المعرفةُ بالحقوقِ الخطوةُ الأُولى للحصوِل عليها
بقلم الدكتورة سامية جمال الغصين
أستاذُ القانونِ الدولي العام
لـ”غرزة وخيط ”
يمرُّ علينا الثامنُ من “آذار” هذا العام؛ ولا تزالُ أوضاعُ المرأةِ الفلسطينيةِ تُراوحُ مكانَها من سيءٍ إلي أسوأ؛ رغمَ أنّ بارقةَ أملٍ تَلوحُ في الأُفقِ؛ كونَنا على عتبةِ إجراءِ انتخاباتٍ عامةٍ تشريعيةٍ ورئاسيةٍ خلالَ الأشهرِ القليلةِ المُقبلةِ، ويُحتمَلُ أنْ نشهدَ خلالَها تمثيلاً أعلَى للنساءِ الفلسطينياتِ في المجلسِ التشريعي؛ وذلكَ عكسُ ما شهِدنا في المرّتينِ الّلتينِ تمَّ فيهِما إجراءُ انتخاباتٍ عامةٍ منذُ تشكيلِ السلطةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ؛ حيثُ كان تمثيلُ المرأةِ الفلسطينيةِ ضعيفاً؛ ولا يليقُ بنضالِها وكفاحِها الذي شاركتْ به خلالَ مسيرةِ شعبِنا النضاليةِ؛ للحصولِ على حريتِه واستقلالِه.
وقد يبدو واضحاً للعيانِ حجمُ الأعباءِ الملقاةِ على عاتقِ المرأةِ الفلسطينيةِ التي تخوضُ نضالاً مزدوَجاً وشرساً؛ أولاً ضدَّ احتلاِل إسرائيليٍّ غاشمٍ؛ لا يستثني من وحشيتِه وبطشِه كلَّ ما هو فلسطينيٌّ؛ سواءٌ كان حَجراً أَم بشراً، وثانياً ضدَّ مجتمعٍ ذكوريٍّ عشائريِّ قَبَليٍّ يُمعِنُ في انتهاكِ كافةِ الحقوقِ الإنسانية للنساءِ؛ بما فيها الحقوقُ القانونيةُ والسياسيةُ والاجتماعيةُ والاقتصاديةُ، ويُكَرّسُ الهيمنةَ الذكوريةَ على حسابِ أبسط ِحقوقِ النساءِ؛ حقِّهِنَّ في الحياةِ، ورغمَ نضالِ المرأةِ الفلسطينيةِ المستمرِّ للحصولِ على كافةِ حقوقِها المكفولةِ في القانونِ الأساسي الفلسطيني، وفي الاتفاقاتِ الدوليةِ المُنضَمّةِ لها دولةُ فلسطينَ؛ بعدَ حصولِها على صفةِ مراقبٍ؛ وذلك أُسوةً بنساءِ العالمِ أجمعَ؛ إلا أننا نشهدُ في السنواتِ الأخيرةِ ارتفاعاً مخيفاً في حجمِ الانتهاكاتِ التي تُرتكَبُ بحقِّ المرأةِ الفلسطينيةِ في كافةِ المجالاتِ؛ حتى وصلتْ ذروةُ تلكَ الانتهاكاتِ إلى الأسرَى، فأصبحتْ المرأةُ الفلسطينيةُ تعاني من العنفِ الأُسَريِّ المتزايدِ، ولن أذكُرَ أسماءَ عشراتِ النساءِ الفلسطينياتِ اللواتي فقَدْنَ حياتَهُنَّ نتيجةَ العنفِ الأُسريّ، فأسماؤهنَّ ما زالتْ في الذاكرةِ حاضرةً، وتتربعُ على عرشِ تلكَ القائمةِ الشابّةِ “إسراء غريب”، وتستمرُّ تلكَ الظاهرةُ الخطيرةُ في ظِلِّ إفلاتِ الجُناةِ من العقابِ على جرائمِهم تلكَ؛ بسببِ القوانينِ الجائرةِ المُطبَّقةِ في الضفةِ الغربيةِ وقطاعِ غزة، وبسببِ سيطرةِ العاداتِ والتقاليدِ المُتَّبَعةِ لدَى العائلاتِ والعشائرِ التي تتسامحُ في حقوقِ النساءِ وحياتِهنَّ، وتؤَمِّنُ غطاءً قانونياً ومجتمعياً للجناةِ؛ يسمحُ لهم بالإفلاتِ من المحاسَبةِ والمعاقبةِ على جرائمِهم تلكَ بسهولةٍ.
ماذا بمَقدِرةِ النساءِ أنْ يفعلنَ في ظِلِّ تلكَ الثقافةِ المجتمعيةِ الذكوريةِ المُنحازةِ للرجالِ على حسابِ حقوقِهنَّ بشكلٍ كاملٍ، لا أغالي في القولِ إنْ قُلتُ إنّ بمقدورِنا كنِساءٍ أنْ نفعلَ الكثيرَ؛ ونحن قادراتٌ على انتزاعِ حقوقِنا مَهما كان الثمنُ؛ ولكنْ لكي يتحقَّقَ ذلك ينبغي على النساءِ مَعرفةُ حقوقِهِنَّ بدايةً؛ ليتَمكّنَ من المطالبةِ بها والحصول عليها. إنّ انخفاضَ مستوَى الوَعي والمعرفةِ لدَى النساءِ بحقوقِهِنَّ القانونيةِ المختلفةِ؛ يلعبُ دَوراً مُهِمّاً في عدمِ حصولِهنَّ على تلكَ الحقوقِ؛ إضافةً إلى إحجامِ النساءِ عن اتّباعِ الوسائلِ القانونيةِ المتاحةِ لهُنَّ؛ وذلكَ لعِدّةِ اعتباراتٍ؛ مِثلَ الاعتباراتِ المجتمعيةِ أو الماديةِ، يجعلُ حصولَهنّ على حقوقِهنَّ ليس بالأمرِ السهلِ، ورغمَ أنّ التوعيةَ بحقوقِ النساءِ؛ قد يقعُ عِبؤها على المراكزِ الحقوقيةِ والنسويةِ؛ إلّا أنّ المرأةَ مُطالَبةُ بالسعيِّ لمعرفةِ حقوقِها في الحياةِ الزوجيةِ؛ كزوجةٍ وحينَ وقوعِ الطلاقِ كحاضنةٍ وأُمٍّ، وفي العملِ الذي تعاني فيه من التميّيزِ، والتهميشِ، والإقصاءِ، والفارقِ في الرواتبِ والترقياتِ بينَها وبينَ الرجلِ، وفي الحياةِ السياسيةِ وعدمِ قدرتِها في الوصولِ إلي مواقعِ صُنعِ القرارِ، وأنْ تَتبوَأَ المواقعَ القياديةَ في الوزاراتِ والسفاراتِ والأحزابِ السياسيةِ، وأنّ معرفةَ النساءِ الجيدةَ بحقوقِهنّ تدفعُهنَّ للمطالبةِ والتمسُّكِ بها، وعدمِ التفريطِ بها، فَسُبُلُ المعرفةِ في عصرِنا الحالي متاحةٌ ومُمكِنةٌ في ظِل التطورِ التكنولوجي الذي نحياهُ، فالخطوةُ الأُولى للحصولِ على الحقوقِ هي معرفتُها الكافيةُ، ومعرفةُ كيفيةِ الحصولِ عليها، والنضالِ من أجلِها بالوسائلِ القانونيةِ المتاحةِ.