Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

استمِعوا إليهِم لِسَبرِ أغوارِهم

بقلم :دعاء طافش

مستشارة تربية أسرية

في كُلِّ ندوةٍ أو ورشةِ عملِ؛ كنتُ أُلقيها عن مهارةِ الاستماعِ لأبنائنا؛ كان يأتيني الردُّ المتوقَّعُ دومًا:” نحن نستمعُ لهم حَدَّ النخاعِ!” ، وكنتُ أرُدُّ ردِّيَ المتوَقَعِ أيضاً:” إذن لماذا لا يتغيّرُ أبناؤكم! ولماذا لا تستطيعونَ تعديلَ سلوكِهم!!”

قالت العربُ قديمًا: “تعلَّمْ حُسنَ الاستماعِ؛ قبلَ أنْ تتعلمَ حُسنَ الكلامِ، فإنكَ إلى أنْ تسمعَ وتعيَ أحوَجَ منكَ إلى أنْ تتكلمَ””.

إني مُطَّلِعةٌ بشكلٍ جيدٍ على معظمِ بيوتِنا، التي يكثرُ فيها الّلغطُ والصخبُ؛ تَجِدُ معظمَها يتحدثُ في وقتٍ واحدٍ؛ ولا أحدَ يستمعُ للآخَرِ بفِكرِه ومشاعرِه وجوارحِه !

حقيقةً نحن نفتقِرُ لثقافةِ الاستماعِ بشكلٍ عامٍّ؛ وهذا الأمرُ يتّضِحُ في علاقاتِنا ومعاملاتِنا اليوميةِ؛ الأمرُ الذي يترتبُ عليه كثيراً من المشكلاتِ، وسوءِ الظنِّ، وسوءِ التفاهمِ.. ولو ضيَّقْنا حلقةَ العلاقاتِ على علاقةِ الآباءِ بالأبناءِ؛ نَجِدُ أننا ما أحوَجَنا للاستماعِ لأبنائنا! كثيرٌ من الحالاتِ التي تأتيني على غرفةِ الإرشادِ؛ فقط تَطلبُ مني أنها تريدُ أنْ تتحدّثَ، وأنْ أستمعَ إليها، وأنْ أشعرَ بكُلِّ كلمةٍ؛ بل بكُلِّ حرفٍ في كلامِها! الأمرُ الذي يجعلُني أسألُ نفسي: أين نحن من أبنائِنا، ومن مَشاعرِهم؟! أين نحن من المساحةِ الفارقةِ بينَنا وبينَهم؟! تلكَ المساحةُ التي إنْ لم نملأْها حُبّاً وحناناً واهتماماً وإصغاءً؛ جاءَ من يملؤها غيرُنا قذَراً وسوءَ تربيةٍ ، فالحَذرَ الحذرَ..

إنَّ في استماعِنا لأبنائنا فوائدَ جمّةً أبرزُها :

*تعزيزُ العلاقةِ بيني وبينَ ابني، سيُرَغِّبُه بالجلوسِ معي ومحاورتي؛ لأنّ باستماعي له أُعطيهِ رسالةً خَفيةً أني أهتمُّ بكَ وأحبُّكَ.

*الإنصاتُ لابني سيُساعِدُني على فَهمِه أكثرَ، وفهمِ كيف يفكّرُ، وبمَ يشعرُ، وما هو سلوكُه المتوَقَّع.

*فرصةٌ للدخولِ إلى عالمِ أبنائي وقلوبِهم والتأثيرِ بهم.

*الاستماعُ لهم هو الدخلُ الأساسُ لتعديلِ سلوكياتِهم.

يعطي الوالدينِ هيبةً ووقاراً، فغالباً أبناؤنا ليسوا بحاجةٍ إلى كثرةِ المواعظِ والإرشاداتِ؛ إنما هم بحاجةٍ لمَن يُصغي إليهم وإلى مشاعرِهم، لمَن يتفَهمُ مشاعرَهم ويحتويهم .

