الاعلامية :سميرة نصار
في لقاءٍ وجاهي حواري جمعَنا بالدكتور “محمد عوض” رئيسِ اللجنةِ الإداريةِ في غزة،
كان قد بدأ حديثَه واصفاً الحالَ الإداري:”حالُ غزةَ في إدارةِ أزماتِها كحالِ سُلَحفاةٍ تسابقُ أرنباً”!
فقد علّمونا أنّ السُّلَحفاةَ هيّنةٌ في سيرِها، والأرنبَ مُباغتاً للمسافاتِ، فهل لها أنْ تُسابِقَه سِوى بالقصصِ الخياليةِ و الخراريفِ؛ التي قصّتْ علينا أنّ السُّلحفاةَ حينما عزمتْ؛ قطعتْ ووصلتَ..
لم تكنْ إدارةُ غزة في أيٍّ من الأيامِ إدارةً قائمةً على خُطةٍ إستراتيجيةٍ سنويةٍ؛ كما حالُ كُلِّ الإداراتِ الرشيدةِ؛ لأنّ نهجَها في الإدارةِ هو إدارةُ الأزماتِ منذُ عامِ (2007).
أربعةَ عشرَ عاماً كانت حُبلَى بكُلِّ أنواعِ الأزماتِ_ التي تقصِمُ ظهرَ الدولِ الشديدةِ_ ما بينَ حصارٍ، وحروبٍ، وعدمِ اعترافٍ دوليٍّ، وعقوباتِ رئيسٍ؛ وآخِرِها جائحةُ “كورونا”، حيثُ تكَدَّسَ عن كلِّ ما سبقَ عشراتُ الأزماتِ الداخليةِ والاجتماعيةِ، التي لا نستطيعُ أنْ نُغمِضَ أعيُنَنا عنها، ونحن نسلّطُ “ميكروسكوبَ” التقييمِ على أداءِ الإدارةِ في غزة؛ وهذا أيضًا لا يَغفرُ تلكَ السقطاتِ التي طفتْ على سطحِ المشهدِ الإداري.
في ليلةِ الخامسَ عشرَ من يناير /كانون الثاني؛ أصدرَ الرئيسُ مرسومَ الانتخاباتِ؛ ليُعلنَ أنّ الثاني والعشرين من مايو لهذا العامِ؛ بدايةُ الانتخاباتِ الرئاسيةِ والتشريعيةِ والمجلسِ الوطني؛ ولكنّ هذا المرسومَ وجدَ تَذبذُباً في الرأي العام؛ ما بينَ متشائمٍ ومتفائلٍ، و أنّ قصةَ المرسومِ والانتخاباتِ ما هي سِوَى ورقةٍ سياسيةٍ يلوِّحُ بها الرئيسُ؛ حينما تتطلبُ لعبةٌ السياسةٌ ذلكَ.
وهناك وجهٌ آخَرُ فيه ارتياحٌ وأملٌ عندَ الآخَرينَ؛ بأنّ الانتخاباتِ ستُنهي مشاكلَ الشعبِ، وتُلَملِمُ شتاتَ الوطنِ.
وسيأتي اليومُ الذي يكونُ للمواطنِ صوتُه وكلمتُه في رسمِ خطةِ الحياةِ التي يعيشُ فيها عبْرَ انتخابِ مَن يُمَثِّلُه في المشهدِ السياسي.
ولكنْ يوجدُ ما ينزِعُ ذلك الأمانَ؛ وهي التجاربُ الماضيةُ منذُ انتخاباتِ (1995) وحتى انتخاباتِ (2007)؛ مروراً بتعاقبِ الحكوماتِ المختلفةِ في شطرَي الوطنِ .
أتوَقّعُ الناخبَ الفلسطينيَّ _هذا الذي غُلبَ على أمرِه مرّاتٍ متكرّرةٍ ومتتاليةٍ_ يحتاجُ من القوائمِ المرشَّحةِ أو المرشَّحينَ المستقلينَ ضماناتٍ عديدةً؛ لكي يُعطيها ثِقتَه ويمنحَها صوتَه.
كما أنّ العمليةَ ذاتَها تحتاجُ إلي ضماناتٍ لسيرِها العاجلِ والمُحدّدِ، والاعترافِ بنتائجِها مَهما كانت، ففي النهايةِ هو اختيارُ شعبٍ مَدَنيٍّ؛ لا مافياتٍ مسلحة، وتشكيلُ حكومةٍ تنالُ ثقةَ المجلسِ التشريعي المُنتَخَبِ.
كما أنّ الأحزابَ الفلسطينيةَ ستحتاجُ الكثيرَ من الجهدِ الإعلامي في معركتِها هذه؛ لكي تمسحَ ذاكَ الكَدَرَ الذي أصابَ صورتَها في عينِ المواطنِ؛ والذي يُعَدُّ هو رصيدَها الحقيقَ في هذه المعركةِ التي ستكونُ حاميةَ الوطيسِ_ لو تمّتْ_.
إضافةً إلى ذلكَ؛ إنّ الفصائلَ تحتاجُ إلى تنشيطِ أفرادِها لدفعِهم لاستكمالِ تسجيلِهم في السجلِ الانتخابي، بالإضافةِ إلى ترتيبِ صفوفِها الداخليةِ بعدَ فترةٍ من الفتورِ التنظيمي، الذي أصابَ أغلبَ الأحزابِ لتضمن مؤازراتِهم الحقيقةَ في معكرتِها الانتخابيةِ.
كما لا أحدَ يستطيعُ أنْ يُنكِرَ أنّ نظامَ القوائمِ (النسبي) سيَحمي الكثيرَ من الشخصياتِ السياسيةِ من السقوطِ المُدَوّي، الذي كان سيُصيبُها لو ترشّحتْ عبرَ نظامَ الدوائرِ؛ بعدَ أنْ تجلَّى فسادُها الإداري؛ أو انحرافُها السياسي.
سنرَى في هذه المرحلةِ مراجعاتٍ حزبيةً؛ تلمَسُ عوالقَ الأحزابِ والفصائلِ بالجمهورِ؛ عسى أنْ تكونَ لتحسينِ الأداءِ العام؛ لا أنْ تكونَ مِثلَ مَن يُرتّبُ بيتَه الرَّثَ قبلَ وصولِ زائرٍ ذي لسانٍ صليتٍ؛ فيُذيعُ ما تقعُ عينُه عليه بعدَ خروجِه.
نتمنّى أنْ تُنجَزَ الانتخاباتُ؛ وتَحدُثَ الشراكةُ الرشيدةُ التي طالَما تمَنيناها وقرأنا عنها، ولكننا لم نحياها في أيٍ من الحقبِ السياسيةِ المتلاحقةِ، وأنْ ينتهيَ “ماراثون” السلحفاةِ والأرنبِ في الأراضي الفلسطينيةِ.
فلا تكونُ مقدَّراتُنا مُقدّراتِ سُلَحفاةٍ؛ ولا أزماتُنا كَقَفزاتِ أرنبٍ.