
بقلم : نهال صلاح الجعيدي
تتكشّفُ حالةٌ من عدمِ الرضا بينَ أوساطِ الناشطاتِ العاملاتِ في مجالِ المرأةِ، والمؤسساتِ النسويةِ من خلالِ التصريحاتِ والتلميحاتِ؛ وذلكَ لعدمِ تلبيةِ مطالبِهنّ بزيادةِ نسبةِ “الكوتا” النسائيةِ؛ أي حصةِ النساءِ من مقاعدِ المجلسِ التشريعي ل (30%) في الانتخاباتِ التشريعيةِ المُزمَعِ عقدُها أواخرَ مايو القادمِ، على الرغمِ من رفعِ النسبةِ ل (26%) في قانونِ الانتخاباتِ المعدّلِ لعامِ (2021)م؛ حيثُ جاءَ _في المادةِ الخامسةِ من القانونِ_ تعديلٌ للفقرةِ الثالثةِ من المادةِ الخامسةِ لقانونِ الانتخاباتِ لعامِ (2007)م؛ بحيثُ يصبحُ القانونُ؛ أنّ القوائمَ الانتخابيةَ يجبُ أنْ تتضمّنَ “امرأةً” واحدةً من الأسماءِ الثلاثِ الأولى ، ثُم يكونُ امرأةً واحدةً لكُلِّ أربعةِ أسماءِ تلي ذلكَ .
فهل “الكوتا” النسائيةُ هي الخِيارُ الأفضلُ لضمانِ زيادةِ المشاركةِ السياسيةِ للمرأةِ؟ وهل يمكنُ أنْ نفرحَ بهذا القرارِ أو المرسومِ؛ كإنجازٍ للمؤسساتِ النسويةِ على اختلافِ توَجُّهاتِها و آراءِ وأفكارِ العاملاتِ في مجالِ المرأةِ ؟ في هذا المقالِ نحاولُ الإجابةَ على هذه الأسئلةِ؛ ونسلّطُ الضوءَ على مدَى فعاليّتِها.
ممّا لا شكَّ فيه أنّ المرأةَ كانت وما تزالُ شريكةً أساسيةً في كلِّ مراحلِ التاريخِ الفلسطيني؛ سواءً المَدني الثقافي قبلَ الاحتلالِ ، أو النضالي التحرُّري بعدَ الاحتلالِ ، وأنَّ من حقِّها كما كانت شريكةَ النضالِ أنْ تكونَ شريكةً في صناعةِ القرارِ، ولكني أرى أنَّ “الكوتا” ليست هي الخِيارُ الأمثلُ لوصولِ المرأةِ لسُدّةِ القرارِ، والمشاركةِ السياسيةِ الناجعةِ ؛ لأنّ فرضَ “الكوتا” يؤدّي إلى تقاعُسِ المرأةِ، ويُثَبِّطُ من همَّتِها في تطويرِ ذاتِها ، ويتنافَى مع التنافسِ الحُرِّ بناءً على معاييرِ المهنيةِ والكفاءةِ، و يسهّلُ وصولَ بعضِ النساءِ اللاتي يفتقِدنَ لهذه المعاييرِ؛ بمُجردِ أنها تنتمي لحزبٍ سياسيّ له قاعدةٌ شعبيةٌ واسعةٌ.
إنّ ما سبقَ يمثّلُ أمامَنا واضحًا من خلالِ المطالبةِ بزيادةِ “الكوتا” النسائيةِ، فالمرأةُ بعدَ ما يقاربُ من ستةَ عشرَ عامًا من إقرارِ “الكوتا” النسائيةِ؛ تقفُ عاجزةً عن الاعتمادِ على نفسِها، وإحرازِ نسبةٍ إضافيةٍ _ولو قليلةً_ لِحُصّتِها؛ زيادةً على نسبةِ “الكوتا” التي تعدُّ الحدَّ الأدنَى للمشارَكةِ ، وذلكَ لأنهم أدركوا أنّ الضغطَ لانتزاعِ قرارٍ أو مرسومٍ بزيادةِ نسبةِ “الكوتا” أيسَرُ وأبسطُ من إحداثِ تغييرٍ حقيقٍ في داخلِ فِكرِ ووَعيِ المجتمعِ ، خاصةً في ظِلِّ اللعبِ على وترِ مشاريعِ تمكينِ المرأةِ .
كان الأجدرُ بالمرأةِ _ممَثّلةً بالمؤسساتِ النسويةِ والناشطاتِ_ توظيفَ السنواتِ المنصرِمةِ في تغييرِ ثقافةِ المجتمعِ نحوَ المشارَكةِ السياسيةِ للمرأةِ، وتعزيزِ قدراتِها العمليةِ والمهنيةِ، وإثباتِ وجودِها الفاعلِ على الأرضِ في الأوقاتِ العصيبةِ، والتخفيفِ من حدّةِ المعاناةِ التي مرَّ بها مجتمعُنا وشعبُنا من حصارٍ ظالمٍ، وعدوانٍ إسرائيليٍّ غاشمٍ، وانتهاكٍ للحقوقِ، وتراجُعٍ للحرياتِ الفكريةِ، وفقرٍ، وبطالةٍ، و الحرمانِ من الحقِّ في السفرِ والتنقلِ، وأنْ تقيسَ أيَّ قرارٍ سياسيٍّ بمقياسِ المصلحةِ العامةِ للمجتمعِ وأفرادِه، لا بمقياسِ الحزبيةِ والأهواءِ والمصالحِ الشخصيةِ ، والدخولِ في منحدراتِ التجاذبِ السياسي ، وتصبحُ مشكلاتُ المرأةِ وقضاياها ورقةً من أوراقِ الضغطِ السياسي، وحبلاً من حبالِ الشدِّ والرّخيِ لصالحِ المواقفِ السياسيةِ للأحزابِ، واتّباعِ الأجنداتِ الخارجيةِ، والاهتمامِ بما تقتضيهِ سياساتُ التمويلِ في جنوحٍ واضحٍ عن حاجاتِ المجتمعِ وأولَوياتِه وقِيَمِه وموروثاتِه الثقافيةِ .
لذلك، فإنّ على مؤسساتِ المرأةِ ، وكلَّ من يتحدّثُ باسمِها؛ ويَحملُ همومَها وقضاياها ، أنْ يُعيدَ صياغةَ برامجِه سواءً الانتخابيةَ أو الخدماتيةَ بما يتوافقُ مع حاجاتِ النساءِ ، ومطالبِهنّ الحقيقيةِ، ويرفعَ عنهنَّ درَنَ الأعوامِ السابقةِ ، ويحفظَ لهنّ حقوقَهنَّ وكرامتَهنَّ ، وتوفيرِ كلِّ السُّبلِ للحياةِ الكريمةِ الآمِنةِ .