفة.