الخباط والمرسوم

كالعادةِ “شباط” الخبّاط؛ يَحملُ الكثيرَ من التفاصيلِ المتوَقَّعةِ وغيرِ المتوقَّعةِ؛ خاصةً وأنّ فلسطينَ تعيشُ _حاليًا_ ظروفًا غيرَ متوَقَّعةٍ؛ بعدَ إعلانِ مرسومِ الانتخاباتِ، وتحديدِ موعدِها، خَبطةُ “شباط” كانت في إعلانِ مرسومِ الحرياتِ من قِبلِ رئيسِ السلطةِ الفلسطينيةِ “محمود عباس”؛ بشأنِ تعزيزِ الحرياتِ العامةِ، وبحَسبِ “وكالةِ الأنباءِ الرسميةِ “وفا”؛ فإنّ المرسومَ أكّدَ على توفيرِ مُناخِ الحرياتِ العامةِ؛ على أنْ يكونَ مُلزِمًا للأطرافِ كافةً في أراضي دولةِ فلسطينَ؛ بما فيها حريةُ العملِ السياسي والوطني؛ وِفقاً لأحكامِ القانونِ الأساسِ والقوانينِ ذاتِ العلاقةِ.
ونصَّ المرسومُ على حَظرِ الملاحقةِ والاحتجازِ والتوقيفِ والاعتقالِ؛ وكافةِ أنواعِ المُساءَلةِ خارجَ أحكامِ القانونِ، لأسبابً تتعلقُ بحُريةِ الرأيِّ والانتماءِ السياسي، وقد تَضمّنَ المرسومُ الذي جاء في (9) موادٍ بندًا حولَ إطلاقِ سراحِ المحتجَزينَ والموقوفينَ والمعتقلينَ، والسجناءِ على خلفيةِ الرأيِّ أوِ الانتماءِ السياسي، أو لأسبابٍ حزبيةٍ، أو فصائليةٍ في كافّةِ أراضي دولةِ فلسطينَ.
كما نصَّ المرسومُ على توفيرِ الحريةِ الكاملةِ للدعايةِ الانتخابيةِ بأشكالِها التقليديةِ والإلكترونيةِ، والنشرِ والطباعةِ، وتنظيمِ اللقاءاتِ والاجتماعاتِ السياسيةِ والانتخابيةِ، وتمويلِها وفقاً لأحكامِ القانونِ، وتوفيرِ فُرصٍ متكافئةٍ في وسائلِ الإعلامِ الرسميةِ لكافّةِ القوائمِ الانتخابيةِ دونما تمييزٍ، وفقاً للقانونِ.
ولكنْ ما أنْ صدرَ المرسومُ؛ حتى نشبتْ خلافاتٌ بينَ “فتحٍ” و”حماسٍ” حولَ التنفيذِ؛ هذه الخلافاتُ انتشرتْ بسرعةٍ البرقِ عبرَ صفحاتِ “السوشيال ميديا”، إذْ دعا نشطاءُ “حماس” حركةَ فتح؛ لتنفيذِ هذه الخطواتِ في الضفةِ الغربيةِ، فيما طالبَ نشطاءُ “فتح” بأنّ على “حماس” أيضًا تنفيذُ المرسومِ في غزةَ، وإطلاقُ سراحِ المحتجَزينَ على خلفيةِ الحرياتِ.
الأزمةُ بينَ الطرَفينِ اشتدّتْ عندَ الحديثِ عن ملفِ المعتقلينَ السياسيينَ؛ إذْ صرّحَ الطرفانِ أنْ ليس لدَيهِم أيُّ معتقلينَ سياسيّينَ! بينما رفضتْ حماسُ إطلاقَ سراحِ (80) معتقَلاً؛ مبرِّرةً رفضَها بأنهم معتقَلونَ لأسبابِ أمنيةٍ وجنائيةٍ، وليست سياسيةً، كما تُصرّحُ السلطةُ في وسائلِها المختلفةِ؛ أنّ جميعَ السجناءِ لدَيها “موقوفونَ أو محكومونَ على خلفيةِ قضايا جنائيةٍ، أو أمنيةٍ متعلّقةٍ بالإضرارِ بالمقاومةِ، وجميعُها منظورةٌ أمامَ القضاءِ الفلسطيني”.
داخليةُ غزة أطلقتْ بعدَ أيامٍ سراحَ (45) شخصاً؛ قالت إنه تمَّ معالجةُ أوضاعِهم الأمنيةِ، وأنّ إطلاقَهم فتحَ الحوارَ على مصراعيهِ بينَ النشطاءِ من كِلا الطرَفينِ، وقد عَدَّ نشطاءُ غزةَ أنّ حكومتَها قدّمتْ الكثيرَ لإرساءِ الحرياتِ، والتمهيدِ للانتخاباتِ، وأنّ بوادرَ حُسنِ النيّةِ لدَيهم عاليةٌ جدّاً؛ فيما لا تزالُ الضفةُ تقفُ مكتوفةَ الأيدي تُجاهَ مرسومِ الرئيسِ!
سقفُ الحرياتِ في فلسطينَ كالعادة “خابطٌ في السقفِ”!: وقد تَجلَّى ذلكَ عندَ إعلانِ السلطةِ الفلسطينيةِ توقيعَ صفقةٍ مُبهَمةٍ مع مصرَ؛ والتي أثارتْ أزمةً عملاقةً بينَ “فتح وحماس”؛ وهي اتفاقيةٌ لتطويرِ حقلِ غازِ “غزة مارين” والبنيةِ التحتيةِ اللازمةِ له، مع شركةٍ مصريةٍ تُدعَى “إيجاس” (cnn).
بدأَ الخلافُ بعدما طالبَ عضوُ المكتبِ السياسي لحركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ “حماس” موسى أبو مرزوق، السلطةَ الفلسطينيةَ؛ بكشفِ تفاصيلِ الاتفاقيةِ التي وقَّعتْها مع مصرَ؛ حولَ حقلِ الغازِ قُبالةَ شاطئِ قطاعِ غزةَ؛ لكنّ “حسين الشيخ”، عضوَ اللجنةِ المركزيةِ لحركةِ “فتح”؛ ردَّ على “أبو مرزوق”، على “تويتر”؛ بالقولِ: “الاتفاقياتُ تتِمُّ بينَ دولٍ، وفلسطينُ عضوٌ في منتدَى غازِ المتوسطِ” ، وأضافَ: “الاتفاقياتُ توَقّعُ مع دولِ يا سيد “أبو مرزوق”، وليس مع فصائلَ وتنظيماتٍ”!
تغريدةُ “الشيخ” دفعتْ “أبو مرزوق” للتصريحِ مجدَّداً عبرَ “تويتر” بالقولِ: “علّقتْ بعضُ قياداتِ السلطةِ على تغريدتِنا السابقةِ حولَ اتفاقيةِ غازِ غزة، وتعليقُهم لا مُبرِّرَ له؛ لأنّ معرفةَ تفاصيلِ الاتفاقياتِ يعني الشفافيةَ؛ والشفافيةُ مطلوبةٌ من الدولِ، فما بالُكم من سلطةٍ مطلَقةٍ لا رقيبَ عليها ولا حسيبَ!، لقد تعلّمنا الدرسَ بعدَ إنشاءِ محطةِ كهرباءِ غزةَ؛ وحجمِ الفسادِ في عقودِ إنشائها”!
الحديثُ عن شبهاتٍ بشأنِ الاتفاقِ الذي أثارَ تساؤلاتٍ عن ماهيتِه وخلافاتٍ بينَ “فتح وحماس” في وقتٍ تستعدُّ فيه الحركتانِ لإجراءِ الانتخاباتِ التشريعيةِ في (22 مايو/أيار، والرئاسيةِ في 31 يوليو/تموز، والمجلسِ الوطني (برلمان منظمة التحرير) في 31 أغسطس/آب) من نفسِ العامِ، وفقَ مرسومٍ رئاسيٍّ سابقٍ.
نشطاءُ “السوشيال ميديا” في غزةَ، وأصحابُ المعرفةِ القويةِ بسوابقِ السلطةِ الفلسطينيةِ في مجالِ الاتفاقياتِ، وحجمِ الفسادِ في الاتفاقياتِ السابقةِ؛ لم يناموا ليلتَهم عندما رفضتْ السلطةُ الفلسطينيةُ نشرَ بنودِ الاتفاقيةِ؛ وعدُّوها شُبهةَ فسادٍ واضحةً وكاملةً؛ وطالَبوا بكشفِ تفاصيلِها وتوضيحِها استناداً إلى حريةِ تداولِ المعلوماتِ وشفافيتِها التي أعلنَ فيها “عباس” مرسومًا قريبًا!
الناشطةُ “أماني السنوار” في تغريدةٍ على “تويتر” كتبتْ: “تدركُ السلطةُ أنها تفتقرُ إلى السيادةِ على #غزة_مارين بسببِ هيمنةِ الاحتلالِ على مياهِ غزةَ؛ بالإضافةِ إلى سيطرةِ حماس على القطاعِ؛ لذلك تتعاظمُ الشكوكُ حولَ طبيعةِ الاتفاقِ؛ إنْ كان يضمنُ فعلاً نسبةً مئويةً من حقوقِ الغازِ؛ أَم يمنحُ مُجردَ مبالغَ مقطوعةٍ، أو حتى أسعاراً تفضيليةً لشراءِ الطاقةِ”.
أمّا الصحفي والأكاديمي “محسن الإفرنجي” فقال: “#غاز_غزة، كلمةُ السرِّ لصراعٍ وخلافٍ كبيرٍ قادمٍ؛ وكلمةُ السرِّ لاستغلالٍ بَشعٍ من أطرافٍ عدّةٍ على رأسِها الاحتلالُ الإسرائيلي، وكلمةُ السرِّ لاتفاقاتٍ “صامتةٍ” بعيداً عن أعيُنِ المواطنينَ والإعلامِ؛ كما حدثَ في الاتفاقاتِ الاقتصاديةِ السابقةِ التي وقَّعتْها السلطةُ الفلسطينيةُ؛ واشترطتْ عدمَ بناءِ مقوّماتِ اقتصادٍ وطني”!
الخلافاتُ لم تنتهِ بَعدُ، والوصولُ إلى “مايو”، وحقيقةُ الانتخاباتِ الفلسطينيةِ؛ مازالت تَحملُ من التوقّعاتِ ما لا يَحسِبُه عقلٌ أو وتحليلٌ، والشارعُ العام ينظرُ ويترَقّبُ؛ ويَعُدُّ الوصولَ إلى الوفاقِ ضرْباً من ضروبِ الخيالِ في ظِلِّ المعطياتِ على الأرضِ؛ بينما الآخَرونَ في الحكوماتِ والتنظيماتِ ورجالِ السياسيةِ ينظرونَ إلى حيثُ لا نَنظرُ ولا ننتظرُ.. فالحساباتُ والمصالحُ والمطامعُ والحقائقُ والتحالفاتُ والكواليسُ مختلفةٌ كُليّاً، وعلينا الانتظارُ لا أكثرَ.