Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقاتتربويةتقارير

عوائلُ تشتكي من غيابِ المسؤوليةِ لدَى أبنائهم

صناعةُ أبناءِ أصحابِ مسؤوليةٍ ومُبادرةٍ مهمّةٌ تربويةٌ مبكرةٌ

تشتكي غالبيةُ الأُسَرِ اليومَ من غيابِ الإحساسِ بالمسؤوليةِ لدَى أبنائهِم بصورةٍ متكرِّرةٍ وعلى جميعِ المستوياتِ؛ هذه الشكوى تؤكّدُ على أهميةِ الحاجةِ إلى التربيةِ على تَحمُّلِ المسؤوليةِ منذُ الصِّغرِ، فشعورُ الأبناءِ بمسؤوليّتِهم عن أنفسِهم، وأُسَرِهم، ومجتمعِهم، ومهنتِهم المستقبليةِ، ووطنِهم، وأُمَّتِهم؛ علاوةً على مسؤوليتِهم العامةِ تُجاهَ الإنسانيةِ، والبيئةِ، والوطنِ، والدّينِ؛ هي مهمَّةٌ شاقّةٌ يجبُ البدءُ فيها بمرحلةٍ مبكرةٍ جدّاً.

تحمُّلُ المسؤوليةِ واتّخاذُ القرارِ للأبناءِ؛ تبدأُ منذُ نعومةِ أظفارِهم؛ ويتعلّمُها الأبناءُ كما يتعلمونَ القراءةَ والكتابةَ، إذْ لا يُمكِنُ أنْ يتعلّمَ الأطفالُ تحمُّلَ المسؤوليةِ من دونِ تأهيلِهم تدريجاً على استقلاليةِ القرارِ، ومساعدتِهم على بناءِ شخصياتٍ ناجحةٍ تعزّزُ سلوكياتِهم الإيجابيةَ.

شدّةٌ وحَزم

سلام أبو ديّة “45 عاما “، تقولُ لـ”السعادة”: تُعدُّ استقلاليةُ الأبناءِ بذاتِهم، واتّخاذُ قراراتِهم من الأمورِ التي يسعَى الوالدانِ إلى التأكيدِ عليها، وتعويدِ أبنائهم على تحمُّلِ المسؤوليةِ؛ إلاّ أنّ ذلك لا يأتي بينَ يومٍ وليلةٍ؛ فهو يحتاجُ إلى تكاتُفِ الأمِّ والأبِ حتى لا يطغَى تدليلُ طرَفٍ على شدّةِ وحزمِ الآخَرِ.

وتضيفُ: بدأتُ في تعويدِ صغاري على تحمُّلِ المسؤوليةِ منذُ سنواتِ عُمرِهم الأولى، لقد كانوا في سِنِّ ثلاثِ سنواتٍ؛ عندما بدأتُ أعتمدُ عليهم في ترتيبِ ألعابِهم وأَسِرَّتِهم وغُرَفِهم، في السنةِ الخامسةِ كان لدَى أطفالي  مهمّاتٌ يوميةٌ في تنظيفِ المنزلِ وترتيبِه.

وتتابعُ: مع انتظامِهم بالصفوفِ المدرسيةِ؛ كنتُ حريصةً على أنْ ينضَمَّ أبنائي إلى أنشطةٍ مجتمعيةٍ خدماتيةٍ كَفِرقِ النظافةِ والنظامِ والكشافةِ المدرسيةِ، وفِرَقِ الإذاعةِ المدرسيةِ؛ حتى أُنَمِّي لدَيهم حِسَّ المبادرةِ تُجاهَ المجتمعِ، وعلى مدارِ سنواتِ التربيةِ؛ كنتُ أُولي لهم مسؤولياتٍ جمّةً؛ كاختيارِ ملابسِهم، تخصُّصاتِهم، أفكارِهم، والكتبِ التي يقرؤونَها، ولم أشتَرِ لهم في يومٍ ما شيئاً يحتاجونَه؛ دونَ مساهمتِهم الماديةِ والمعنويةِ .

لقد كانت مهمةً شاقةً جدّاً؛ لكنْ عندَ وصولِ أطفالي إلى المرحلةِ الجامعيةِ؛ أيقنتُ أنني صنعتُ أشخاصاً مسؤولين وقادرينَ على مواجهةِ كافةِ مشاكلِ الحياةِ وصعوباتِها؛ مع اتخاذِ القراراتِ اللازمةِ والصحيحةِ لحياتِهم؛ وهذا هو إنجازُ العُمرِ.

أمّا أبو أحمد فيقول:” ربَّيتُ أبنائي بكُل دلالٍ وحُبٍّ وتَرفيهٍ، وكنتُ أحسَبُ أنها الطريقةُ الصحيحةُ للتربيةِ؛ حتى اكتشفتُ أنّ سُبُلِ الراحةِ القصوَى، والترفيهَ الكبيرَ لا تصنعُ إلّا طفلاً مُدلَّلاً؛ ليس له علاقةٌ من قريبٍ أو بعيدٍ بالمسؤوليةِ والاهتمامِ والمبادَرةِ.

ويتابعُ: عندما كبرَ أبنائي؛ ظلّتْ مسؤوليتُهم مُلقاةً على كَتفي، وكتفِ والدتِهم، لا يصنعونَ أيَّ شيءٍ دونَ طلَبِ المساعدةِ، ولا يُمكِنُ أنْ يُبادرَ منهم واحدٌ لفِعلِ شيءٍ من تلقاءِ نفسِه، اسطوانتُهم الدائمةُ (إنّ زمانَنا يختلفُ عن زمانِهم، وإنّ سُبلَ التربيةِ والراحةِ والتوفيرِ _التي نعجزُ فيها أنا ووالدتُهم_ يَعُدُّونَها من أُسسِ الحياةِ الموجودةِ في كلِّ منزلٍ،  وأنَّ دَورَنا كأهلٍ هو توفيرُ حاجياتِهم فقط، وخِدمتُهم للوصولِ إلى أهدافِهم.

 

مهارةُ اتّخاذِ القرارِ

من جانبِها تقولُ د. “رائدةِ أبو عبيد”، اختصاصيةُ علمِ النفسِ التربوي:” إنّ هناكَ استراتيجياتٍ ينبغي أنْ توضَعَ في الاعتبارِ عندَ مساعدةِ الأطفالِ لتَعلُّمِ مهارةِ اتّخاذِ القرارِ؛ منها القدرةُ، والممارسةُ، والحريةُ، حيثُ يتعلّمُ الأطفالُ أنّ لدَيهِم القدرةَ على اتخاذِ القرارِ، ويجعلُهم يشعرونَ بأهميتِهم، ومع ممارستِهم لاتّخاذِ القرارِ يكتشفونَ مُتعةَ اتّخاذِ الخِياراتِ الحكيمةِ، والمشكلاتِ والمتاعبِ التي تَنجُمُ عن اتخاذِ الخياراتِ غيرِ الحكيمةِ.

وتضيفُ: على الوالدَينِ دورُ الإرشادِ ببعضِ الطرُقِ والأساليبِ التربويةِ والنفسيةِ الفاعلةِ؛ التي تساعدُ أطفالَهم على اتخاذِ القرارِ السليمِ، وأهمُّ ذلكَ اتّخاذُ قراراتٍ بعيدةِ المدَى عندَ تعليمِ أطفالِهم، واحترامُ الخياراتِ والقراراتِ الأولى للطفلِ، مع ضرورةِ منْحِ الأطفالِ فرصةً لاتخاذِ القراراتِ البسيطةِ يومياً، وإيضاحِ السببِ وراءَ القواعدِ التي تستندُ إلى القرارِ الحكيمِ وغيرِ الحكيمِ، ومساعدةِ الأطفالِ على تقييمِ سلوكِهم الخاصِّ.

وتستطردُ: يجبُ تشجيعُ الطفلِ بقولِ: “اتّخِذْ قرارَكَ بنفسِك”؛ عندما تكونُ نتائجُ أيٍّ من الخياراتِ المقدَّمةِ يصلُحُ التعايشُ معها، وتوجيهُ الأسئلةِ لكي تُرَشِّدَ العملياتِ العقليةَ المعرفيةَ للطفلِ، مع ابتكارِ الفُرصِ التي تجعلُ الأطفالَ يشتركونَ في قراراتٍ تخُصُّ حياتَهم، وتساعدُهم على التوقفِ قبلَ اتخاذِ القرارِ، وتقديرِ السلبياتِ والإيجابياتِ أولاً، مشدِّدةً على أهميةِ احترامِ أسئلةِ الأطفالِ، وتخصيصِ وقتٍ للإجابةِ عنها، إلى جانبِ تعليقِ الآباءِ على ما يراهُ في التلفازِ والصحفِ من مَشاهدَ سلوكيةٍ تتّصِلُ بالقِيَمِ، ومساعدةُ الأطفالِ على أنْ يعلموا أنّ الأخطاءَ شيءٌ طبيعيّ، وأنّها مفاتيحُ ذاتُ قيمةٍ للتعلُّمِ.

وأوضحتْ: إنّ عمليةَ تعلُّمِ المسؤوليةِ تبدأُ مع مولدِ الطفلِ، ولا يستطيعُ تنميةَ الشعورِ بالمسؤوليةِ من ذاتِ نفسِه، وهي لا تأتي بطريقِ المفاجأةِ أو المصادفةِ، أو كما يقولُ البعضُ؛ يتعلمُ المسؤوليةَ عندما يكبرُ، ولكنْ يتعلمُ شيئاً من تحمُّلِ المسؤوليةِ من المواقفِ التي يَلقاها من والدَيهِ، والمعاملةِ التي يجِدُها مِمّن يحيطونَ به، ومن المهامِّ التي تُسنَدُ إليه، إلى جانبِ البيئةِ التي يَسودُها جوٌّ من الحنانِ والعطفِ؛ تساعدُ على نموِّ الشعورِ بالمسؤوليةِ، وينمو الطفلُ على روحِ التعاونِ والمحبةِ، وعلى إقامةِ علاقاتٍ إيجابيةٍ أساسُها التفاهمُ والتوافقُ الإيجابيّذُ؛ وهما السبيلُ إلى تعلُّمِ المسؤوليةِ.

تفكيرٌ إيجابيٌّ

 

أمّا د. “منير رضوان”، الاستشاري الأُسري؛ يؤكّدُ على أنّ الدرسَ الأولَ في المسؤوليةِ يأتي من الآباءِ الذين يستجيبونَ لحاجاتِ أطفالِهم، ومرّةً أخرى نَجِدُ أنّ مفتاحَ نجاحِ الأطفالِ يتمثلُ في استجابةِ الوالدَينِ، وهذه السِّمَةُ تأخذُ مكانَ القلبِ، وهي أساسُ أغلبِ ما نريدُ أنْ نُكسِبَه لأطفالِنا، وما نتوقَّعُه منهم، حيثُ إنّ الآباءَ الذين يستجيبونَ بالشكلِ المناسبِ لأطفالِهم؛ هم الأكثرُ ميلاً لتربيةِ أطفالٍ مسؤولينَ، مؤكّداً على أنّ الاستجابةَ تصبحُ هي المعيارُ لأطفالِهم، مبيّناً أنّ الأطفالَ ينبغي أنْ يعامِلوا بعضَهم البعضِ بطريقةٍ مسؤولةٍ، والآباءَ الذين يدرِكونَ ويفهمونَ حاجاتِ أطفالِهم النفسيةَ والتربويةَ والصحيةَ والاجتماعيةَ؛ ويُشبِعونَها بأسلوبٍ صحيحٍ، هم الأكثرُ مَيلاً لفَهمِ مسؤوليتِهم تُجاهَ أنفسِهم، والآخَرينَ، كما أنّ تدريبَ الأطفالِ على بعضِ المهامِّ أو الواجباتِ المنزليةِ والمجتمعيةِ الخفيفةِ؛ تنَمّي فيهِم الإحساسَ بالمسؤوليةِ، وتساعدُ الطفلَ على الثقةِ بالنفسِ، وتُكسِبُه دروساً مبكرةً في تحمُّلِ المسؤوليةِ، ويستطيعُ الآباءُ بناءَ اتّجاهٍ إيجابيّ نحوَ المهامِّ المنزليةِ والمجتمعيةِ.

