
“كوكون” هو الاسمُ الذي اختارتْهُ الشابّةُ شام أيمن البطنيجي (20عامًا)، من سكانِ حيِّ الشجاعيةِ شرقَ مدينةِ غزةَ؛ ليكونَ حُلمَها ومشروعَها الذي تطمحُ أنْ تُعانقَ فيه العالميةَ؛ عندما أطلقتْ ماركةَ الملابسِ الخاصةِ بها.
بدأتْ فكرةُ “شام” عندما دارَ نقاشٌ بينَها وبينَ والدِها حولَ جودةِ الملابسِ الموجودةِ في الأسواقِ، والتي لا تعبّرُ عن أفكارِ أوِ احتياجاتِ أو شغفِ الشبابِ، وتحوّلَ النقاشُ بعدَ أيامٍ قليلةٍ إلى فكرةِ مشروعٍ عمليّ أو حُلمٍ؛ بدأتْ تَجني ثمارَه بطلباتٍ باتت تَصلُها بالمئاتِ؛ ليس فقط من داخلِ قطاعِ غزةَ المحاصَرِ؛ بل من عدّةِ مُدنٍ من الضفةِ الغربيةِ، وعددٍ كبيرٍ من الدولِ العربيةِ.
بِدونِ رأسِ مالٍ
لا علاقةَ لدراسةِ “شام” بفكرةِ مشروعِها؛ لا من قريبٍ أو بعيدٍ، حيثُ تَدرسُ طبَّ الأسنانِ في إحدى الجامعاتِ المحليةِ، تقولُ لـ”السعادة”: “بدأتْ قصتي عندما كنتُ أشاهدُ برنامجاً على إحدى القنواتِ الفضائيةِ؛ يتحدثُ عن تاريخِ مؤسِّسي الماركاتِ العالميةِ للأزياءِ؛ حيثُ جذبَني الموضوعُ كثيراً؛ خصوصاً أنّ لديَّ هوايةَ اقتناءِ وتصميمِ الملابسِ منذُ صغري.
دفعَني ذلك إلى استشارةِ والدي في إمكانيةِ تنفيذِ فكرةِ تجهيزِ وتفصيلِ أنواعٍ معيّنةٍ من الملابسِ؛ ترقَى لمتطلّباتِ الفتياتِ في عمري، وتناسبُ أذواقَهم، وتعطي طابعاً جيداً عن المنتَجِ المَحليّ الفلسطيني.
وتضيفُ: “تشَجَّعَ والدي للفكرةِ بشكلٍ كبيرٍ؛ واصطحَبني معه إلى أصدقاءٍ له يعملونَ في تجارةِ الأقمشةِ؛ حيثُ أعجبتْني خاماتٌ معيّنةٌ من القماشِ؛ تميّزتْ بجودةٍ عاليةٍ؛ فقمتُ بشراءِ (100) كيلوجرام من هذا القماشِ؛ ثُم توَجّهتُ إلى أحدِ مصانعِ الخياطةِ؛ حيثُ اتفقتُ مع صاحبِه على توريدِ القماشِ له لخياطتِه بالتصميمِ الذي سأقدِّمُه له، وفِعلاً تمَّ إنتاجُ أولِ (150) قطعةً من براند (كوكون) بالشكلِ والتصميمِ الذي أريدُه”.
وتُتابعُ: “لم يكنْ هناك أيُّ رأسِ مالٍ للمشروعِ؛ حيثُ اتّفقتُ مع الجميعِ: صاحبِ القماشِ، ثمنِ وأجرةِ المصنعِ، وكلِّ من تعاملتُ معه؛ أنْ أقومَ بتسديدِ أموالِه فورَ تسويقِ الملابسِ وبيعِها؛ حيثُ أبدَى الجميعُ استعدادَهم للتعاونِ معي؛ وفعلاً تمَّ بيعُ الكميةِ كاملةً خلالَ أسبوعٍ واحدٍ فقط؛ وتمكّنتُ من سدادِ تاجرِ القماشِ، والمصنعِ؛ كما قمتُ بشراءِ كميةٍ جديدةٍ من القماشِ لاستكمالِ مشروعي”.
وتواصلُ: “قمتُ بشراءِ (1000) كيلوجرام قماش؛ وحتى الآن أنتجتُ منه حوالي (1500) قطعةٍ من الملابسِ؛ وأصبح الناسُ يطلبونَ منّي إنتاجَ (بلاطين، وجاكيتات، وطواقي) بعدَ أنْ اقتصرَ عملي حتى الآنَ على إنتاجِ “البلايز” فقط “.
موضّحةً أنّ حجمَ الإنتاجِ وصلَ إلى (150) قطعةً أسبوعياً؛ لكنها تضطّرُ إلى التوَقفِ عدّةَ أيامٍ لاختيارِ التصاميمِ والألوانِ، موَضّحةً أنها تَعرضُ منتجاتِها على موقعِ “الانيستجرام”؛ حيثُ يتمُّ البيعُ عبرَ “الإنترنت” وإيصالُ الملابسِ إلى مشتريها عبر “الديلفري”.
وأشارت “شام” إلى أنه بالرغمِ من صعوبةِ تخصُّصِها الجامعي، وضيقِ وقتِها المُستهلَكِ في المذاكرةِ؛ إلّا أنها استطاعت التوفيقَ بينَ دراستِها وعملِها؛ رغمَ أنها تعملُ وحدَها في تسويقِ مُنتَجِها.
قصةُ الشرنقةِ
أمّا عن اختيارِها لاسم (COCON)، فتقولُ: هي كلمةٌ فرنسيةٌ تَعني الشرنقةَ، وأنا منذُ الصغرِ مُولَعةٌ بالفراشاتِ وألوانِها وأجنحتِها وهدوئها؛ لكني اخترتُ اسمَ الشرنقةِ لتَشابُهِ الاسمِ مع واقعِ حياتِنا في قطاعِ غزةَ؛ حيثُ أنّ الشبابَ جميعاً كالشرانقِ.. لدَينا طموحُنا وأحلامُنا وأفكارُنا؛ لكنّ الحصارَ والاحتلالَ يقومُ بالالتفافِ علينا كما يلتفُّ الحريرُ على الشرانقِ، لكنّ الفرقَ أننا نبقَى في مرحلةِ الشرنقةِ؛ ولا نَكونُ فراشةً إلّا في حالاتٍ قليلةٍ تمَكَّنا من تمزيقِه، وتحدِّيه؛ حيثُ طِرنا وحلَّقنا عاليًا بإبداعاتِنا وقدراتِنا الكبيرةِ؛ علاوةً على أنّ الاسمَ سهلُ النطقِ والحفظِ.
ماركةٌ حقيقية
استعانتْ “شام” بمواقعِ التواصلِ الاجتماعي للترويجِ لمُنتَجِها؛ مشيرةً إلى أنها صُدمتْ من حجمِ الإقبالِ على شراءِ منتَجِها؛ موَضِّحةً أنّ لهفةَ الزبائنِ على منتَجِها _خاصةً من بعضِ أصحابِ محلاتِ الأزياءِ، الذين يطلبونَ منها أنْ توفّرَ لهم كمياتٍ وأعداداً كبيرةً من القِطعِ، بنفسِ التصاميمِ والجودةِ_ جعلَها مندفعةً لمضاعفةِ الكمياتِ المنتَجةِ؛ لافتةً إلى أنّ متابعي صفحتِها باتوا يطلبونَ منها التصاميمَ مُسبقًا قبلَ تجهيزِ الكميةِ الجديدةِ.
وحولَ أسعارِ منتجاتِها قالت “شام”: “الأسعارُ كانت في البدايةِ عالية نوعاً ما؛ لارتفاعِ تكلفةِ الإنتاجِ؛ حيثُ كانت تباعُ القطعةُ ب (70) شيكلاً؛ وذلك لأنني لم أكنْ أشترى كمياتٍ كبيرةً من القماشِ، والتي يحتاجُها المصنعُ لتشغيلِ ماكيناتِه؛ أمّا بعد ذلك قلَّ السعرُ؛ ووصل إلى (55) شيكلاً للقطعةِ الواحدةِ؛ وذلك بعدَ أنْ اشتريتُ كميةً أكبرَ من القماشِ؛ ساهمتْ في تقليلِ أجرةِ المصنعِ”.
وأوضحتْ “شام” أنها لا تنوي في الفترةِ الحاليةِ استئجارَ محلٍّ لعرضِ منتجاتِها من الملابسِ؛ نظراً لحاجتِها إلى طاقمٍ يساعدُها في إدارةِ مشروعِها من الألفِ إلى الياءِ؛ مُعرِبةً عن أملِها أنْ يتوسَّعَ عملُها؛ لتؤسِّسَ مشغلاً خاصاً، وتتنوّعَ منتجاتُه لتصبحَ ماركةً حقيقةً؛ تنتجُ لجميعِ الأعمارِ والمقاساتِ والأذواقِ.
وتطمحُ “شام” في أنْ تصبحَ “الشرنقةُ” الفلسطينيةُ من الماركاتِ العالميةِ؛ وتستطيعَ تصديرَ منتجاتِها بحُريّةٍ إلى بلادِ العالمِ، وكلُّها فخرٌ بعلامتِها الصغيرةِ “صُنعَ في غزة”.