الريادية “نُور البطة” الطهيُ فنٌّ وعلمٍ ولمسةُ إبداعٍ
أولُ شيف فلسطينيةٍ تحصلُ على شهادةٍ من الاتحادِ الدولي لجمعياتِ الطهاةِ

“أحلامي بحجمِ السماءِ، لا تُقيِّدُها حدودٌ؛ ولا ينالُ منها المحبِطونَ والمثبِّطونَ”؛ هذه هي القاعدةُ التي انطلقتْ منها الشابةُ “نور ناجى البطة” لتحقيقِ أحلامِها عندَ افتتاحِ مركزِ “سمايل كتشن” في مدينةِ غزة، والذي تُديرهُ منذُ عامِ ( 2017)، وتشاركُ من خلالِه في تمثيلِ فلسطينَ في المحافلِ العربيةِ والدوليةِ.
ويُعَدُّ “سمايل كتشن” البادرةَ الأُولى من نوعِها كمشروعٍ متخصِّصٍ في تعليمِ فنونِ الطهي؛ إذْ تَعدُّ “نور” أنّ ما دفعَها لافتتاحِه هو إيمانُها بأنَّ الطهيَ عِلمُ مثله مِثلَ أيٍّ من العلومِ الأخرى، وإيمانُها بقدرتِها على التميّزِ والإبداعِ في هذا المجالِ؛ لتصبحَ السيدةَ الفلسطينيةَ الأولى التي تحصلُ على شهادةٍ معتمَدةٍ من الاتحادِ الدولي لجمعياتِ الطهاةِ “الواكس”؛ ومَقرُّه العاصمةُ الفرنسيةُ “باريس”.
ترى “البطة” الحاصلةُ على بكالوريوس في العلومِ؛ أنّ شهادةَ “الواكس” هي خطوةٌ على طريقِ احترافِ فنونِ الطهيِ على المستوى الدولي، وتمثيلِ فلسطينَ بشكلٍ رسميٍّ يليقُ بمكانتِها؛ مُعرِبةً عن طموحِها لتمثيلِ فلسطينَ في مسابقاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ وعالميةٍ.
أُمي المُعلمُ الأولُ
وتقولُ مديرةُ مركزِ “سمايل كتشن” لتعليمِ الطهي، في حديثٍ خاصٍّ لـ”السعادة”: ” الطهيُ هو علمٌ مِثلَ أيِّ علمٍ آخَرَ؛ له أساليبُه وطرُقُه، ومحاذيرُه، ووصفاتُه، ووظائفُه؛ وأنا أعشقُ هذا الفنَّ والعلمَ.
كانت بدايةُ تعلُّمي على يدِ والدتي؛ والتي أتاحت لي _منذُ سنواتِ عمري الأولى_ أنْ أدخلَ عالمَها؛ وأُمارسَ بشغفٍ في إعدادِ الوصفاتِ؛ حتى بات الطهيُ جزءاً من شخصيتي وثقافتي فمتب المطبخِ لم تغادرْ مكتبي أبدًا، وحتى هذه اللحظةِ أسعى دائماً لتطويرِ نفسي في هذا المجالِ عبرَ الاطلاعِ والتواصلِ وتعلّمِ اللغاتِ.
غيابُ المراكزِ والمعاهدِ المتخصّصةِ؛ كان عائقاً في تعلُّمي المزيدَ؛ لكنْ بعدَ ذلكَ أصبح حافزًا لي؛ لأنْ أُبادرَ بتنفيذِ هذه الفكرةِ الغريبةِ والجديدةِ في غزةَ؛ وأفتتحَ أولَ مركزٍ لتعليمِ فنونِ الطهيِ في القطاعِ؛ حيثُ قمتُ بترخيصِه من وزارةِ العملِ عامَ (2015).
وتتابعُ: كثيرونَ استخفّوا بفكرةِ افتتاحِ مركزٍ متخصِّصٍ لتعليمِ فنونِ الطهي؛ إذْ يعتقدونَ أنَّ الطهيَ مُجردُ عاداتٍ متوارَثةٍ، لا يدركونَ أنه علمٌ وفنٌّ، ولا غرابةَ أنْ يخضعَ مَن لا يجيدونَه إلى دوراتٍ تدريبيةٍ وتأهيليةٍ.
وتنوِّهُ أنها بمرورِ الوقتِ نجحتْ في تغييرِ مفاهيمِ الكثيرينَ، ونظرتِهم التقليديةِ لكُلِّ ما هو غيرُ معتادٍ في مجتمعٍ منغلقٍ بسببِ الحصارِ، حيثُ أثبتتْ التجربةُ _بعدَ خمسِ سنواتٍ على إنشاءِ المركزِ، وتخريجِ نحوِ ألفِ طالبةٍ وطالبٍ من الطهاةِ_ أنني كنتُ على صوابٍ”.
تفخرُ “البطة” بخرّيجي وخريجاتِ مركزِها؛ الذين نجحوا في شقِّ طريقِهم المِهني، وظفروا بوظائفَ في فنادقَ ومطاعمَ ومُنشآتٍ سياحيةٍ مختلفةٍ في غزة، فضلاً عن افتتاحِ البعضِ منهم مشاريعَ منزليةً خاصةً، وأثبتوا أنهم يتمتعونَ بقدراتٍ هائلةٍ.
طموحٌ لا يتوَقفُ
وتقولُ “نور”:” طموحي لم يتوقّفْ؛ فدفعتني رغبتي بتطويرِ نفسي في تَعلُّمِ فنونِ الطهيِ الحديثةِ؛ للالتحاقِ بدورةٍ تدريبيةٍ لدَى الاتحادِ الدولي لجمعياتِ الطهاةِ “الواكس”؛ الذي تعرّفتُ عليه من خلالِ اختياري كَمُمثلٍ لنادي الطهاةِ الفلسطينيّ “مقرُّه الرئيسُ في مدينةِ بيت لحم” ؛والذي يُعَدُّ عضواً في “الواكس”؛ حيثُ التحقتُ بأولِ دورةٍ تدريبيةٍ على مستوى التحكيمِ الدولي من أجلِ زيادةِ خبراتي في هذا المجالِ؛ بعدَ أنْ اجتزتُ (11) دورةَ مستوى باللغةِ الإنجليزيةِ بواقعِ (61) درساً.
وتضيفُ: “إدارتي لمركزِ “سمايل كتشن” جعلتني أطمحُ إلى الحصولِ على العالميةِ؛ حتى جاءت فرصةُ الالتحاقِ بدورةِ Wacs Pre-Commis Chef)) والمعتمدةِ من “الواكس” لتكونَ الخطوةَ الأولى للاحترافِ الدولي”، موضِّحةً أنّ هذه الدورةَ بواقعِ (18) ساعةً دراسيةً، ولا يُسمحُ بالتسجيلِ لدورةٍ أخرى إلّا بعدَ مرورِ (6) أشهرٍ من الحصولِ على شهادةِ اعتمادِ الدورةِ السابقةِ، حيثُ أتاحَ هذا البرنامجُ التدريبي للمُلتحِقينَ به الاستفادةَ من شهادةٍ تدريبيةٍ معتمَدةٍ من “الواكس”؛ وتحتَ إشرافِ مُمثّلِ “الواكس” في فلسطينَ، واعتمادِه نادي الطهاةِ الفلسطيني.
وتشيرُ إلى أنّ هذا البرنامجَ التدريبي يتكونُ من مساقاتٍ علميةٍ؛ يتِمُّ تدريسُها في الدبلومِ المِهني لفنونِ الطهيِ بالشراكةِ مع جامعةِ غزةَ؛ ولذلكَ تمَّ اعتمادُ طلابِ الدبلومِ للاستفادةِ من اعتمادِ هذا البرنامجِ من قِبلِ مركزِ “سمايل كتشن” ونادي الطهاةِ؛ حيثُ شملَ هذا البرنامجُ (التغذيةَ، الطهيَّ النظري، الطهيَّ الاحترافي، النظافةَ والتعقيمَ، عملياتِ المطبخِ، والاحترافَ) موضِّحةً أنّ الطلابَ تعرّفوا من خلالِ هذا البرنامجِ على علومٍ واسعةٍ تهمُّ المطبخَ باللغةِ الإنجليزيةِ؛ وذلكَ تحتَ إشرافِ شيفاتِ الدبلومِ المِهني وإدارةِ المَركزِ.
وتُواصِلُ: نجاحُ أيِّ عملٍ أو مشروعٍ يجبُ أنْ يكونَ ضِمنَ نطاقِ المسئوليةِ الاجتماعيةِ تُجاهَ البلدِ الذي تعيشُ فيه، فقد نجحتُ في تَغييرِ المفاهيمِ تُجاهَ الطبخِ كعِلمٍ وفنٍّ، وأشرفتُ عامَ (2019) على أولِ مسابقةٍ لهواةِ الطهي في غزةَ؛ والمُعتمدةِ من نادي الطهاةِ بمشاركةِ (75) متسابقاً.
دبلومٌ مِهنيٌّ
وتُشيرُ إلى أنّ مركزَها ينظّمُ حالياً دبلوماً مِهنياً في فنونِ الطهي بواقعِ (700) ساعةً تطبيقيةً لمُدّةِ (3) فصولٍ على مدَى سنةٍ؛ ليتعلّمَ فيها المشترِكُ جميعَ فنونِ الطهي أكاديميّاً وعمليّاً، وهو مُعتمَدٌ من وزارةِ العملِ، وجامعةِ غزة.
وحولَ أسعارِ الدوراتِ التي تقدِّمُها في مركزِها، قالتْ البطة: “الأسعارُ رمزيةٌ، حيثُ أستعينُ بالطهاةِ المُتمرّسينَ في قطاعِ غزة، ولاحقاً انضمَّ إلينا في المركزِ الشيف “أحمد نصار”؛ الحاصلُ على شهادةٍ من إسبانيا، و”نبيلُ الشواف” الحاصلُ على دبلوماتٍ في الطبخِ”، موضّحةً أنّ الاثنينِ عبارةٌ عن بنكٍ من المعلوماتِ في مجالِ الطهي.
وتشيرُ “نور” إلى كثيرٍ من المعوّقاتِ التي واجَهتْها في مشروعِها؛ كان أبرزُها الحصارَ المفروضَ على قطاعِ غزةَ، وإغلاقَ المعابرِ الذي حالَ دونَ سفرِها وعددٍ آخَرَ إلى الجزائرِ؛ تلبيةً لدعوةٍ من “الجمعيةِ الجزائريةِ لفنونِ الطهي”؛ التي أبدَتْ استعدادَها لتحَمُّلِ نفقاتِ التحاقِ طلبةٍ فلسطينيينَ بدوراتٍ تدريبيةٍ مجّانيةٍ في فنونِ الطهي، مؤكّدةً في نهايةِ حديثِها إصرارَها على النجاحِ والعملِ الدؤوبِ لتحقيقِ أحلامِها رغمَ الصعوباتِ والمُعوّقاتِ.