وذكرَ “رضوان”؛ أنّ ابتسامةَ الوالدَينِ عندما يتمكنُ الطفلُ من ارتداءِ ملابسِه بنفسِه بسهولةٍ، أو أدائهِ لمَهامٍّ وواجباتِ المنزلِ، والسلوكِ السويِّ؛ يمكنُ أنْ تكونَ أولَ درسٍ في تحمُّلِ المسؤوليةِ، وهذا الإحساسُ الإيجابيّ يعزِّزُ له نفسياً؛ حيثُ يشعرُ أنّه عضوٌّ مفيدٌ في المنزلِ وخارجِه، وينمو عندَه الاتجاهُ السَّوِيُّ نحوَ ذاتِه لأداءِ واجبِه بنفسِه.

وتُتابعُ: على الوالدَينِ أنْ لا ينتقِدا أو يسخَرا من النتائجِ الرديئةِ أو السلبيةِ؛ إذا حدثتْ من الابنِ، مؤكّداً على ضرورةِ إرشادِه وتوجيهِه بالتدريجِ، فالطفلُ يتطلعُ إلى علاماتِ الرّضا، ويضيقُ من النقدِ، فالتوجيهاتُ التربويةُ والنفسيةُ مهاراتٌ مهمّةٌ إذا تابعناها عندَ تنشئةِ أبنائنا؛ حقَّقنا فيهم صفةَ الشخصيةِ الإيجابيةِ التي تشعرُ وتتحمّلُ المسؤوليةَ، فيكونونَ مستقلّينَ ومعتمدِينَ على أنفسِهم، مُدرِكينَ وفاهمينَ معنَى المسؤوليةِ نحوَ دينِهم، ووطنِهم، ومجتمعِهم.

Cute toddler boy in a food store or a supermarket choosing fresh organic carrots. Healthy lifestyle for young family with kids

وأوصَى “رضوان” الآباءَ بضرورةِ تعليمِ أطفالِهم أنْ يَقبلوا ويتحمّلوا المسؤوليةَ منذُ الصغرِ، وأنْ لا يَقبلوا منهم الأعذارَ غيرَ المسؤولةِ؛ مِثل “نسيتُ”، “لم أقصِدْ”، “بَعدين”، مؤكّداً على أنّ الأعذارَ هي إشارةٌ على عدمِ نُضجِ الطفلِ، وقد يسمعُ كثيرٌ من الآباءِ _عبرَ سنواتِ تربيتِهم_ مِثلَ هذه الأعذارِ من أطفالِهم، ولكنّ الطريقةَ التي يستجيبُ بها الآباءُ لتلكَ الأعذارِ هي التي تجعلُ أطفالَهم يعرِفونَ أنّها غيرُ مقبولةٍ، مشيراً إلى أهميةِ أنْ نفهمَ أنّ الأطفالَ هم مشروعاتٌ في مرحلةِ التقدّمِ والنموِّ، فَلدَيهم الكثيرُ ليتعلَّموهُ حولَ الحياةِ.

