الكاتبة / رشا فرحات
كنتُ أتوقعُ أننا شعبٌ لا نتقنُ لغةَ التعبيرِ عن الحُبِّ، ولا نَعرفُ دورَها في تعزيزِ التواصلِ مع الآخَرينَ،أو رُبما رُهنَ هذا الأمرُ بطرُقِ التربيةِ المختلفةِ بينَ أسرةٍ وأخرى ، هناك من يعبّرُ لكَ عن حبِّه باحتضانٍ.. وهناكَ من يكتفي بالسلامِ، وهناك من لا فارِقَ لديهِ .
حتى أنني قابلتُ رجالاً ونساءً؛ أخبروني أنهم لا يَذكرونَ احتضاناً واحداً من آبائِهم أو أمهاتِهم !! وأنا أيضاً لم أكُن أعرِفُ مُسبقاً أهميةَ ذلكَ في تربيةِ أبنائي.. تعرَّفتُ على ذلكَ متأخِّرةً؛ بعدَ أنْ اكتشفتُ أنني أنا مَن يحتاجُ احتضانَهم أكثرَ من حاجتِهم لذلكَ .
ومع انتشارِ جائحةِ “كورونا”؛ اكتشفتُ _أكثر_ أهميةَ الاحتضانِ بعدَ غيابٍ ..خاصةً لمَن نحبُّهم من الأهلِ والأصدقاءِ .
فبَعدَ انقطاعي عن زيارةِ عمتي لأكثرَ من ثلاثةِ أشهرٍ؛ ذهبتُ هكذا في زيارةٍ باردةٍ دونَ احتضانٍ؛ بدونِ أنْ أطبعَ قُبلةً على ظهرِ يدِها؛ وكنتُ أعتقدُ أنّ ذلك لا يشكّلُ فَرقاً.. لكنه كان في تلكَ اللحظةِ فارقاً جدّاً بالنسبةِ لي !
وحينما اجتمعتُ بزميلتي بعدَ غيابِ شهرينِ لإصابتي “بكورونا”؛ ثُم إصابتِها وعائلتَها؛ توَقّفنا في منتصفِ غُرفتِنا في العملِ؛ هكذا نتبادلُ كلماتِ وتهنئاتِ السلامةِ؛ دونَ أنْ نمُدَّ أيدينا أو نتبادلَ عناقاً حاراً .
لقد كان الأمرُ فارِقاً جداً؛ يفتقدُ لكثيرٍ من الحُبِّ .
ولعلَّ أهمَّ درسٍ تعلَّمتُه من جائحةِ “كورونا”؛ هو ذلكَ الغيابُ القّسريُّ عمَّن نحبهُّم، غيابُ السلامِ بينَنا؛ لو اضطَّرتنا الظروفُ لأنْ نتقابلَ، ونتقابلَ مُضطَّرينَ ..تخيَّل !
أنا التي كنتُ أحسبُ نفسي “بيتوتيةً”؛ اشتقتُ كثيراً للناسِ، “والجنةُ من غير ناس ما بتنداس”، اشتقتُ لسهرةٍ مع صديقةٍ دونَ أنْ نحسبَ عددَ الساعاتِ؛ خوفاً من التأخّرُ قبلَ موعدِ الإغلاقِ والحظرِ.
اكتشفتُ معنَى أنْ يأتي صديقُكَ ليُهنِّئكَ بنجاحٍ أو بعِيدِ ميلادٍ، وتستقبلَه هكذا بإشارةٍ من بعيدٍ؛ دونَ أنْ تأخذَه بعِناقٍ طويلٍ لتُعبّرَ له عن سعادتِكَ به !!
لقد قطعتْ “الكورونا” كثيراً من حِبالِ الشوقِ، وبدأنا نتأقلَمُ مع وضعِنا الجديدِ؛ لكنّ في القلبِ غُصَّةً، وشوقاً للِقاءِ جديرٍ بمحبةٍ مَن حولَنا .
اللهم اصرِفْ عنا هذا الوباءَ