أخلِصوا النيّةَ؛ ولا تأخُذْكم “نزغاتُ الشياطين”!

في إحدى القرى الريفيةِ النائيةِ؛ كان يعيشُ عجوزٌ عابدٌ زاهدٌ؛ سمعَ ذاتَ يومٍ أنّ الناسَ يُقدّسون “شجرة”؛ يزورونَها ويقدّمونَ لها القرابينَ تقرُّباً منها ولها! فدعاهم ذاكَ العجوزُ الزاهدُ لتَرْكِ هذه “البِدعةِ”؛ لأنها شِركٌ باللهِ _عزّ وجلّ_؛ فما سمعَ منه أحدٌ! بل سخِروا منه وازدَروهُ؛ وكالوا له من الاتهاماتِ الكثيرةِ؛ فقرّرَ حينَها بأنْ يَقلعَ الشجرةَ – التي يَعدُّونَها إلهاً لهم – فتناولَ بيَدِه فأساً؛ وخرجَ من بيتِه “خالِصَ النيّةِ للهِ”؛ واتّجَه نحوَ الشجرةِ وأرادَ قَطْعَها.
وفي الطريقِ اعترضَهُ شيطانٌ على شكلِ إنسانٍ؛ سائلاً إيّاهُ: إلى أين تذهبُ أيّها العجوزُ؟ فقالَ: إلى قَطْعِ الشجرةِ وإنهاءِ البِدعةِ؛ فمَنعَه الشيطانُ وأخبرَه بأنه لن يَسمحَ له بقَطْعِ الشجرةِ لأنها “مقدّسةٌ” _على حدِّ زَعمِه_؛ فرفضَ العجوزُ الأمرَ؛ وأصَرَّ على قطعِ الشجرةِ؛ فنَهَرَهُ الشيطانُ وبعُنفٍ حتى اشتبكا بالأيدي؛ فتَغلّبَ العجوزُ على الشيطانِ وطرَحَه أرضاً؛ فقالَ له الشيطانُ الماكرُ: ما رأيُّكَ يا شيخُ أنْ أُعطيك كلَّ يومٍ مِائةَ دينارٍ؛ مُقابلَ أنْ تَترُكَني وتترُكَ الشجرةَ، فترَدَّدَ العجوزُ قليلاً؛ ثُم أغرّتْهُ الدنانيرُ وشَهوةُ المالِ؛ فوافقَ.. ورفعَ نفسَه عن الشيطانِ؛ وعادَ أدراجَه إلى بيتِه.
وبالفعلِ، في صباحِ كلِّ يومٍ كان العجوزُ يجدُ على بابِ منزلِه؛ أو تحتَ وسادتِه مَائةَ دينارٍ؛ فيفرحُ بها ويتَمتعُ بالمالِ الذي طغاهُ؛ وجعلَه يتراجعُ عن الموقفِ الذي اتّخذَه في بدايةِ الأمرِ، واستمرَّ حالُ العجوزِ على هذا المنوالِ أياماً ولياليَ متتاليةً؛ حتى خرجَ ذاتَ يومٍ ليأخذَ المائةَ دينارٍ _كعادتِه_ فلم يَجِدْها! وخرجَ في اليومِ التالي؛ فلم يَعُدْ يَجدُ المائةَ دينارٍ؛ فحملَ فأسَه وسارَ نحوَ الشجرةِ؛ وقرّرَ قطْعَها؛ فقابلَه الشيطانُ على شكلِ إنسانٍ وسألَه: إلى أينَ..؟ فقالَ: إلى قَطْعِ الشجرةِ البِدعةِ؛ فمنَعَه الشيطانُ؛ فأصَرَّ العجوزُ على قطعِها؛ فوَكزَه الشيطانُ حتى تشاجَرا بالأيدي؛ فوقعَ العجوزُ على الأرضِ؛ واعتلاهُ الشيطانُ منتصِراً عليه؛ فاستغربَ العجوزُ من ضعفِه أمامَ الشيطانِ! وسألَ الشيطانَ: لماذا هزمتُكَ المرّةَ الماضيةَ؛ والآنَ تبطحُني وتهزِمُني؟ فأجابَه الشيطانُ: يا عجوزُ، في المَرّةِ الماضيةِ خرجتَ من بيتِكَ بنِيَّةِ الإخلاصِ للهِ، وإنهاءِ البِدعةِ؛ أمّا في هذهِ المَرّةِ فأنتَ خارجٌ إلى تلكَ الشجرةِ بنِيَّةِ المائةِ دينارٍ ليس أكثرَ!
وهكذا تنتهي هذه القصةُ.. إنْ شئتَ فقُلْ عنها افتراضيةً أو خياليةً أو غيرَ ذلك؛ إلّا أنّ مِن ورائِها مَعانيَ مُهِمّةً؛ لا يمكِنُ تَجاوزُها أو القفزُ عنها.
كثيرونَ هم الذين انحَرفوا عن الطريقِ المستقيمِ؛ بسببِ نزغاتِ شياطينِ الإنسِ والجِنِّ؛
فكانت خُطَّتُهم منذُ بدايةِ طريقِهم؛ خُطّةً سليمةً صالحةً ناصعةَ البياضِ؛ ولا يَشوبُها شائبةٌ؛ غيرَ أنّ تلكَ الخُطّةَ انحرفتْ إلى الباطلِ (180) درجةً ! لأنهم وَلَغوا في الدماءِ، أو وقَعوا في مصائدِ الشيطانِ، أو فُتحتْ لهم أبوابُ الدنيا على مصراعَيها دونَ رحمةٍ منها، ودونَ انتباهٍ منهم، ومنهم من قضَى وماتَ.. ، ومنهم من بقيَ على ظهرِ هذه البسيطةِ؛ يتَسوَّلُ على “موائدِ الشيطانِ”، من حُطام الدنيا الفانيةِ .
هي دعوةٌ صادقةٌ أوَجِّهُها إلى نفسي أولاً؛ وإلى كلِّ مَن يقرأُ كلماتي هذه ثانياً؛ بأنه ينبغي علينا الانتباهُ إلى المنعطفاتِ التي تُواجِهُنا على مدارِ الساعةِ، وإلى المُغرِياتِ التي قد نقعُ فيها شراكِها؛ وتأكّدوا تماماً بأننا سنَدفعُ ثمنَها باهظاً؛ إنْ لم نَرجِعْ إلى طريقِ الجادّةِ والصوابِ؛ لأنّ الاستمرارَ في الطريقِ الخطأِ له ثمنٌ لا يَنفعُ معه ندَمٌ.