قيادةُ الحياةِ
بقلم : د. مؤمن عبد الواحد
دكتوراة تنمية بشرية
مع إشراق شمسِ صباحِكم الجميلِ، والمُضيءِ بابتسامةٍ مرسومةٍ على شفاهِ ذاكرةِ و وجوهٍ ناصعةٍ ، ومع فنجانِ قهوةِ الصباحِ؛
أسافرُ معكم في تفاصيلِ حياتِكم؛ لعلّنا نصلُ إلى قُمرة القيادةِ بعدَ أنْ أنهكتْنا إدارةُ الحياةِ .
أحِبّتي : قديمًا قالوا؛ الوقتُ هو الحياةُ ، وكلّما انقضَى يومٌ من حياتِنا؛ انقضَى بعضٌ مِنّا ، فالوقتُ قيمةُ ما تبَقَّى من حياتِنا ، و صحيحٌ أنّ الحياةَ هي مجموعةُ الأنشطةِ والمَهامِّ والإجراءاتِ التي نعيشُها بشكلٍ يوميّ؛ لكنّ إدارتَها هي متابعةُ تلكَ الأنشطةِ؛ ووضْعُها في إطارٍ زمنيّ؛ وتنظيمُها وفقَ معاييرَ وضوابطَ أصيلةٍ لتحقيقِ أهدافِنا القريبةِ والبعيدةِ ، فإدارةُ الوقتِ هي إدارةُ الحياةِ ، ويكتسبُ الوقتُ قيمتَه وأهميّتَه من قيمةِ حياتِنا وأهميّتِها على مستوى الفردِ والجماعةِ، كما يكتسبُ الوقتُ أهميّتَه من قيمةِ الأيامِ والأشهرِ، وحلولِ أعوامٍ جديدةٍ .
الحقيقةُ أنّ مناسباتِنا كثيرةٌ، وأيامَنا متعدّدةٌ؛ لكنْ تحتاجُ إلى توجيهِ البوصِلةِ إلى اتّجاهِها الصحيحِ لتضبطَ الاتجاهَ مجدَّداً .
هكذا هي الحياةُ محطّاتٌ ومحطّاتٌ.. وجميلٌ أنْ تُدارَ الحياةُ وتُستثمَرَ.. لكنّ الأجملَ هو الانتقالُ من إدارةِ الحياةِ إلى قيادتِها ، انتقالٌ من تفاصيلِ جسدٍ إلى سُمُوِّ روحٍ ، انتقالٌ من إشباعٍ لرغباتٍ وحاجاتٍ دنيويةٍ ويوميةٍ وجسديةٍ إلى التحليقِ بالروحِ عالياً في أجواءٍ ملائكيةٍ ، وإنْ كانت الإدارةُ إشباعاً للحاجاتِ؛ فالقيادةُ توازناً بعدَ إشباعٍ ، لتُشبِعَ الروحَ والجسدَ بحاجاتِه الأربعِ؛ (حاجاتٌ روحيةٌ، وحاجاتٌ عقليةٌ ، وحاجاتٌ ماديةٌ، وحاجاتٌ اجتماعيةٌ ) فمَنعُ الطعامِ والشرابِ، وتنظيمُ تناوُلِهما؛ هو إعمالٌ للعقلِ؛ ومَنحُه فرصةً كبيرةً ليعملَ في أحسنِ حالاتِه ، وبالتواصلِ الاجتماعي مع الأهلِ والأحبابِ؛ تزدَهرُ وتسمو قدراتُه ، وعن غذاءِ الروحِ حدّثْ ولا حرجَ ؛ ففي إشباعِها تتّصِلُ بالمَولى _عزَّ وجلَّ_ دونَ انقطاعٍ ، فقيادةُ الحياةِ في فَهمِها الحقيقِ؛ هو إشباعٌ للحاجاتِ الأربعِ ؛ بل إنه الانتقالُ من عيشِ الأيامِ ودفعِها للوراءِ إلى تحقيقِ الإشباعِ للروحِ ومتعةِ الجسدِ ، فقيادةُ الحياةِ أسلوبٌ يجبُ أنْ يفقَهَه الكثيرونَ .
فيا لروعةِ الاختيارِ الإلهي! فحِرمانُ الجسدِ هو عينُ إشباعِه ، والتوازنُ في إشباعِ تلكَ الحاجاتِ؛ لا يكونُ في أبهَى صوَرِه إلّا في شخصيةٍ مُتَّزِنةٍ قياديةِ النزعةِ ، وقائيةِ التوَجّهِ ، ذاتِ هِمّةٍ مشحوذةٍ ، تَخلصُ من فضلاتِ الأيامِ وعبءِ الطريقِ؛ إنه الانتقالُ من الإدارةِ الذاتيةِ، ومشكلاتِ الحياةِ اليوميةِ؛ إلى قيادةِ الذاتِ نحوَ استثمارِ الفرصةِ، والخروجِ من دائرةِ المشكلةِ والضياعِ في تفاصيلِها؛ إلى رؤيةِ المشكلةِ من خارجِها، والسيطرةِ عليها ؛ أمَلاً في تحقيقِ مرضاةِ اللهِ، وبلوغِ جنّتِه بصُحبةِ الحبيبِ محمد “صلى الله عليه وسلم “، لنُعيدَ ترتيبَ أولَويّاتِنا من المُهمِّ إلى الأهمِّ، ومن الغالي إلى الأغلَى، ومن الجيّدِ إلى الأجوَدِ، ولننتقلَ من مربّعِ الخداعِ؛ “مربّعِ غيرِ المُهِمِّ وغيرِ العاجلِ إلى مربّعِ الإنتاجِ والنجاحِ “، مربّعِ المُهِمِّ والعاجلِ لنستقرَّ في مربّع المُهِمِّ وغيرِ العاجلِ ؛ هروباً من إدمانِ العجَلةِ و الطوارئِ؛ حيثُ السلوكُ المُرهِقُ والمُدَمِّرُ، والحلولُ المؤقتةُ والمؤجّلةُ؛ لتنفجِرَ في أوقاتٍ أخرى، ولِتعودَ أكثرَ ألماً ووجعاً.
أحِبَتي : طموحاتُنا في عامٍ جديدٍ للسفرِ بعيداً في فضاءِ عالمِنا الجميلِ، و بانطلاقةٍ جديدةٍ ورغبةٍ أكيدةٍ بمَعيّةِ الرحمنِ، وإصرارِ الإنسانِ وصولاً إلى محطّةِ الأمانِ .
فانطلِقْ عزيزي القارئ، واستثمِرْ الفرصةَ الحقيقةَ للانتقالِ من إدارةِ الحياةِ اليوميةِ بروتينِها وأنشطتِها المتكرّرةِ إلى قيادتِها؛ وذلكَ باستعادةِ توجيهِ البوصلةِ لفَهمٍ أعمقَ، وتوظيفٍ أدَقَّ لمَعاني الأشياءِ ، فقيادةُ الحياةِ أنْ تجعلَ لنفسِكَ هدفاً ، بأنشطةٍ تُرضي اللهَ، وتَصِلُ بكَ لِبَرِّ الأمانِ .