رقمٌ صادِمٌ وحقيقةٌ مُرّةٌ
بقلم الاعلامية / غالية حمد
مراسلة الجزيرة
لـ”غرزة وخيط “
بينما تكتسِحُ الطالباتُ قوائمَ التفوّقِ بأغلبيةٍ عُظمَى كلَّ عامٍ في الثانويةِ العامةِ والجامعاتِ، وما سِواها من مسابقاتٍ ومنافَساتٍ، تضعُنا وزارةُ المرأةِ أمامَ رقمٍ صادمٍ، وحقيقةٍ مُرّةٍ: المرأةُ الفلسطينيةُ الأقلُّ مشارَكةً في سوقِ العملِ في العالمِ بنسبةٍ تدَنّتْ إلى (15%) فقط من القوةِ العاملةِ!
إنّ هذا الرقمَ لا يُخبِرُنا عن مؤهلاتِ وكفاءةِ المرأةِ في فلسطينَ؛ بل يُخبِرُنا عن سوءِ تسويقٍ لمهاراتِها، وضعفِ إيمانٍ بقدراتِها من المُشغّلينَ وأربابِ العملِ، وعن صورةٍ نمطيةٍ لا تُنكَرُ؛ تضعُها في قالَبِ وظائفَ محدودةٍ وأدوارٍ ثانويةٍ.
يخبرُنا هذا الرقمُ عن فتياتٍ تفوَّقنَ واجتهدْنَ وطوَّرنَ أنفسَهُنَّ؛ ثُم رفضَ المجتمعُ تقديرَ جهودِهنَّ، ورمَى في وجوهِهِنَّ “مَريولَ” المطبخِ وأدواتِ التنظيفِ؛ موهِماً إياهُنَّ بأنهنَّ لا يصلحنَ سِوى لهذه الأعمالِ؛ التي يجيدُها كلُّ إنسانٍ يملكُ صحتَه.
إنّ هذه النسبةَ فشَلٌ متراكمٌ ومركّبٌ للسياساتِ الحكوميةِ؛ وتزيدُ مَرارتُه إذا علِمنا أنّ (90%) هي نسبةُ الفتياتِ اللواتي يلتحِقنَ بالتعليمِ، والتعليمِ العالي في فلسطينَ!
وأمامَ هذا الواقعِ البائسِ، فإنّ المرأةَ في فلسطينَ أمامَ طريقِ طويلٍ من النضالِ؛ لإثباتِ نفسِها رغماً عن فشلِ السياساتِ الرسميةِ.
تبدأُ هذه الطريق بإيمانِها هي بذاتِها، وبأنّ عملَها ليس رفاهيةً؛ بل إنقاذاً لها من السقوطِ في وحلِ غَياهِبِ القيلِ والقالِ، ومراقبةِ شؤونِ الجاراتِ والقريباتِ، والانشغالِ بما يضرُّ ولا ينفعُ من الاهتماماتِ السطحيةِ، إذْ تؤكّدُ دراساتُ المختصيّنَ بعِلمِ النفسِ والمجتمعِ؛ أنّ المرأةَ العاملةَ تطوّرُ من مهاراتِها في التواصُلِ الفعّالِ والذكاءِ الاجتماعي في كلِّ يومٍ؛ وهو ما ينعكسُ إيجابًا على تنشئتِها لأطفالِها.
ليس هذا فحَسْب؛ فعملُ المرأةِ _علاوةً على أهميتِه لاقتصادِ المجتمعِ_ فهو مُهِمٌّ لها لتعزيزِ كيانِها وقيمتِها في الأسرةِ؛ حيثُ تُثبِتُ الأرقامُ والمشاهداتُ أنّ النساءَ العاملاتِ أقدَرُ على المشارَكةِ في صنعِ القرارِ، والتحكّمِ بسَيرِ شؤونِ حياتِهنَّ، فالنساءُ كالدولِ: إنْ ملَكَتْ اقتصادَها؛ ملَكتْ قرارَها، وإنْ فقدَتْهُ فقرارُها بِيَدِ مَن يطعِمُها ويسقيها.
كما أنّ عملَها يساهمُ في تأمينِ واقعٍ ومستقبلٍ أفضلَ لأُسرتِها ولأطفالِها، ويَحميهم من تقلُّباتِ الدهرِ وخبايا الأيامِ، وقبلَ ذلكَ كلِّه، فإنّ في عملِها انصياعاً لِسُنّةِ الكونِ التي أثبتَها اللهُ في كتابِه ” يا أيُّها الإنسانُ إنكَ كادِحٌ إلى ربِّكَ كَدْحاً فمُلاقيهِ”.
إنها الحياةُ وقوانينُها: معركةٌ نكدَحُ فيها جميعاً نساءً ورجالاً، خُلِقنا كلُّنا لِلكَدِّ والعملِ؛ ولم يُخلَقْ أحدٌ للراحةِ والخمولِ، فَلْنَجعلْ النجاحَ بكُلِّ معانيهِ هدفاً لنا، ولْيَكُنْ سوقُ العملِ مَيدانَنا ومعركتَنا التي سنَقتَحِمُها بمُؤهِلاتِنا وطموحِنا واجتهادِنا؛ لنَفتخرَ بعدَها بأننا بعدَ أنْ تَعثَّرْنا ووصلْنا القاعَ؛ نهضْنا ولامسْنا السّحابَ، فذلكَ مكانٌ يليقُ بِنا حَتماً.