أوَّلُ مزرعةٍ لسلالةِ ماعزِ “الساني”في غزةَ
"محمد الزعانين" رياديٌّ مُبدعٌ؛ يتحدّى البطالةَ والحصارَ

بِتنا في الآوِنةِ الأخيرةِ _نحن كصحفيينَ_ نُصابُ بالصدمةِ الجميلةِ؛ عندما نغطّي إنجازاتٍ شبابيةً مُختَصَرُ ما يقالُ عنها أنها مبدعةٌ بأفكارِها في مواجهةِ ظروفِ الحصارِ، والتغلّب على حالةِ اليأسِ والمَللِ التي يعيشُها الشبابُ بقطاعِ غزةَ بكُلِّ قوةٍ وشغفٍ.
الشابُّ محمد طلعت الزعانين (26 عاماً)، خريج هندسةٍ زراعيةٍ، تخصُّص إنتاجٍ حيواني، من جامعةِ الأزهرِ؛ واحدٌ من هؤلاءِ الشبابِ الذين صنعوا بخبرتِهم وشغفِهم وتحدّيهِم نجاحاتِهم.
بعدَ خمسِ سنواتٍ من المنافسةِ في المشاريعِ الرياديةِ؛ تمكّنَ من تنفيذِ مشروعِ أولِ مزرعةِ ماعزٍ نموذجيةٍ متخصّصةٍ في إنتاجِ أجبانٍ وألبانٍ طازجةٍ في قطاعِ غزة.
نقلةٌ نوعيةٌ
يقولُ “الزعانين” _الذي حصلَ على تمويلٍ لمشروعِه من قِبلِ حاضنةِ “يوكاس” التكنولوجيةِ_ لـ “السعادة”: إنه حاولَ البحثَ عن فرصةِ عملٍ فَورَ تخرُّجِه؛ لكنه لم يحظَ إلّا بفُرصِ تطوّعٍ؛ كانت إحداها بوزارةِ الزراعةِ لمدّةِ عامينِ؛ استطاعَ فيها كسبَ الخبرةِ؛ غيرَ أنه لاحظَ وجودَ فجوةٍ كبيرةٍ من ناحيةِ كمياتِ الإنتاجِ وتصنيعِ الأجبانِ والألبانِ في السوقِ المَحلّي، فدارتْ برأسِه أنْ يفتتحَ مشروعاً يُنقِذُه من البطالةِ؛ ويحقّقُ نقلةً نوعيةً في الإنتاجِ الحيواني.
ويضيفُ: إنّ فكرةَ مشروعِه تقومُ على تربيةِ سلالةِ ماعزِ “السانين” -السويسريةِ الأصل- التي لا توجدُ في قطاعِ غزةَ الذي يتميزُ بإنتاجِه العالي من الحليبِ، وتربيتِها بأحدثِ الطرُقِ العلميةِ والنموذجيةِ بهدَفِ إنتاجِ الحليبِ، إضافةً إلى نسبةِ المواليدِ المرتفعةِ لديها؛ مقارَنةً بالسلالاتِ المحليةِ.
وأوضحَ “الزعانين” _الذي استطاعَ استيرادَ (15) رأساً من هذه السلالةِ إلى قطاعِ غزةَ_ أنّ مشروعَه سيُحدِثُ قفزةً نوعيةً في مجالِ الإنتاجِ الحيواني في تخصُّصِ حليبِ الماعزِ؛ إذْ سيعملُ على تحسينٍ وراثيٍّ في البيئةِ المحيطةِ للسلالاتِ المحليةِ، ويعملُ على رفعِ معدّلِ إنتاجِ الحليبِ، ورفعِ نسبةِ المواليدِ والتوائمِ في السلالاتِ المحليةِ، مشيراً إلى أنّ الفرقَ بينَ السلالةِ الموجودةِ لدَيهِ والسلالاتِ المحليةِ؛ هو أنَّ معدّلَ إنتاجِ سلالةِ “السانين” مرتفعٌ؛ مقارَنةً بالسلالاتِ المحليةِ خمسةَ أضعافٍ.
ولفتَ الزعانين _الذي يقطنُ في بلدة ِ”بيت حانون” شمالَ قطاعِ غزة، حيثُ يقيمُ مشروعَه_ إلى أنّ فكرةَ المشروعِ تراعي التوسّعَ المستقبليّ للمزرعةِ؛ بهدفِ زيادةِ كمياتِ الحليبِ، وصولاً إلى إنشاءِ وحدةٍ متخصِّصةٍ لتصنيعِ حليبِ الماعزِ؛ وذلكَ بهدفِ زيادةِ الربحيةِ من المشروعِ، وسدِّ جزءٍ من احتياجاتِ السوقِ المحليةِ من حليبِ الماعزِ، موضّحاً أنّ مشروعَه يهدفُ إلى توفيرِ حليبِ الماعزِ على مدارِ العامِ، وليس في موسمِ الربيعِ فقط، إضافةً إلى توفيرِ مصدرٍ موثوقٍ لإنتاجِ حليبِ الماعزِ.
تحسينُ السُّلالاتِ
وأعربَ “الزعانين” _الذي اكتسبَ خبرتَه بعدَ التخرُّجِ من خلالِ تطوُّعِه في عددٍ من مزارعِ المواشي في قطاعِ غزةَ_ عن أملِه في أنْ يقومَ بسَدِّ جزءٍ من احتياجاتِ السوقِ المحليةِ من أجبانِ الحلوياتِ، التي تُعدُّ من الأجبانِ الشحيحةِ في السوقِ المحليةِ، كاشفاً نيَّتَه إنشاءَ وحدةٍ تصنيعيةٍ لحليبِ الماعزِ، والبدءِ بإنتاجِ أجبانِ الحلوياتِ، وذلكَ بعدَ السنةِ الثالثةِ من بدءِ المشروعِ، مشيراً إلى ازديادِ الطلبِ على الأجبانِ المخصَّصةِ لصناعةِ الحلوياتِ، حيث تُعدُّ أجبانُ الماعزِ أفضلَ الأجبانِ المستخدَمةِ في مصانعِ الحلوياتِ.
يسعَى “الزعانين” _وفقَ قولِه_ إلى تشجيعِ صغارِ المُربّينَ على اقتناءِ سلالةِ ماعزِ “السانين” المتميزةِ في إنتاجِ الحليبِ، إضافةً إلى تحسينِ سلالاتِ الماعزِ المحليةِ؛ من خلالِ عمليةِ التهجينِ مع سلالةِ “السانين”.
ويستطردُ: “بعدَ دراسةِ السوقِ المَحلّي، والتوجّهِ إلى جهاتِ الاختصاصِ؛ تبيَّنَ وجودُ نقصٍ حادٍّ من منتجاتِ ألبانِ حليبِ الماعزِ؛ ومشتقاتِها في السوقِ المَحلي، وبعدَ البحثِ من الهيئاتِ الحكوميةِ الرسميةِ، وأصحابِ الخبراتِ في السوقِ المحلّي؛ تبيّنَ أنّ معدّلَ استهلاكِ قطاعِ غزةَ من الألبانِ بكافةِ منتجاتِها ما يقاربُ (30) ألفَ طنٍّ سنوياً”.
وأضاف: إنّ المصانعَ والمعاملَ الفلسطينيةَ التي يبلغُ عددُها (10) مصانعَ موزّعةً على محافظاتِ غزةَ؛ تغطّي احتياجَ( 16-20%) من احتياجِ السوقِ الفلسطيني الغزي؛ وتنتجُ (4500-6000) طنٍّ سنوياً فقط.
وأوضحَ “الزعانين” أنّ سلالاتِ الماعزِ الموجودةَ في غزةَ منخفضةُ الإنتاجِ في الحليبِ بالنسبةِ للسلالاتِ العالميةِ، حيثُ السلالةُ الموجودةُ بغزةَ يصلُ معدّلُ إنتاجِها من (1 إلى 1.5) كيلوغرام فقط، مقارنةً بالسلالاتِ المرادِ توريدَها؛ حيثُ يصلُ معدّلُ إنتاجِها اليومي إلى (5 )كغم.
عدمُ اليأسِ
وأضاف: إنّ نسبةَ التوائمِ المنتِجةِ من هذه السلالاتِ عاليةٌ جداً؛ مقارنةً بالسلالاتِ المحليةِ، مُعرباً عن أملِه في التوَسّعِ بالمشروعِ، وتحديدِ نسبةِ (25%) مبيعاتٍ من المواليدِ المنتِجةِ؛ لبيعِها للسوقِ المَحلي من المزارعينَ والهواةِ المُرَبّين.
ويطمحُ “الزعانين” إلى تطويرِ المشروعِ مستقبلاً؛ وذلكَ من خلالِ وضعِ خُطةٍ لزيادةِ أعدادِ الإناثِ التي تُرَبّى في المزرعةِ؛ بحيثُ تتِمُ تربيةُ جميعِ الإناثِ المنتجةِ من الأمهاتِ الأساسيةِ في المزرعةِ، وإدخالُها في القطيعِ، بهدفِ زيادةِ إنتاجِ الحليبِ والمواليدِ، كما كشفَ نيَّتَه العملَ _بدايةَ العامِ المُقبلِ_ على إدخالِ سلالاتٍ جديدةٍ غيرِ موجودةٍ بقطاعِ غزةَ؛ مِثلَ سلالةِ ماعزِ “الألبين” الفرنسيةِ الأصلِ؛ تُعرَفُ سلالةُ “الألبين” بإنتاجِها الكبيرِ للحليبِ؛ حيثُ يُعتمدُ عليها كثيرًا في صناعةِ الأجبانِ؛ وهي سلالةٌ متوسطةُ القامةِ؛ تتأقلَمُ بشكلٍ ممتازٍ مع التربيةِ داخلَ الحظائرِ، أو للعيشِ في الجبالِ مع اعتمادِ الرعي.
تتميزُ كذلكَ هذه السلالةُ بلَونِها البنيِّ المائلِ إلى الاحمرارِ؛ مع صوفٍ قصيرٍ جدًا؛ حيثُ لا يمكنُ الاعتمادُ عليها لإنتاجِ الصوفِ، ويمكنُ أنْ توجدَ ألوانٌ أخرى للسلالةِ؛ لكنها لا تمثّلُ الجينَ الغالبَ.
ويختمُ الشابُّ “الزعانين” حديثَه لـ “السعادة” بنصيحةٍ إلى الشبابِ الفلسطينيّ “بعدمِ اليأسِ” مُستدِلاً بتحقيقِ ما سعَى إليهِ بعدَ (5) سنواتٍ من المثابرةِ والمحاولةِ والجدِّ، حيثُ أصبحَ أولَ مشروعٍ رياديٍّ بغزةَ في هذا المجالِ.