فِقهُ الحياةِ

 وينوِّهُ: إنّ الكثيرَ من هذه الدروسِ يُمكنُ تعلُّمُها ذاتياً، فمع نموِّ وتطوُّرِ الأطفالِ يكونُ الأمرُ متروكاً للكبارِ المتواجدينَ حولَهم؛ لأنْ يقدِّموا لهم التوجيهَ والإرشادَ المناسبَينِ، كما أنّه أيضاً في أيدي الكبارِ أنْ يعلِّموا الأطفالَ أنْ يقوِّموا سلوكَهم ذاتياً؛ لتحديدِ ما إذا كانوا يتَّخِذونَ القراراتِ، فما يَصدُرُ من تفاعلاتٍ للأبناءِ خلالَ مسيرةِ حياتِهم؛ إنما مرجِعُها إلى تلك القاعدةِ التي تمَّ تأسيسُها خلالَ فترةِ التنشئةِ.

وبيّن د. “رضوان” أنّ اتِّكالَ الأبناءِ على والدِيهم له أثرُه الكبيرُ في تدميرِ شخصيةِ الابنِ، فإذا أنتجتْ الأسرةُ هذه الشخصيةَ المَهزوزةَ؛ فإنّ ذلك سيَطالُ المجتمعَ، منوّهاً إلى أنّ بعضَ الآباءِ لا يشعرونَ بأنهم يصنعونَ ابنَهم أو ابنتَهم بشكلٍ خاطئ، فعلى مستوى تفكيرِ الأبِ الواعي؛ هو يريدُ تنشئةَ ابنِه بطريقةٍ متماسكةٍ، وعلى مستوى التفكيرِ غيرِ الواعي يرَى أنّ ابنَه ما زال صغيراً ولا يُعتمدُ عليه، ومن هنا يَحدثُ التدميرُ لشخصيتِه دونَ أنْ يشعرَ، فإذا كبرَ الابنُ؛ وتعرّضَ لمواقفَ في الحياةِ تحتاجُ إلى مواجهةٍ واتّخاذِ قرارٍ؛ فإذا به عاجزٌ عن ذلكَ، فيَتَّكِلُ على والدَيه، ويستمرُّ بهذا الشكلِ لدرجةِ أننا نشاهدُ مَن يكونُ متكِلاً حتى بعدَ أنْ يتزوجَ، ويستقِلَّ لوَحدِه! ثم تنشأُ بذلكَ مشكلاتٌ أسريةٌ في البيتِ الجديدِ، وكلُّ هذا بسببِ أخطاءٍ في التنشئةِ الأَوليةِ.

فيما تقولُ د. “رائدة أبو عبيد” : إنّ الواجبَ عمله ليعتمدَ الأبناءُ على ذاتِهم؛ تعويدُهم منذُ نعومةِ أظفارِهم المشارَكةَ مع الأسرةِ في تحمُّلِ المسؤولياتِ الصغيرةِ، وتزدادُ بنُموِّهِم حتى بوجودِ الخدمِ، إلى جانبِ الحوارِ مع الأبناءِ منذُ صغرِهم حولَ شؤونِ حياتِهم، وكيف يصنعونَ قراراتِهم ويختارونَها بوجودِ والدِيهم، أو بدونِهم حسبَ المرحلةِ العمريةِ، مع ابتكارِ الآباءِ لوسائلَ تشجيعيةٍ للأبناءِ الذين يساهمونَ في مهامِّ الأسرةِ، وتقديرِهم بالنقاطِ لترتيبِ غُرفِهم، أو مساعدةِ أمهاتِهم، إضافةً إلى محاسبةِ الأبناءِ المتنصّلينَ من مسؤولياتِهم، وإعطائهم فرصةً لأداءِ المَهامِّ المُسندَةِ إليهم، ومعاقبتِهم إذا استمروا في ذلكَ، على أنْ يَتِمَّ كلُّ ذلكَ في جوٍّ من الحبِّ للطفلِ، ومراعاةِ التدرُّجِ حسبَ المرحلةِ العمريةِ.

