Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تواصل

هل نلتقي من جديدٍ ؟

لقد عُدتُ ذاتَ مساءٍ إلى شقّتي بعدَ يومٍ أَرهقَ كاهِلي، فقد كان يومُ الثلاثاءِ جدوَلُه مليءٌ بالمحاضراتِ الجامعيةِ، وقبلَ أنْ أدلفَ لشقتي؛ وجدتُ ورقةً أسفلَ البابِ؛ فتحتُ البابَ ثُم انحنيتٌ؛ لأخذها ودخلتُ الشقةَ؛ ثُم رميتُ كلَّ ثِقلِ جسدي على سريري؛ وكأنّ السريرَ يحملُ أثقالَ فؤادي؛ لكنْ كان هناكَ ثِقَلٌ لم أكنْ أتوقَّعَه.

فقد كتبتْ لي تلكَ الفتاةُ التي أحببتُها؛ وفضَحَتْها دمعةُ الوداعِ حين رحلتُ من يافا إلى برلين لأكملَ دراستي، تقولُ في كلامِها: أيها الغائبُ عن ناظري الحاضرِ دَوماً في فؤادي، رحلتَ.. فكنتُ كلَّ يومٍ أذهبُ للبحرِ.. لذلكَ المكانِ الذي التقَينا فيه لأولَ مرّةٍ؛ كنتُ أسمعُ صوتَه الحزينَ يُغنّي للغائبين.

إلى أنْ جاءَ هذا اليومُ الذي هبّتْ فيه رياحُ الإجرامِ، أتتْ الصهيونيةُ قادمةً من شتَّى الأنحاءِ، ارتكبتْ المَجازِرَ تِلوَ المجازرِ، استباحت الدماءَ، واغتصبتْ النساءَ، وبَقرَتْ بطونَ الحواملِ؛ قاتِلةً الأمَّ وجنينَها، ذهبتُ للبحرِ للمرّةِ الأخيرةِ؛ ولم أكُنْ أدركُ أني أتركُ آخِرَ بصمةٍ على شواطئهِ قبلَ أنْ أغادرَ البلادَ عَبرَه إلى المَنفَى، رأيتُ الدمعَ في عينيهِ، همسَ لي قائلاً: وكأنني أشعرُ أنه اللقاءُ الأخيرُ.

صدَقَ الإحساسُ، فقد هاجمت العصاباتُ مدينتَنا، وفعلتْ الأفاعيلَ، أطلقوا النارَ بعشوائيةٍ، وجنونٍ إجرامي، فهُم فاقدو الإنسانيةِ، رأيتُ أمي وأبي وإخوتي يتساقطونَ أمامي كورقِ الأشجارِ، وتختلطُ الدماءُ بعضُها ببعضٍ، وأنا تظاهرتُ بالموتِ؛ لأبقَى شاهدةً على الإجرامِ؛ وبعدَما خرجوا من منزلِنا، خرجتُ لا أنوي على شيءٍ، سِوَى الهروبِ، تعثرتُ بالجثثِ في طريقي، وكنتُ أرى العيونَ تبكي بصمتٍ.. كلُّهم هاربونَ من الموتِ إلى قدَرِهم الذي لا يعرفونَه، وصلتُ للبحرِ، وكانت شمسُ الغروبِ تُعانِقُه ليشعرَ بالأمانِ، تقولُ له: الظلمُ لن يَطولَ.

ركبتُ المركبَ.. وكنتُ أسمعُ بكاءَ البحرِ والحيتانِ بداخلِه، ألقتْ بنا الأقدارُ في لبنانَ، فها أنا وحيدةً مشرّدةً دونَ أهلٍ أو مالٍ، بلغتُ في أيامٍ من العمرِ عِتِيّاً، وحيدةً تائهةً لا أدري أين أذهبُ؟!

فروحي في هلاكٍ، وفؤادي في ضياعٍ، آثَرتُ أنْ أكتبَ لكِ قبلَ أنْ يوزِّعونا إلى أماكنَ أخرى، وآملُ أنْ تصلكَ رسالتي سريعاً.

طويتُ الورقةَ وطويتُ آخِرَ حُلمٍ لي باللقاءِ بها، كنتُ على موعدٍ مع زفافي لها؛ لكنْ أين هي الآن ؟!سمعتُ في نشراتِ الأخبارِ عن مخيماتِ اللجوءِ؛ لكنْ في أيٍّ منها هي؟!

لأولِ مرّةٍ أبكي وأذرفُ دمعي، فأنا ضائعٌ.. وهي ضائعةٌ..، والدربُ بينَنا طويلٌ، فيا تُرى هل نلتقي من جديدٍ؟!

 

بقلم / إسلام محمود النويري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى