
سلفيت مدينةٌ فلسطينيةٌ تعلو عن سطحِ البحرِ (570)م؛ وهي مركزٌ لمحافظةِ سلفيت؛ تقعُ على تلّةٍ جبليةٍ؛ تطلُّ من الجهةِ الغربيةِ على “وادي عين المطوي”؛ ومن الجهةِ الشرقية على “وادي الشاعر-عين الباط“وتبعد عن نابلس (26) كم إلى الجنوب الغربي، تبلغُ المساحةُ الكُلية لبلدةِ سلفيت حوالي (22,540) دونماً، أضيفَ إليها عام (2010) أراضي قريةِ خربةِ قيس، التي تبلغُ مساحتُها حوالي (3,147) دونماً؛ وبذلك أصبحتْ مساحةُ البلدةِ حوالي (26) ألفَ دونم؛ ويقدّرُ عددُ سكانِها بحوالي( 12000) نسمة، ويعتمدُ النشاطُ الاقتصادي فيها على الزراعةِ؛ فيزرعُ فيها الزيتونُ واللوزُ والتينُ والعنبُ والتفاحُ.
الداخلُ لمدينةِ سلفيت يرى الأشجارَ والنباتاتِ الخضراءَ في كلّ مكانٍ؛ يرى المعالمَ الفلسطينيةَ التي ما زالت المدينةُ تحتفظُ فيها في كلِّ زاويةٍ من شوارعِها وأزِقّتِها وبيوتِها؛ فالعراقةُ والأصالةُ تشهدُ على تاريخِها الأصيلِ، ورائحةُ الأكلاتِ وقتَ الظهيرةِ تُخبِرُنا بفلسطينيةِ المكانِ. “السعادة” كان لها جولتُها في مدينةِ سلفيت .
نبذةٌ تاريخيةٌ
سلفيتُ مدينةٌ كنعانيةُ الأصلِ؛ سمّاها القدماءُ “سل فيت”؛ فالكلمةُ مكوّنةٌ من مقطعينِ؛ أصلُ الكلمةِ لاتينيةٌ؛ ويقالُ إنها تعني “سلةَ العنبِ”؛ ولكنّ “سل فيت” باللاتينيةِ تَعني “مُعتمدةَ الملحِ “؛وبالتركيةِ تعني أساساتِ القدمِ؛ وبالعبريةِ لها معنيانِ: سلةُ الحوريةِ، وسلةُ الخبزِ، ولكنْ يُحتمَلُ أنها بالسابقِ كانت تَعني باللاتينيةِ العنبَ؛ دلالةً على شهرتِها بزراعةِ العنبِ، وقد اكُتشفتْ عدّةُ معاصرَ حجريةٍ حولَ المدينة.
تَبعِتْ سلفيت ولايةَ بيروت خلالَ الفترةِ العثمانيةِ؛ لكنها في عامِ( 1882)م أُتبِعتْ لقضاءِ نابلس؛ الذي امتدَّ من مشارفِ الغورِ؛ حتى البحرِ الأبيضِ المتوسطِ، وفي عهدِ الانتدابِ البريطاني تمَّ سلخُ قرى كفر قاسم غرباً، وقرى بني زيد جنوباً، وحوارة وعينبوس شرقاً وبقيتْ سلفيت ومحيطُها مجردَ ناحية.. ومنذُ عامِ (1965)م عادت لتصبحَ قريةً تَتبعُ إدارياً لإيلات، وفي أواخرِ الستيناتِ من القرنِ الماضي أصبحتْ قريةً كبيرةً نسبياً.
السكانُ الأصليونَ للمدينةِ يشكّلونَ الغالبيةَ العظمَى لسكانِها الحاليّينَ؛ ذلكَ رُبما يعودُ لطبيعةِ ملكيةِ السكنِ، وعدمِ وجودِ مساكنَ للإيجارِ داخلَ المدينةِ بشكلٍ يزيدُ عن حاجتِها الخاصةِ، أمّا فيما يتعلقُ بالحركةِ المؤقتةِ فيلاحظُ أنه يوجدُ حركةٌ نشطةٌ من إقليمِ سلفيت لداخلِها.
عراقةُ المكانِ:
تمتازُ البلدةُ القديمةُ في المدينةِ، بالطابعِ العمرانيّ التقليديّ من عناصرَ معماريةٍ؛ كالأقواسِ والعقودِ والأحواشِ الداخليةِ، والطرُقِ المتعرجةِ والحاراتِ التي تطلُّ على عينِ الماءِ التي كانت تروي البلدةَ القديمةَ ، إلى جانبِ أنّ انخفاضَ الطبوغرافيةِ الجنوبيةِ للبلدةِ القديمةِ، والانحدارَ الشديدَ فيها قد منعَها من التوَسّعِ في الناحيةِ الجنوبيةِ؛ إلّا أنّ البلدةَ القديمةَ قد حافظتْ على طابعِها بشكلِ عام؛ باستثناءِ بعضِ الإضافاتِ الجديدةِ التي أُلحقتْ بالمباني القديمةِ؛ وعملتْ على تشويهِ المنظرِ العام.
لمدينةِ سلفيت ثلاثةُ مداخلَ تربطُها مع ما حولَها من مدنٍ وقرى؛ تتمثلُ بالمدخلِ الشرقي: يصلُ المدينةَ بالخطِّ الرئيسِ “رام الله – نابلس”، أمّا المدخلُ الغربي يصلُ المدينةَ أيضاً بمدينةِ رام الله؛ عبرَ طريقينِ فرخة – قراوةِ بني زيد المدخلِ الشمالي: يصِلُ المدينةَ بالطريقِ الرئيسي (أريحا- كفر قاسم- نابلس) وقد كان مغلقاً في السابقِ بسببِ قُربِه من الطريقِ الالتفافي، ومدخلِ “مستوطنة أرائيل”؛ إلّا انه في أوائلِ عامِ(2011) تمَّ فتحُه لمرورِ عددٍ من الباصاتِ (شركةِ مواصلاتِ سلفيت) وعددٍ من العُمومي.
يوجدُ في سلفيت عددٌ من الخِربِ المحيطةِ بها؛ ومن أهمِّ هذه الخِربِ: خربةُ عدسِ؛ تقعُ غربَ البلدِ (1.5)كم، خربةُ قلعةِ السبعِ شمالَ البلدِ (1.5) كم، خربةُ أبو البدوي؛ وهي منطقةٌ يقالُ لها “الدير”؛ فيها مجموعةٌ من الكهوفِ الأثريةِ.
خربةُ جلال الدين (المطوي)؛ تقعُ إلى الغربِ من مدينةِ سلفيت، على قمّةِ جبلٍ متّصلٍ من الغربِ والشرقِ، ومُنحَدرٍ من الجهتينِ الشماليةِ والجنوبيةِ، ويحيطُ بالموقعِ من جميعِ الجهاتِ سورٌ مبنيٌّ من حجارةٍ كبيرةٍ، ومتوسطةِ الحجمِ، وقد بُنيَ السورُ بمداميكَ أفقيةٍ شِبهِ منتظمةٍ، وكِفل حارس فيها مقامُ “ذي الكِفلِ”؛ وهو عبارةٌ عن غرفةٍ فيها قبرٌ.. ويدَّعي المحتلُّ الإسرائيلي أنّ هذا الضريحَ يضمُّ أحدَ الجواسيسِ الذين أرسلهم “موسى” عليه السلام إلى بلادِنا ويسمَّى بالعربيةِ ذو الكِفلِ .
خربةُ الشجرةِ للشمالِ من سلفيت؛ تحتوي على أبنيةٍ متهدمةٍ، وبُرجٍ له نوافذُ إلى الغربِ، وصهاريجُ منقورةٌ في الصخر،ِ وتقعُ الخربةُ إلى الجهةِ الشماليةِ من مدينةِ سلفيت، على قمّة ِجبلٍ متّصِلٍ من الجهتينِ الشرقيةِ والغربيةِ، وشديدِ الانحدارِ من الجهةِ الشماليةِ والجنوبيةِ، وتَنقسمُ هذه الخربةُ إلى قسمينِ شرقيٍّ وآخَرَ غربيٍّ ،خربةُ الكبارة : خربةُ اللوزِ: تحتوي على صهاريجَ ومدافنَ، ومازالت بقايا جدرانِها المتهدمةِ ماثلةً للعيانِ،بينما خربةُ بنتِ الحبس: للغربِ من سلفيت؛ وتحتوي على أنقاضِ غرفةٍ، وبقايا جدرانٍ وأكوامِ حجارةٍ، أمّا خربةُ الشجرةِ: تقعُ الخربةُ إلى الجهةِ الجنوبيةِ الغربيةِ من مدينةِ سلفيت، على قمّةِ جبلٍ متّصِلٍ من الجهتينِ الجنوبيةِ والغربيةِ، وشديدِ الانحدارِ من الجهةِ الشماليةِ، وتُشرِفُ على نبعِ ماءٍ يُعرفُ باسمِ “عينُ فريج”، ويحيطُ بالخربةِ سورٌ مبنيٌّ بحجارةٍ كبيرةٍ ومتوسطةِ الحجمِ
.
زقاقُ العينِ :
انتقلتْ “السعادة” إلى منزلِ الحاج أحمد سليم العريض (78 عامًا)؛ الكائنِ في البلدةِ القديمةِ بمدينةِ سلفيت؛ حيثُ يقفُ متأملاً الأطفالَ الذين جاءوا للّعبِ في الساحةِ التي رُمّمتْ حديثاً؛ بعدَ أنْ تُركتْ مهجورةً لعشراتِ السنينَ.
تَصلُ إلى الساحةِ من خلالِ ممرٍّ ضيقٍ؛ عُلّقَ على مدخلِه لوحةٌ زرقاءُ؛ كُتبَ عليها اسمُ الحارةِ “زقاق العين”؛ تُشاهدُ منازلَ قديمةَ العهدِ؛ شُيّدتْ غالبيتُها في الخمسينياتِ، وما زالت أبوابُها مفتوحةً حتى اليومِ للضيوفِ، ولمَن يحتاجُ للزادِ أوِ الماءِ من المارّةِ، أوِ العاملينَ بالقربِ من المنطقةِ.
بلديةُ سلفيت أعلنتْ منذُ بدايةِ العامِ الجاري؛ أنه سيكونُ عامَ ترميمِ البلداتِ القديمةِ في المدينةِ، وبدأتْ بترميمِ حديقةِ هذا الحيِّ؛ والتي باتتْ مُلتقىً جميلاً يجمعُ الجيلَ الجديدِ مع كبارِ السنِّ.
يقولُ أحدُ القاطنينَ في الحيِّ:” طفولتُنا كلُّها في هذا المكانِ، ترَبّينا على حُبِّ الخيرِ والعطاءِ، كانت كلُّ عائلةٍ تسكنُ في غرفةٍ واحدة، ولا يَفصلُ بينَ الجيرانِ شيءٌ، اعتدْنا على مشاهدةِ نساءِ الحيِّ حينَ يجتمِعْنَ يومياً بالقربِ من الطابونِ لإعدادِ الخبزِ والطعامِ، وفي الصيفِ يتسامرُ كبارُ السنِّ حتى الصباحِ، والأطفالُ يستغلّونَ الوقتَ للّعبِ في زقاقِ الحارةِ، وفي الشتاءِ نُشعلُ النارَ للتدفئةِ؛ ونجلسُ جميعاً بالقربِ من “الموقدة”.
الحياةُ قديمةٌ :
يروي لنا كيف كانت حياةُ العائلةِ في السابقِ؛ تعتمدُ على تربيةِ الأغنامِ والأبقارِ، وتعتاشُ على خيراتِها، وزادُنا الأساسُ هو الحليبُ والجِبنُ واللبنُ، والأكلاتُ الشعبيةُ كالمسخّنِ الفلسطيني، والمفتولِ الذي تقومُ بفَتلِه الحجّاتِ وسطَ أصواتٍ عذبةٍ من الأغاني والأهازيجِ الشعبيةِ، وفي المواسمِ المختلفةِ نذهبُ جميعاً إلى الأرضِ؛ ونعاونُ بعضَنا في قطفِ الزيتونِ، وقطفِ الميرمية، والزعترِ، والخُبيزة.
يقولُ الحاجُّ أحمد :”بقينا هكذا لغايةِ السبعينياتِ؛ إلى أنْ سكنَ كلُّ واحدٍ في منزلٍ مستقلٍّ؛ لكنّ الجيلَ الجديدَ وَرِثَ الخيرَ في داخلِه، والانتماءَ إلى هذا المكانِ”.
وعندَ السؤالِ عن اسمِ العائلةِ التي تسكنُ في هذه الحارةِ؛ يأتيكَ الردُّ مباشرةً من إحداهُنَّ، وتقولُ: هذا الزقاقُ يجمعُ (15) عائلةً مع بعضِها من عائلاتٍ مختلفةٍ؛ منها( الرمال، وعبد الجواد، وطه، وعودة، ونياز)، ولا فرقَ بينَنا..، الناسُ هنا جيرانٌ وأحبابٌ وأقاربُ بالعِشرة.
في حديثٍ مع الشابِّ “خالد الرملي”؛ أحدِ الشبانِ الذين يسكنونَ المدينةَ يقولُ:” نحاولُ جاهدينَ حمايةَ مدينتِنا من التهويدِ؛ فنعملُ على التمسّكِ بالعاداتِ الفلسطينيةِ، والتراثِ الشعبيّ؛ حتى لا تضيعَ الهويةُ الفلسطينيةُ من خلالِ الفعالياتِ والأنشطةِ التي يُنَسّقُ لها جميعُها تحتَ شعارِ (الحفاظِ على الهويةِ الفلسطينيةِ من الاندثارِ والطمسِ) .
ترميماتٌ جديدةٌ :
تحدّثَ رئيسُ بلديةِ سلفيت، عبد الكريم زبيدي:” إنّ البلديةَ تسعَى لحمايةِ الذاكرةِ الجماعيةِ، والحفاظِ على النسيجِ العمراني للأحياءِ القديمةِ، وتُقدّمُ كلَّ الدعمِ والإمكاناتِ من أجلِ حمايةِ هذا الموروثِ.
ويوضّحُ زبيدي:” إنّ البلديةَ قامت بشراءِ مساحةِ (181) مترا في “زقاقِ العينِ”؛ كانت مهجورةً منذُ عدّةِ سنواتٍ؛ وعملتْ على ترميمِها لتكونَ حديقةً عامةً لأهالي الحيِّ والمدينةِ، وهناكَ (50) دونماً بحاجةٍ إلى ترميمٍ في حاراتٍ أُخرى من البلدةِ القديمة.
يضيفُ:”هذه المرحلةُ الأولى من مشروعٍ ضخمٍ لترميمِ البلدةِ القديمةِ كاملةً؛ سيَشملُ الترميمُ كافةَ أحياءِ البلدةِ القديمةِ، لكنّ جائحةَ “كورونا”، وفترةَ الطوارئِ كانت العقبةَ الكبرى أمامَ تسريعِ العملِ، وحاولْنا جاهدينَ أنْ نتخطّاها، ونجدَ فرصةَ عملٍ في الترميمِ؛ مع اتّخاذِ الإجراءاتِ اللازمةِ للعمالِ، الذين تعطّلوا عن عملِهم بسببِ ما فرضَه علينا الفيروسُ.
يذكرُ رئيسُ البلديةِ في حديثِه؛ أنّ هذا المكانَ كان عبارةً عن مجموعةٍ من البيوتِ المهدّمةِ، والأعشابِ الشوكيةِ الضارّةِ، وتناثُرِ القمامةِ، تمَّ ترميمُها وإعادةُ بناءِ ما أمكنَ من البيوتِ؛ مع الحفاظِ على المنطقةِ والزجاجِ والنافذةِ، واستغلالُ المكانِ الضيّقِ لإنشاءِ الحديقةِ العامةِ، وكانت هناكَ إضافاتٌ على النمطِ الشامي؛ كالنافورةِ في وسطِ الحديقةِ، وتمَّ استخدامُ حجارةٍ من نوعيةٍ خاصةٍ، وأحواضٍ أُنشئتْ حديثاً، وتمَّ اختيارُها بشكلٍ يناسبُ البلدةَ القديمةَ.
يُبيّنُ أنّ هذا الحيَّ يحملُ تاريخاً كبيراً لأهالي مدينةِ سلفيت؛ قبلَ الانتقالِ إلى أحياءٍ أخرى من المدينةِ، وما زال الحيُّ معموراً بالسكانِ، وهناكَ جهدٌ كبيرٌ من الأهالي للحفاظِ وإنجازِ هذا الترميمِ و تزيّينِ الحيِّ بالأشجارِ والورودِ” .
حسبَ الزبيدي؛ إنّ البلديةَ بصدَدِ استكمالِ عمليةِ الترميمِ؛ ستكونُ هناك ممراتٌ وجلساتٌ مناسبةٌ لذَوي الإعاقةِ، وإضافةُ مسابحَ مخصصةٍ للأطفالِ، وسيَتمُّ العملُ على ترميمِ المداخلِ والممراتِ بتصاميمَ هندسيةٍ مُعينة.
وختمَ حديثَه: إنّ هذه المشاريعَ ذاتُ أثرٍ كبيرٍ في حفظِ هويةِ وتاريخِ المنطقةِ، وتصَبُّ في خدمةِ الأهالي والسكانِ، الذين أصبحوا أنموذجاً يُحتذى به بترابُطِهم الاجتماعي، ومحلَّ تقديرٍ واهتمامٍ، فالبلدةُ القديمةُ هي كنزٌ للسياحةِ الداخليةِ، وعنصرُ جذْبٍ باتّجاهِ المدينةِ.