ويبقَى السؤالُ الأهمُّ: كيف لي أنْ أعرِفَ أني أُنصِتُ لابني بشكلٍ إيجابي ؟ الإنصاتُ الذي من خلالِه أدخُلُ لقلبِ ابني؛ وأعدّلُ في أفكارِه وسلوكِه .

أنْ يكونَ استماعي أكثرَ وأشدَّ عمقاً من كلامي، وألّا أقطعَ على ابني كلامَه مَهما كان حديثُه. فقد قال الحَسنُ البصري:”إذا جالستَ فكُن على أنْ تسمعَ أحرَصَ منكَ على أنْ تقولَ، وتَعلّمْ حُسنَ الاستماعِ كما تتعلمْ حُسنَ القولِ، ولا تَقطعْ على أحدٍ حديثَه.

أنْ تُبديَ اهتماماً بما يقولُه ابنُكَ؛ فقد كان حبيبُنا _صلى الله عليه وسلم_ إذا أسّرَ إليه أحدٌ بحديثٍ؛ لم يرفعْ رأسَه حتى يرفعَ المتحدّثُ رأسَه، اهتماماً وإصغاءً ..

أنْ توَجِّهَ كلَّ حواسّكَ نحوَ ابنِك وهو يتحدثُ..فقد قال ابنُ عباس:”إنّ لِجليسي عليَّ ثلاثاً: أنْ أرميهِ بطرْفي إذا أقبلَ، وأنْ أوَسّعَ له في المجلسِ، وأنْ أُصغي إليه إذا تحدّثَ”

يجبُ أنْ تُبديَ تعاطفاً مع ابنِك أثناءَ حديثِه؛ بحيثُ يظهرُ ذلكَ على ملامحِ وجهِكَ؛ وتُعطيه بعضَ الكلماتِ التي تُشعِرُه بأنك تشعرُ به، مثلا( أنا حاسس فيك، أنا لو كنت مكانك راح أشعر بللي إنت شاعر فيه).

كُن فَطِنا أثناءَ الاستماعِ، فهل ابنُك يريدُ التحدّثَ إليكَ كي يعبّرَ عن مشاعرِه فقط؟ أَم يريدُ مَن يشارِكُه الرأيَّ؟ أَم يريدُ المساعدةَ لحَلِّ مشكلةٍ ما ؟

. استمِعْ واقرأْ ما بينَ السطورِ، وما خلفَ كلماتِ ابنِكَ، واستَفسِرْ عن الثغراتِ في كلامِه بلهجةٍ آمِنةٍ ملؤها الثقة.

.شجِّعْهُ كي يتحدّثَ عن نفسِه ومشاعرِه من خلالِ الأسئلةِ المفتوحةِ، مِثل( حدّثني أكثر عن….، ما رأيك في….).

وأنت تستمعُ لابنِك لا تشغلْ نفسَك بالتفكيرِ بتخطئتِه، أو الردِّ عليه، أو تأنيبِه، واترُكْهُ يتحدّثُ بعفويةٍ وأمانٍ، وبعدَ ذلك خُذْ نفساً ولا تستعجلْ بالردِّ.

احذْرْ من الاستماعِ الانتقائي، أي أنْ تستمعَ لِما تريدُ سماعَه أنت فقط،وتركّزَ على نقاطٍ دونَ أخرى.

 

تذكّروا أعزائي الآباء أنّ مهارةَ الاستماعِ للأبناءِ مُتعِبةٌ؛ ولكنها خيرٌ من وجودِ خلافٍ أو سوءِ تفاهُمٍ،، وتذكّروا إنْ تعبِنا مع أبنائنا أولَ ستِّ سنواتٍ؛ سنُوَفّرُ على أنفُسِنا زمناً طويلاً من المناكفاتِ معهم مستقبلا

دعاء قام بالإرسال 19 فبراير الساعة 5:17 م

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى