Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقاتتربوية

عندما تميلُ بوصِلةُ الأبناءِ خطأً

الاحتواءُ الأُسريُّ بالمشاعرِ والنقاشِ؛ وفتحِ قنواتِ الحوارِ الحلُّ الأسلمُ

تحقيق: السعادة

عدمُ رضا زوجِها عن سلوكياتِ ابنِها؛ ووصْفُه “بالمتمرُّد”؛ وحاجتُه للتربيةِ من جديدٍ؛ بسببِ خروجِه طوالَ اليومِ؛ وعودتِه للمنزلِ متأخِّراً في ساعاتِ الفجرِ ، وعدمِ سماعِ كلامِ والدَيهِ؛ كانت وراءَ طردِه..، بعدَ تكرارِه لتصرّفاتِه الطائشةِ مراتٍ عديدةً .

أم قاسم “49 عامًا ” لا تًنكِرُ أنّ تصرُّفاتِ ابنِها خاطئةٌ؛ ولا يمكنُ التهاونُ فيها على الإطلاقِ؛ خصوصًا أنها ووالدَه لا يَعرفانِ ماذا يفعلُ طوالَ هذه الساعاتِ خارجَ المنزلِ! وبمَن يختلطُ؛ وما الأمورُ التي قد يُقدِمُ عليها؟ غيرَ أنها لا تَجِدُ أنّ ذلكَ كلَّه مُبرِّراً لطردِه.

وتشيرُ إلى أنّ طرْدَ الابنِ بهذا العمرِ الحرِجِ؛ سيكونُ بيئةً خصبةً له بالاختلاطِ برفاقِ السوءِ؛ واكتسابِ سلوكياتٍ سلبيةٍ وتصرّفاتٍ عدوانيةٍ؛ لافتةً إلى أنها مدرِكةٌ تماماً أنّ ابنها سيعودُ إلى المنزلِ في النهايةِ؛ لكنه رُبما يعودُ أسوأَ من ذي قبلُ، وبشخصيةٍ مختلفةٍ.

فقدَ السيطرةَ

وتنوّهُ “أم قاسم”:” إنّ والدَه فعلَ كلَّ ذلكَ؛ وكان قاسياً عليه خوفاً عليه؛ لعلَّه يتعلَّمُ من هذه التجربةِ الصعبةِ، ويعودُ أفضلَ من قبلُ، ويلتزمُ بنصائحِه؛ لكنها متأكّدةٌ أنّ ذلك سينعكسُ سَلبًا عليه، وسيَتمرَّدُ أكثرَ؛ وهذا ما يدفعُني للمطالبةِ باحتوائهِ وتغيّيرِ نمطِ المعاملةِ معه.

أمّا “أم ناصر” فتقولُ لـ ” السعادة:” زوجي يعرفُ تمامَ المعرفةِ أنّ ابني يُدخّنُ السجائرَ؛ لكنه في حالِ مشاهدتِه يدخّنُ؛ تقومُ الدنيا ولا تقعدُ، فقد طردَه منذُ أكثرَ من شهرٍ، وفي كلِّ مرّةٍ أقومُ بنقاشِ الأمرِ مع زوجي  ما يجعلُه  يثورُ من جديدٍ، حتى أنه منعَني من التواصلِ معه تماماً، معتقدًا أنه بهذهِ الطريقةِ يُربِّيهِ جيدًا!

وبعدَ مرورِ الوقتِ؛ ومع تدخُّلِ الأقاربِ؛ يعودُ إلى البيتِ؛ لكنه يعودُ إلى أسوأِ ممّا كان عليه من قبلُ! وأصبحَ يتهرّبُ دائمًا لرؤيةِ أصدقائه، الذين تعرّفَ عليهم أثناءَ بقائهِ خارجَ المنزلِ، وأصبحَ من الصعبِ السيطرةُ عليه أو إخضاعُه لضوابطَ أو معاييرَ أخلاقيةٍ؛ بل يهدّدُ دائمًا “إذا مِش عاجبكُم بطلَع من البيت”،  ولم يَعدْ والدُه يستطيعُ السيطرةَ عليه!

من جانبٍ آخَرَ، قد يُشكّلُ وجودُ الأبِ في المنزلِ اضطراباً وقلَقاً ورهبةً للأسرةِ، وسبباً رئيساً في ظهورِ أمراضٍ نفسيةٍ لدَى الأبناءِ، فتَعاملُه مع الأبناءِ يرتكزُ على إظهارِ الشدّةِ والقسوةِ في لفظِه وفعلِه، وطبيعةُ علاقتِه لا تستنِدُ  على  الأمرِ بالمعروفِ؛ والنهيِ عن المنكرِ، وكُلُّ ما يعرفُه من وسائلِ التربيةِ هو التهديدُ والوعيدُ والحرمانُ؛ ويعتقدُ أنه بذلك ينشئُ طفلاً ناضجاً سوِيّاً مطيعاً، والعكسُ هو الصحيحُ.

أزمةُ قلقٍ

محمد ” 16 عامًا” يقولُ لـ “السعادة “: وجودُ والدي في المنزلِ؛ يشكّلُ توتُرا نفسياً لي ولإخوتي الذين يكبرونَني بسنواتٍ؛ فهو شخصيةٌ عصبيةٌ بطبيعةِ الحالِ؛ ويزدادُ عصبيةً بمُجردِ رؤيتِنا.. ويبدأُ بإلقاءِ الأوامرِ والتهديداتِ والتحذيراتِ لكُلِّ شخصٍ فينا  سواءً فرداً  أو جماعةً طيلةَ الوقتِ.

ويضيفُ: نفتقرُ لأيِّ علاقةٍ مع والدِنا! ولا نعرفُ تفاصيلَ عنه أو طريقةِ تفكيرِه! وعادةً حينَ وجودِه في المنزلِ نجلسُ داخلَ غرفتِنا دونَ أيِّ أصواتٍ؛ ونتَحاشَى الخروجِ من غرفتِنا حتى لقضاءِ الحاجةِ، وللأسفِ كلّما زادَ صمتُنا وهدوءُنا؛ يعتقدُ والدُنا أنه استطاعَ تربيتَنا بالطريقةِ الصحيحةِ؛ وأنه يفرضُ سُلطتَه علينا بكُلِّ حزمٍ.

ويتابعُ: يفتخرُ والدي بالطريقةِ التي يعاملُنا بها، ويعُدُّ ذلك  إنجازاً تربوياً كبيراً! لكنْ في الحقيقةِ إنني وإخوتي لا يوجدُ لدَينا أيُّ انتماءٍ إليه! أعتقدُ أننا في المستقبلِ سنكونُ في عالمِ وتفاصيلِ حياةٍ بعيدةٍ كلَّ البعدِ عن حياةِ أبي؛ وستُصبحُ العلاقةُ شِبهَ معدومةٍ؛ إذا استمرَّ بهذا الحالِ.

أمّا شيماء “15 عامًا ” فتقول:” أعيشُ معاناةً نفسيةً مستمرةً جرّاءَ علاقتي بوالدتي؛ إذْ إنها لا تعرفُ أيَّ نوعٍ من التعاملِ؛ على الرغمِ من أنى بِكرُها، وعادةً علاقةُ الأمِّ بطفلِها الأولِ تكونُ علاقةً مميَّزةً؛ هذا ما أسمعُه من صديقاتي في المدرسةِ، أو أقرأٌهُ عبرَ الإنترنت، فعادةً ما أتساءلُ عبرَ “جوجل” عن قسوةِ أُمي معي!

وتضيفُ: في كثيرٍ من المراتِ لا أشعرُ أنها والدتي؛ فهي لا تتحدثُ إليَّ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ، وتتذمّرُ من تصرفاتي، وملابسي، وطريقةِ كلامي، وطريقةِ صناعتي للأشياءِ، وكثيرًا ما تتَّهِمُني بالتقصيرِ و”المَيالة”، وأنني لن أنجحَ في حياتي.. على الرغمِ من أنني أجتهدُ دوماً لتطويرِ قدراتي وخبراتي.

وتتابعُ “شيماء”:” على الأمهاتِ أنْ يفهمنَ أننا لَسْنا آلاتٍ نُدخِلُ لها “كوداً” معيناً؛ فتُنتجُ أفعالاً بعينِها! نحن نُخطئُ بشكلٍ متكررٍ، ونتّخذُ القراراتِ؛ وقد نفشلُ في تطبيقِها؛ ونعودُ لاتخاذِ القراراتِ مرةً أخرى؛ وهكذا نستمرُّ في المحاولةِ.

