الشغفُ والطموحُ يدفعانِ بخطواتِ العِشرينيةِ “آية المتربيعي” إلى العالمية

“إحنا في غزة قادرين نرسم، وقادرين نلوّن، ونكتب، ونصنع أفلام من قصصنا وشخصياتِنا، وبذكائنا نوصِلُها للعالمِ، ونتنافس، ونكون الوحيدين من غزة بمِثلِ هذه مهرجانات وقادرين نفوز” !
بهذه العباراتِ تحدّثتْ عن شغفِها الحقيقِ، وطموحِها الكبيرِ، الذي يدفعُ الإنسانَ إلى جمعِ تجارِبِه التي حصدَها على مدارِ الأيامِ التي تَنفّسَ فيها؛ ليصنعَ منها “فيلماً ” يصبحُ تماماً كالابنِ الذي يُنجِبُه من صُلبِه؛ فيضيفُ إليه صباحَ كلِّ يومٍ أفضلَ خبراتِه وقدراتِه وإمكاناتِه؛ ليُصبحَ بعدَها لُغتَهُ إلى العالمِ؛ هذا باختصارٍ ما حدثَ مع فيلمِ “دارة” الذي أصبح لُغةَ صانِعَتِه للوصولِ إلى العالميةِ حينَ جمعَ في تفاصيلِه توليفةً لرحلةِ بَحثٍ طويلةٍ وعميقةٍ.
كوفيةٌ فلسطينيةٌ
“آية المتربيعي”، عشرينيةٌ تَدرسُ في الجامعةِ الإسلاميةِ في قسمِ إدارةِ الأعمالِ باللغةِ الإنجليزيةِ؛ تَروي قصَّتَها، فتُلخّصُ مسيرةً كاملةً؛ بدأتْها في عالمِ صناعةِ الأفلامِ، ما بينَ الشغفِ والتحدياتِ؛ وذلكَ بعدَ رحلةٍ طويلةٍ مع مواهبَ مختلفةٍ في مَواطنِ الفنونِ السمعيةِ والبصريةِ، بينَ الكتابةِ والتصويرِ والصوتِ؛ وصولًا إلى “دارة” الذي وُلدَ في غزةَ المحاصَرةِ والدائرةِ الصغيرةِ، وبدأَ يُحلّقُ في سمائها بكوفيةٍ فلسطينيةٍ، رُبما ليست بنفسِ الطريقةِ الدائريةِ؛ إلّا أنه وصلَ للعالميةِ مُحقّقًا نجاحًا باهرًا.
وتقولُ آية لـ”السعادة” تقدّمتُ للمهرجانِ في شهر سبتمبر لعامِ (2019)؛ ليكونَ “دارة” الفيلمَ الوحيدَ من غزةَ ضِمنَ أكثرَ من (400) فيلمٍ مشارِكٍ! تأهّلَ منها ما يقاربُ (60) فيلمًا للمرحلةِ الأولى؛ ليَتِمَّ بعدَها الإعلانُ عن بدءِ التصويتِ لمدةِ شهرٍ لجائزةِ الجمهورِ؛ واختيارِ أكثرَ عشرةِ أفلامٍ تمَّ التصويتُ لها؛ ثُم قامَ الحُكّامُ بترشيحِ (3) أفلامٍ من ضِمنِها “دارة”؛ وهو فيلمُها الفائزُ بجائزةِ الجمهورِ، والمرشّحُ لجائزةِ أفضلِ إنتاجٍ.
وتضيفُ: تمَّ إنتاجُ الفيلمِ عامَ (2019)؛ وهو من الألِفِ إلى الياءِ من صناعةِ أفكاري، وعادةً عندما أتحدّثُ عنه؛ أقولُ إنني حِكتُه “غُرزةً غُرزة”،لاسيّما وأنه فيلمٌ وثائقيٌّ بورتريه شاعري؛ تقومُ فكرتُه على عرضِ فلسفةِ الدائرةِ في حياةِ شابّةٍ فلسطينيةٍ؛ وهي الشابةُ “يارة أيوب”، وهي أخصائيةُ بصرياتٍ، وهاويةٌ للتطريزِ الفلاحي.
وتُتابعُ قائلةً: “حاولتُ أنْ أُبرِزَ كيف توَفّقُ “يارة” بينَ هذه الدوائرِ، وهل من دوائرَ جديدةٍ تطمحُ لها في حياتِها؟ مشيرةً أنّ “دارة” تَعني الدائرةَ باللغةِ العربيةِ. وتضيفُ، ينتهي “دارة” بجملةِ: “في كلِّ مرّة بنضيف دوائرنا؛ اهتماماتنا وشغفنا، بنكبر، بلكي بنصير جزء من هذا العالم”. والتي رُبما تلخِّصُ الأحلامَ المشترَكةَ بينَ “آية” الصانعةِ و”يارة” البطلةِ.
غيابُ الحاضنةِ
وتستطردُ: “بعدَ إنهاءِ الفيلمِ؛ عهدت نفسي أنه يدور، نظرت إليه وقلت لازم “دارة” يدور، وهذا ما حصلَ بالفعل”، لقد تمَّ عرضُ فيلمِ “دارة” في مهرجانٍ مَحلّي بمؤسسةِ أيامِ المسرحِ، كما تمَّ عرضُه في مهرجانِ أفلامِ الطلابِ من فلسطينَ، في جامعةِ “ديوك” الأمريكيةِ، والذي طلبتْ إدارتُه أنْ يكونَ الفيلمُ ضِمنَ الأرشيفِ الفلسطينيّ للأفلامِ في مكتبةِ “روبنشتاين” التابعةِ للجامعةِ، والتي تصنيفُها ضِمنَ أفضلِ (10) جامعاتٍ في العالمِ.
وحولَ الإشكالاتِ التي واجهتْ “المتربيعي” في إنتاجِ الفيلمِ، تقولُ: هناك العديدُ من التحدّياتِ والمشكلاتِ التي تواجِهُ صناعةَ الأفلامِ في قطاعِ غزةَ؛ أهمُّها غيابُ المؤسساتِ الحاضنةِ والإنتاجيةِ، إضافةً إلى ذكورةِ النظرةِ المجتمعيةِ؛ إذْ أنّ المجتمعَ لا يُحبّذُ دخولَ الإناثِ إلى عالمِ الأفلامِ أوِ الإعلامِ بصفةٍ عامة ، أمّا عن التحدياتِ الخاصةِ فكانت صعوبةَ الدمجِ بينَ الدراسةِ والشغفِ في إنتاجِ الفيلمِ، مشيرةً إلى أنَّ التحدّيَ الأكبرَ أثناءَ هذه المشاركةِ؛ هو ضرورةُ تحديدِ دولةِ الفيلمِ المشاركِ، وفي ذلكَ تقولُ: “المفاجأةُ الأكبرُ أنك ستَجدُ كلَّ ما يَخطرُ ببالِكَ من البلادِ عبرَ القاراتِ؛ إلّا فلسطينَ غائبةً عن هذه القائمةِ؛ ما اضطّرني لاختيارِ الأردن”.
طالباتُ الثورةِ
وتَسردُ آية لـ “السعادة “: “دارة” لم تكنْ التجرِبةَ الأولى.. فقد أهداني والدي _رحِمَه اللهُ تعالى_ كاميرا وأنا في بدايةِ المرحلةِ الثانويةِ؛ ومن هنا اكتملَ الشغفُ في صناعةِ أولِ فيلمٍ قصيرٍ أسميتُه حينها “طالبات الثورة”، جسّدتُ فيه حياةَ (7) طالباتِ باللغةِ الإنجليزيةِ تَحدَّثنَ فيها عن القضايا التي يعاني منها القطاعُ بطريقةٍ رمزيةٍ؛ فتَحدَّثنَ عن آلامِهِنَّ، والمعابرِ، والشبابِ، والبطالةِ، والحروبِ، وطموحاتِهنَّ، وأهدافِهنّ، وأنهنَّ لَسْنَ مُجرَدَ أرقامٍ، ووصلتُ لنهايةِ فيلمٍ مفتوحةٍ بالأملِ طالَما الثورةُ باقيةٌ.
هو بدايةُ المشوارِ الفني، الذي تكلّلَ بمشاركةِ الفيلمِ في مسابقةٍ وطنيةٍ لمؤسسةِ “مفتاح” في رامَ الله عامَ( 2016) وفازَ حينَها بالمركزِ الأولِ، ولن أنسَى ما حَيِيتُ إيميل المؤسّسةِ التي كانت تُخبرُني به عن دعمِهم ووقفوهِم إلى جانبِنا.
في ديسمبر عامَ (2019) أنتجتُ فيلمَ “راء “وسبَقَه فيلمُ “بقاء ” و15/5 ؛والذي تمَّ عرضُه في اليومِ الفلسطيني المقامِ في “كوستاريكا”؛ وتمَّ ترجَمتُه إلى الإسبانيةِ؛ فشعرتُ بالفخرِ بأن استطعتُ وكأولِ مُخرِجةٍ صغيرةٍ أنْ تصِلَ أعمالي خارجَ هذه الحدودِ، أمّا في نوفمبر عامَ (2017) أنتجتُ فيلمَ “راء” للكثيرِ من المهرجاناتِ، والتي توَقّفَ أغلَبُها بسببِ “كورونا” .
أمّا بطلةُ فيلمِ “دارة”؛ يارة أيوب فتقولُ: أنْ تَصِلَ قصّتُك وأحلامُك وطريقتُك في الحياةِ إلى العالميةِ؛ أمرٌ لن يَحدُثَ إلّا إذا كنتَ تمتلكُ صديقةً شغوفةً ومليئةً بالحياةِ “كآية”، والفضلُ يعودُ إلى والدِ “آية” _ رحِمَه اللهُ _صاحبِ الدورِ الأبرزِ في صقلِ موهبتِها وتقديرِها؛ حيثُ كان أولَ مَن أهداها الكاميرا وهي في الصفِّ التاسعِ، والذي لم يَفتُرْ لِلَحظةٍ أنْ يُلقِّبَها بالأولى؛ ما صنعَ منها شخصيةً مؤَثّرةً جدّاً، وليستْ عاديةً” ويجعلُها تتَمحورُ في الفكرةِ فتصنعُها صناعةً تامّةً.