الاطّلاعُ والمعرفةُ

 وطالبتْ “أبو عبيد” الوالدَينِ بقراءةِ أو الاطّلاعِ على كُتبِ التربيةِ الخاصةِ بتنشئةِ الأبناءِ، وتطبيقِ ذلكَ عملياً من خلالِ تفاعلاتِهم اليوميةِ مع الأسرةِ، مبيّناً أنّه لا يوجدُ مجالٌ أكثرَ خصوبةً لتحمُّلِ المسؤوليةِ من علاقاتِ الطفلِ الاجتماعيةِ بالآخَرينَ؛ حيثُ تبدأُ من خلالِ صداقاتٍ متعدّدةٍ في المحيطِ المَدرسي والعائلي، وفيها يمكنُ أنْ يَعيَ الطفلُ أهميةَ الإحساسِ بالمسؤوليةِ تُجاهَ تعامُلِه مع الآخَرينَ، وانعكاسِ ذلكَ على حُبِّهم له أو النفورِ منه، ولابدّ أنْ ترتبطَ تلكَ الممارساتُ بالحوارِ الدائمِ؛ لأنّ مسألةَ الإخفاقِ في تحمّلِ المسؤوليةِ وارِدةٌ، وهي لا تكونُ عادةً ضَعفاً من الأطفالِ؛ ولكنْ محاولةً للاندماجِ والتعلّمِ التي قد تحتملُ شيئاً من النجاحِ أو الفشلِ ولو في البدايةِ.

وأوضحتْ “أبو عبيد”: إنّ الحوارَ الدائمَ _خاصةً في مرحلةِ المراهقةِ_ يُعدُّ من أهمِّ الأمورِ، لأنّ الأبناءَ في هذه الفترةِ يبدأونَ في اكتشافِ حدودِهم وعالمِهم، فإنِ استطعْنا تكريسَ الوقتِ الكافي للاستماعِ؛ كان ذلك مُعيناً لنَفهمَ نفسياتِهم أكثرَ، ولابدّ من اختيارِ العباراتِ التي تزرعُ داخلَهم الثقةَ في قدراتِهم في مواجهةِ أمورِ الحياةِ، وربطِ اللومِ على الخطأِ؛ بتوضيحِ أسبابِه التي أدّتْ إليه، حتى يتِمَّ ترسيخُ مفهومِ المسؤوليةِ تُجاهَ أيِّ عملٍ آخَرَ في المستقبلِ، كما أنّ اعترافَ الأبناءِ بالخطأِ أمامَنا فرصةٌ مهمةٌ لتعزيزِ ثقتِهم في أنفسِهم، وإطراءِ شجاعتِهم في تحمّلِ مسؤوليةِ أفعالِهم.

 

غرسُ الثقةِ

وتوضّحُ: من المُهمِّ أنْ نتعلمَ التحكُّمَ في أعصابِنا، وإظهارِ مزيدٍ من الصبرِ إزاءَ بعضِ التصرفاتِ غيرِ المسؤولةِ، التي قد تَصدرُ أحياناً رغمَ حِرصِنا الشديدِ، لأنّ المبالغةَ في التوقّعِ قد تؤدي أحياناً إلى فشلٍ من جهةِ الأبوَينِ في مواجهةِ أيِّ إخفاقاتٍ، مشدِّداً على ضرورةِ أنْ يغرسَ الآباءُ الثقةَ في أبنائهم بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ؛ وذلك من خلالِ التحدثِ معهم عن معنى المسؤوليةِ والالتزامِ الذاتي، وغرسِ قيمةِ مُحاسَبةِ الذاتِ والخوفِ من اللهِ -عزَّ وجلَّ- في نفوسِهم، ومشارَكةِ الأبناءِ في تحمّلِ المسؤوليةِ منذُ الصغرِ، إلى جانبِ احترامِ الأبناءِ وتقديرِ أيِّ أعمالٍ يقدِّمونَها مَهما كانت صغيرةً، مع معاقبتِهم على السلوكِ السلبيِّ -معنوياً وليس بدَنياً-، وليكنْ من السلوكياتِ التي يعاقَبونَ عليها الاتِّكالُ وعدمُ تحمُّلِ المسؤوليةِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى