Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تواصل

امرأةٌ من حِبر

في كفّكَ يحكي خطُّ الحياةٍ؛ كيف أنّ امرأةَ الحِبرِ، تلكَ الغريبةَ التي لا تَعرفُ كيف تسَنَّى لحِبرِها وعِطرِها وحَرفِها أن يتسلّلَ إلى خبايا قلبِك المُتعبِ، هذه التي تأتيكَ شهيةً كلما غابتْ، كأنّها لقمةٌ تـتمنّعُ عن فمِ الجائعِ؛ حتى يوشِكَ على الهلاكِ، فتأتيهِ كآخِرِ رمقٍ للحياةِ، وآخِرِ طوقٍ للنجاةِ.

كأنها غيمةٌ لا يحلو لها الهطولُ إلّا بعدَ أنْ يوغِلَ الجفافُ والقحطُ في كيانِك، ويتسرّبَ الأذَى إلى الأعماقِ رُويدا، هذه التي لا تأتيكَ إلا على صهوةِ الوجعِ، موسومةً بكلِّ ما له صِلةٌ بالحزنِ والألمِ.

أنت لا تعرفُ كيف تكتبُها؛ كيف ترسمُها؛ كيف تصنعُ لها في خيالِك تمثالاً من غيمٍ وسحابٍ، أو تؤَطِّرُ لها بأضلاعِكَ إطاراً تُعلِّقُه على جدرانِ قلبِك، لِئلَّا تنسَى ملامحَها المؤذيةَ.

هذه التي تؤذيكَ حين تكتبُ، ويؤذيها أنّ الحرفَ هو فقط ما تجيدُه، يؤلِمُها ذلك الصوتُ الجافُّ؛ الذي كلّما رافقتْهُ الموسيقى أصبح عارياً تماماً، يتدفّقُ منها كمَطرٍ خفيفٍ بدايةَ الخريفِ، يَغمُركَ فلا تعودُ تدري أين مَحِلُّكَ من إعرابِ جُملِها.

هي لا تجيدُ الاختباءَ وراءَ صوتِها؛ لأنّ نبراتِه تَشي بكُلِّ ما فيها؛ فتراها أمامَك كلماتٍ لا تَفهمُها؛ لكنكَ تشعرُ بها داخلَكَ.

تخذلُها الذبذباتُ التي تأتي من أعمقِ نقطةٍ في الروحِ، فتبدو الروحُ نفسُها شاخصةً بِكُلِّها، أمامَ كلِّ ما تقولُه وتبوحُ به، وحتى ما تُخفيهِ وتَتركُه معلّقاً ما بين الصدرِ والحَلقِ، يختنقُ مراراً، لا هو يريدُ أنْ يبقَى حبيسَ القلبِ والروحِ، ولا هو قادرٌ على الخروجِ إلى ما هو مجهولٌ بالنسبةِ له.

يظلُّ معلّقاً ما بينَ أرضٍ وسماءٍ، ما بين عالَمينِ لا يجمعُ بينَهما إلا طقوسُ تلكَ الغريبةِ الوحيدةِ الجالسةِ على أوجاعِها، تخيطُ ما تسنَّى لها من جرحٍ، وتسكُبُ على ما تبقَّى منها مِلحًا لِئلّا تتفتحَ أكثرَ، ويتلوثَ المكانُ بقَيحِها.

هي تعتقدُ أنّ المِلحَ ينظفُ الجروحَ، تفكّرُ بالمزيدِ منه للجروحِ القادمةِ، تتهيأُ في كلِّ مرّةٍ لتختبرَ مزيداً من الألمِ، لتكتبَه وتُخبِرَ جميعَ من يقرأُ أنها تصنعُ معجزةً صغيرةً، هي تُسمّيها “خلقُ الحروفِ”، والكثيرونَ غيرَها يسمّونَها “عبَثاً”.

 

مشاركة / نور الهدى الأغا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى