بقلم الدكتور: علي لبد
يتّسِمُ الشعبُ الفلسطينيُّ بعِدّةِ سِماتٍ؛ أثَّرتْ على تكوينِه وبِنيتِه كمجتمعٍ متماسكٍ وقويٍّ؛ يتّجِهُ نحوَ التحرُّرِ والاستقلالِ والنهضةِ والبناءِ والتقدّمِ في مختلفِ الميادينِ والمجالاتِ، ومن الطبيعيِّ أنْ تنعكسَ هذه السِّماتُ على الأحزابِ والجماعاتِ وقوةِ تماسُكِ أفرادِها، حتى أصبحتْ قوةً يُعتَدَّ بها في فِكرِها ومنهجِها وأفرادِها ومقدّراتِها؛ ما أولَجَها في نَفقِ العصبيةِ الحزبيةِ؛ الذي أثّرَ على تناغمِ النسيجِ الاجتماعي، وأعاقَ تقدُّمَ المصلحةِ العامةِ، فظهرَ ذلك جُليّاً في حالةِ الشعورِ بالاستعلاءِ على الآخَرينَ؛ فأفرزَ سلوكياتٍ عنصريةً مَقيتةً لدَى الحزبِ وأفرادِه، وكذا الإدّعاءُ بتفَرُّدِهم بالحقيقةِ المُطلَقةِ، وأنه لا حقيقةَ إلّا تلكَ التي يدَّعيها حزبُهم أو تنظيمُهم؛ فهُم على حقٍّ وعَداهم على باطلٍ! حتى أنهم يقومونَ بتربيةِ أفرادِهم على التبعيةِ العمياءِ؛ وذاكَ هو الشلَلُ الفكريُّ، الذي يُقنِعُهم بأنّ لا ضرورةَ لعقولِهم ما دام هناكَ من يفكّرونَ نيابةً عنهم! وعليهِم رفضُ الطرَفِ الآخَرِ على اعتبارِ أنه خارجُ الحزبِ، والتعاملُ معه يجبُ أنْ يبقَى ضِمنَ دائرةِ الشكِّ والمؤامرةِ؛ وهذا ما يُسمَّى بتأليهِ الحزبِ .
وبسببِ تلكَ التربيةِ العقيمةِ، والعقليةِ الحزبيةِ، والاعتزازِ المُفرِطِ بالذاتِ؛ يتشكّلُ عائقٌ كبيرٌ أمامَ تحقيقِ أهدافِ المجتمعِ، ومصلحتِه العامةِ، والانتماءِ له، والالتزامِ بتطلُّعاتِه واستحقاقاتِ الوطنِ على أبنائهِ “المُثقّفينَ” منهم خاصةً.
ومن هنا، فإنّ المُثقفینَ مُطالَبونَ أكثرَ من غیرِھم، بأنْ یحسِموا قناعاتِهم وأفكارَهم بشكلٍ واضحٍ؛ إمّا مصلحةُ الحزبِ والتنظيمِ؛ وإمّا مصلحةُ الوطنِ، فالعامُ يجبُ أنْ يتقدّمَ على الخاصِّ، وهنا توضَعُ علامةُ استفهامٍ كبیرةٌ على المثقفینَ ودورِھم في المجتمعِ، ولا یجوزُ لهم أنْ یخلَعوا عباءةَ الوطنِ؛ لیرتدوا عباءةَ التنظيمِ، فهناكَ مسائلُ بحاجةٍ إلى حسمٍ واتّخاذِ موقفٍ واضحٍ، فعلَى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ؛ عندما تكونُ هناكَ جرائمُ في حقِّ المقاومةِ والمقاومينَ؛ ويتكتمُ عنها المثقفونَ؛ ولا يَسعونَ لتعريضِهم للمساءلةِ القانونيةِ ؛ يكونُ موقفُهم حزبياً صرفاً! وبمعنَى آخَرَ على القادةِ الحزبيّينَ، وعلى مثقفینا الخروجُ من حالةِ الالتباسِ هذهِ، والتحيُّزُ المُطلَقُ للثوابتِ والحقوقِ العامةِ للوطنِ والمواطنين.
وجميعُنا يَعلمُ أنّ لكُلِّ حزبٍ أو تنظيمٍ قادةٌ يَسوسونَهم في أمورِهم الخاصةِ، وقِلّةٌ منهم يعرفونَ مبادئَ الحزبِ وقيَمَه أو نظرياتِه الاجتماعيةَ والنضاليةَ والاقتصاديةَ، والغالبيةُ الساحقةُ من أعضاءِ الحزبِ عبارةٌ عن كمٍّ من الناسِ لا يعرفونَ عن ماذا يدافعونَ، ولا إلى ماذا يهدِفونَ، والغالبيةُ الساحقةُ ممّن يتسلّمونَ المناصبَ في الحزبِ؛ يُحوِّلونَ مؤسّساتِه التي يديرونَها إلى مراكزَ تخُصُّهم؛ فيُوظِّفونَ أبناءَهم وأقاربَهم وأصدقاءَهم؛ بغَضِّ النظرِ عن كفاءاتِهم! وبهذا يَهدمونَ المؤسسةَ فتَعجزُ عن القيامِ بدَورِها المَنوطِ بها، وهكذا يفعلونَ بالدولةِ حينَ فوزِهم وتَوَلِّيهِم مناصبَ في الدولةِ.
أخي: من الآمالِ تقاسُ الهمومُ، ونحن كشعبٍ آمالُنا أصبحتْ محصورةً ببِنيةٍ تحتيةٍ سليمةٍ، ومَسكنٍ ملائمٍ، وفُرصِ عملٍ وظيفيةٍ، وحياةٍ كريمةٍ لأبنائنا، ومستقبلٍ يُرضي الطموحَ ويحاكي الواقعَ.
إنّ الشبابَ مُحبَطونَ، والشعبُ مُتذَمِّرٌ، وكلُّ هذا بسببِ تفَشّي المحسوبيةِ، وبسببِ تفَشي الفسادِ؛ الذي أدَّى إلى انتشارِ الفوضَى، ونتمنَّى عليكَ أنْ تساهمَ في تَغيّيرِه.
أخي: صوتُكَ أمانةٌ؛ لِذا عليكَ أنْ تَعيَ أنّ القوةَ تشملُ القوةَ العقليةَ بكافةِ أبعادِها وتجلياتِها؛ وخاصةً الإبداعيةً، إضافةً إلى المعرفةِ التي تَعكسُ الثقافةَ والإطّلاعَ والخبرةَ، فالقوةُ العقليةُ لا تُعبّرُ عنها المؤَهِلاتُ العلميةُ والخبراتُ فقط، فَعشرونَ سنةً خِبرةً للبعضِ، هي سنةٌ واحدةٌ مكرَّرةٌ عشرينَ مرةً، وكذا الأمانةُ، فأمانةُ أمينِ الصندوقِ وأمينِ المستودَعِ، غيرُ أمانةِ الطبيبِ، غيرُ أمانةِ عضوِ المجلسِ التشريعي؛ الذي يوافقُ على قوانينَ تُشرِّعُ لسياساتٍ واتفاقياتٍ تضُرُّ بمصالحِ الناسِ؛ مقابلَ سفرٍ لدولةٍ ما، ظاهِرُها المهِمّةُ الرسميةُ؛ وحقيقتُها التنزُّهُ على حسابِ الوطنِ والمواطنِ.