دولاراتُ “القذافي” المُجمَّدةُ قصةُ نَصْبٍ جديدةٌ!

كغَيرِه من الغزيِّينَ الذين ضاقتْ بهم سبُلُ الحياةِ؛ بسببِ أزمةِ الانقسامِ السياسي التي وضعتْ كلَّ سكانِ القطاعِ تحتَ طائلةِ سَيلٍ من العقوباتِ والتقليصاتِ والإجراءاتِ التي جعلتْ _تحديدًا_ فئةَ الموظّفينَ _دونَ غيرِهم_ في أسوأِ ظروفٍ اقتصاديةٍ؛ انعكستْ على شتَّى مجالاتِ حياتِهم؛ حتى على اتِّزانِهم العقلي والنفسي.
أبو جمال “48 عاماً “، ربُّ أُسرةٍ مكوَّنةٍ من تسعةِ أشخاصٍ؛ ثلاثةٍ منهم في المرحلةِ الجامعيةِ؛ يحتاجُ كلُّ واحدٍ فيهم كلَّ أربعةِ شهورٍ ما لا يَقِلُّ عن (500) دولارٍ، وكانت أزمةُ رسومِ الجامعةِ هي الأكثرَ عصفًا في حياتِه؛ ما دفعَه للبحثِ عن سبُلِ عيشٍ أخرى؛ كان أبرزُها البحثَ عبرَ الإنترنت.
في إحدى المرّاتِ وجدَ على إحدى صفحاتِ (الفيس بوك) حسابَ تبادُلِ عملاتٍ؛ حيثُ أخبرَه صاحبُ الحسابِ أنّ اسمَه “عبادة” وهو ليبيُّ الجنسيةِ؛ يقيمُ في تركيا؛ ولدَيهِ مبالغُ طائلةٌ، وملايينُ الدولاراتِ المجمّدةِ، التي تَتبعُ خزينةَ الرئيسِ الليبيّ السابقِ “معمر القذافي”! وأنه كان يعملُ في أحدِ قصورِه الرئاسيةِ؛ وعندَ حدوثِ الثورةِ الليبيةِ؛ قام بأخذِ هذه الملايينِ والسفرِ إلى تركيا برَّاً، وهذه الملايينُ لا يمكنُ صرفُها في أوروبا؛ لأنّ البنوكَ الأوروبيةَ تعرِفُ أرقامَها؛ و تمنعُ تداولَها؛ لكنْ يمكنُ صرفُها في دولِ الوطنِ العربي التي لا تمتلكُ خزينةَ الدولارِ.
وتقومُ عمليةُ التبادلِ على أنْ يقومَ شخصٌ بإرسالِ _مَثلاً_ (200) دولارٍ؛ فيقومُ “عبادة” الليبي بإرسالِ (400) دولارٍ؛ ضعفِ المبلغِ المُرسَلِ، وراجتْ هذه الفكرةُ في رأس “أبو جمال” مراراً وتكراراً؛ لاسيّما وأنه يحتاجُ إلى الكثيرِ من المصاريفِ في الفترةِ المطلوبةِ؛ وأنّ “عبادة” الليبي أقنعَه بأنه لن يخسرَ شيئاً طالَما قرّرَ التجريبَ، بعد َتطميناتٍ كثيرةٍ ووعودٍ بالصدقِ والفائدةِ للطرَفينِ؛ فقرّرَ “أبو جمال” تجريبَ الأمرِ؛ بعدَ أنْ شعرَ أنّ علاقتَه “بعبادة” الليبي أصبحتْ جزءاً من أصدقائِه.
في المرّةِ الأولى قامَ “أبو جمال” بتحويلِ (150) دولاراً، وبعدَ دقائقَ معدودةٍ عادَ إليهِ المبلغُ (300) دولارٍ؛ ما شجَّعَه على الاستمرارِ بالتعاملِ مع “عبادة” الليبي،الذي أخبرَه لو استطاعَ تصريفَ الدولاراتِ في غزةَ؛ فسيكونُ سبَبًا في جلبِ العديدِ من الزبائنِ للتعاملِ معه من مدينةِ غزة.
بعدَ أيامٍ قليلةٍ، قامَ “أبو جمال” بتحويلِ مبلغِ (300)$؛ وبعدَ دقائقَ عادَ إليه المبلغُ ( 600)$؛ هذه العودةُ السريعةُ للمالِ؛ جعلتْ “أبو جمال” يفكّرُ بطريقةٍ جماعيةٍ؛ فأرسلَ إلى أصدقائهِ جميعِهم، وإخوتِه وأنسبائهِ عن فكرةِ العملِ عبرَ الإنترنت _كما كان يظنُّ_ وقصةِ الدولاراتِ المجمدةِ، وأخبرَهم بما حدثَ معه؛ وألقوا جميعًا نظرةً على الحوالاتِ المرسَلةِ التي استقبلَها “أبو جمال”؛ وفتحَ عبرَ حسابِه محادثةً جماعيةٍ مع “عبادة” الليبي؛ وبدأَ أصدقاؤهُ ومعارفُه بِطَرْحِ الأسئلةِ والاستفساراتِ المختلفةِ على “عبادة”؛ الذي كان يجيبُ بكُلِّ سلاسةٍ وهدوءٍ؛ ويَعِدُهم بالربحِ والمكسبِ.. وطلبَ من كلِّ شخصٍ فيهم التجريبَ بمبلغٍ بسيطٍ؛ حتى يتأكّدوا من جديّةِ الأمر .
بعدَ يومينِ قامَ “أبو جمال” وأصدقاؤه، وبعضُ الأقاربِ بإرسالِ مبالغَ صغيرةٍ؛ جميعِها لم يتعدَّى (1500)دولارٍ ؛ وبعدَ دقائقَ عاد إليهم المبلغُ مضاعَفاً ؛ وكانت هذه بدايةَ الانهيارِ لبقيةِ المجموعةِ التي قرّرتْ المجازفةَ؛ فاقترحَ أحدُ الأصدقاءِ عليهم أنْ يكونَ الإرسالُ جماعياً بمبلغٍ جماعيّ؛ حتى لو تعرَّضوا للنصبِ؛ تكونُ الخسارةُ قليلةً ، وبالفعلِ اقتنعوا بما قالَه صديقُهم؛ فقامَ كلُّ شخصٍ فيهم بوضعِ (200)$؛ حتى تمَّ تجميعُ مبلغِ ( 8000)$ أمريكي؛ وذهبَ خمسةٌ منهم إلى محلِّ تحويلِ العملاتِ؛ الذي قامَ بنُصحِهم أنّ الأمرَ مغامرةٌ؛ وأنه نصبٌ احترافيٌّ ؛ فانسحبَ _جرّاءَ نصيحةِ محلِّ التحويلاتِ الماليةِ_ خمسةٌ منهم ؛ أمّا البقيةُ فاستمروا في مغامرتِهم كما في المراتِ السابقةِ؛ وأرسلوا المبلغَ؛ وجلسوا ينتظرونَ في محلِّ العملاتِ رسالةَ الماسنجر من “عبادة” الليبي؛ التي تَحملُ رقمَ الحوالةِ القادمةِ ؛ وطالَ انتظارُهم أكثرَ من ساعةٍ! وعندما قاموا بالاتصالِ عليهِ قامَ بحَظرِ الرقمِ؛ ثُم أغلقَ حسابَ الفيس بوك بشكلٍ كاملٍ.
حاولوا الاتصالَ بكُلِّ الطرُقِ المُمكنةِ؛ وتقدّموا بشكوَى إلى الجهاتِ المختصّةِ التي أخبرتْهم؛ أنه لا يُمكِنُ متابعةُ القضيةِ لأسبابِ فنيةٍ؛ أوَّلها أنهم أرسلوا النقودَ بإرادتِهم؛ وهي ليستْ المرّةَ الأولى التي يتعاملونَ فيها مع ذاتِ الشخصِ، ومع التحرِّي والبحثِ عن الموضوعِ تبيّنَ أنّ “عبادة” الليبي وقصتَه؛ هي أحدُ وأهمُّ وأبرَزُ قصصِ النصبِ عبرَ الإنترنت؛ وأنها تتكرّرُ بشكلٍ يوميّ مع الكثيرِ من الأشخاص!