كشفتْ دراسةٌ للدكتورِ “عدلي السمري” أستاذِ الاجتماعِ بالمركزِ القومي للبحوثِ الاجتماعيةِ والجنائيةِ في مصرَ؛ أنّ ضرْبَ الآباءِ لأبنائهِم؛ وتعنيفَهم المستمرَّ لهم؛ يُربّي عُقداً نفسيةً لدَى الأبناءِ، بل ويزيدُ من العنفِ الأسري إلى أنْ يتفاقمَ ؛ ويمثلَ مشكلةً من الصعبِ مواجهتُها إذا انتقلَ العنفُ من الأسرةِ إلى المجتمعِ؛ وأصبحَ شكلاً من أشكالِ السلوكياتِ الشاذةِ، وأمّا ضحاياهُ فمؤهَّلونَ نفسيًا لممارسةِ الإرهابِ النفسي على الأفرادِ؛ ما يهدِّدُ أمنَ المجتمعِ.

ودعتْ الدراسةُ الآباءَ والأمهاتِ إلى توَخي الحذرِ في تربيةِ أبنائهم؛ فكثرةُ الضربِ والتوبيخِ يؤدي إلى نتائجَ يمكِنُ الاستغناءُ عنها؛ إذا استخدمَ كلٌّ من الأبِ والأمِّ ما يسمَّى بالعقابِ البديلِ أو الاحتواءِ؛ والذي يتلخصُ في حرمانِ الطفلِ ممّا يحبُّه؛ بدَلاً من الإيذاءِ البدَني الذي يؤدّي إلى العديدِ من الأمراضِ النفسيةِ.

الاحتواءُ حَلٌّ..

من جانبِه يؤكّدُ الدكتور “منير رضوان”، استشاري العلاقاتِ الأُسريةِ على أهميةِ الاهتمامِ بالأبناءِ؛ واحتوائهم عندَ حدوثِ مشكلةٍ أوِ انحرافٍ سلوكيّ أو فكريّ، وأنْ يكونَ تعامُلُ الآباءِ مع الأبناءِ بحِلمٍ ورَويَّةٍ، واحتوائِهم عندَ حدوثِ مشكلةٍ منهم أو خطأٍ؛ حتى لا تتحوّلَ المشكلةُ البسيطةُ إلى انحرافٍ سلوكيّ وفكريّ؛ لأنّ التصرّفَ مع الأبناءِ بطريقةٍ صحيحةٍ عندَ ارتكابِهم أيَّ خطأٍ؛ كضَربِهم أو طردِهم من البيتِ إلى الشارعِ؛ عندَ حدوثِ مشكلةٍ أو انحرافٍ سلوكيّ وفكريّ يقودُ لمشكلةٍ أكبرَ؛ فكَم من خطأٍ صغيرٍ تحوّلَ إلى مشكلةٍ كبيرةٍ يصعبُ حلُّها.

ويضيفُ: في حالِ حدوثِ خطأ أو مشكلةٍ؛ لا بدَّ من احتواءِ الأبناءِ ومناقشتِهم في الخطأِ، وحثِّهم على معرفةِ سببِ المشكلةِ، وإشراكِهم في وضعِ الحلولِ والعقابِ؛ إنْ تطلّبَ الأمرُ ذلك؛ مُستطرِداً: للأسفِ هناكَ القليلُ من الآباءِ مَن يأخذُ الموضوعَ برَوِيَّةٍ.. ويتفهمُ الأمرَ.

ويضيفُ: على الأبِ عندَ ارتكابِ ابنِه الخطأَ ألّا يكونَ قرارُه في التعاملِ مع ابنِه وليدَ اللحظةِ، ولا يتعاملْ معه بعنفٍ، ويسترجعْ القديمَ وكأنه ينتظرُ أنْ يَحدُثَ منه شيءٌ؛ ويمسِكُ عليه الزلّةَ؛ هذا الأسلوبُ لا يُجدي نفعاً أبدأ، فمِن المؤكّدِ أنّ الغضبَ لا يؤدّي لحلِ المشكلةِ؛ بل يزيدُ من تعقيدِها، وسيَجعلُه  يتحدّي السلطةَ أيّاً كانت في الأُسرةِ وغيرِها؛ ولو حصلَ له مشكلةٌ أكبرُ.

وأوضحَ: إنّ هناكَ ما يسمّى “التعاقدُ” ؛ متعارَفٌ عليه في التواصلِ مع الأبناءِ؛ لفتحِ قناةٍ للحوارٍ؛ ومناقشةِ الخطأِ؛ وأسبابِ حدوثِه؛ وهو عبارةٌ عن اتفاقٍ غيرِ مكتوبٍ بينَ الأبِ وابنِه؛ لمعرفةِ أسبابِ المشكلةِ؛ ومناقشةِ الحلولِ؛ وأخذِ التفاصيلِ؛ ويكونُ بالاتفاقِ على الحلولِ وتنفيذِها، وأنْ لا يُملي الأبُ عليهِ الأوامرَ أو الحلولَ؛ بل يُشرِكُه في طريقةِ ومدّةِ التنفيذِ، وفي حالِ حدثَ خللٌ في التنفيذِ؛ وَجبَ على الأبِ أنْ يتفَهمَ الوضعَ للتخفيفِ من نتائجِه، ويناقشَه في الخلَلِ بالاتفاقِ بدونِ انفعالٍ.

وحذّرَ استشاري العلاقاتِ الأسريةِ من مقارنةِ الأبناءِ بغيرِهم؛ وهذا غلطٌ يقعُ فيه معظمُ الآباءِ والأمهاتِ؛ وللأسفِ وكأنهم يطلبونَ من أبنائهم بأنْ يكونوا نسخةً عن غيرِهم، وهذا خطأٌ لا يُغتفَرُ.. ومن أسوأِ ما يكونُ في التعاملِ مع الأبناءِ؛  ما يقودُ  إلى معظمِ المشاكلِ النفسيةِ والاجتماعيةِ لدَى الأطفالِ والمراهقينَ.

قنواتُ حوارٍ

وشدّدَ على أهميةِ الوقايةِ من حدوثِ المشاكلِ مع بالأبناءِ؛ وذلك بالحوارِ والمناقشةِ والاهتمامِ، وقالَ:” فتحُ قنواتٍ للحوارِ مع الأبناءِ؛ ومَنحُهم الاهتمامَ والمتابعةَ؛ يمنعُ من حدوثِ المشكلةِ؛ فالحوارُ مع الأبناءِ، ومناقشتُهم في الأحداثِ اليوميةِ في حياتِهم: “مِثلَ المدرسةِ، والشارعِ، والأصدقاء” بهدوءٍ وبدونِ انفعالٍ أو غضبٍ؛ أو إملاءِ الأوامرِ عليهم؛ حتى يعطيهم الإحساسَ بالأمانِ والثقةِ والقدرةِ على البوحِ بكُلِّ ما يَحدثُ معهم؛ ومن خلالِ ذلكَ يستطيعُ الأبُ أنْ يَعرِفَ شخصيةَ ابنِه، ومن يصاحبُ، وكيف هو وضعُه في المدرسةِ، إلى جانبِ التواصلِ مع المدرسةِ، والسؤالِ الدائمِ عن الابنِ”.

وبيّنَ أنّ الانحرافِ السلوكي قبلُه انحرافٌ فكريٌّ؛ لأنّ الانحرافَ الفكري يَتبعُه انحرافٌ سلوكيٌّ؛ سواءٌ كان توَجُهاً دينياً أو طائفياً، فبعضُ الآباءِ للأسفِ هو مَن يدفعُ ابنَه للانحرافِ؛ لأنهم لا يناقشونَ أبناءَهم.. وقد يعودُ ذلكَ لعدّةِ أسبابٍ؛ إمّا لأنهم لم يَتربّوا على النقاشِ، أو قد يكونُ الأبُ كبيراً في السنِّ، أو لِجَهلٍ منه في أهميةِ النقاشِ والحديثِ مع الأبناءِ.. وغيرِها من الأسبابِ ، أيضاً بعضُهم هم من يدفعونَ أبناءَهم للانحرافِ بدونِ قصدِ، فمثلا ً: يدفعُه للتوجُّهِ الفكري بِحَثِّهِ على الالتزامِ والتشدّدِ في الدِّينِ؛ بدونِ أنْ يناقشَه في بعضِ الأفكارِ والمفاهيمِ التي تقودُه للانحرافِ الفكري؛ وحدثَ ذلكَ مع الكثيرِ الذين اتّضحَ أنهم يفرحونَ بتدَيُّنِ أبنائهم في طفولتِهم ثُم التشدُّدِ ؛ منوِّها أنّ هناكَ أُسَراً _للأسف_ تُهمِلُ أبناءَها رغمَ معرفتِها بالمشكلةِ؛ ولا تتحرّكُ إلّا خوفًا من الفضيحةِ؛ بعدَ أنْ يستفحِلَ الوضعُ.

ودعا الآباءَ العاجزينَ عن التعاملِ مع مشاكلِ أبنائهم واحتوائهم إلى الاستعانةِ بمُتخصِّصينَ، وشدّدَ على أهميةِ الاحتواءِ؛ لأنه إذا وُجدَ احتواءٌ واهتمامٌ ومتابعةٌ؛ بالطبعِ سيتَغيّرُ الحالُ.. وفي الأصلِ من البدايةِ لن ينحرفَ سلوكيًا أو فكريًا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى