Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافةوفن

الحرقُ على الخشبِ.. جسِد تُراثَ الماضي بعبق الحاضر

فن يحتاج إلى احتراف وذوق

 

 

الحَرقُ على الخشبِ عالَمٌ واسعٌ يفتحُ أبوابَه من كلِّ جانب وتراهُ يمتدُّ كلما تعمَّقنا فيه أكثر يحتاجُ لإبداعٍ يصاحِبهُ خيالٌ فنيٌّ لِمدَى بعيدٍ لا يقفُ عند حدٍّ معيَّن في معاييرِ الخطِ فوقَ الخشبِ، إمّا المُقتطَعُ من الشجرِ أو الخشبُ التجاري الرقيقُ المخصَّصُ للرسم.

كان “للسعادة” جولتُها داخلَ أحدِ الورشِ المختصةِ بالحرقِ على الخشبِ بالجامعةِ الإسلامية يوجدُ داخلَها مجموعاتٌ تعملُ على إنجازِ كميةٍ من المحروقاتِ الخشبيةِ التي تبدو كلوحاتٍ فنيةٍ تختصُّ كلُّ واحدةٍ منها بجمالِها الخاص تحتَ إشرافِ مدرِّب خاص .

يوجدُ هناك خمسٌ من النسوةِ والفتياتِ؛ يجتمعنَ حولَ بعضهِنَّ، يجلسنَ على المقاعدِ المخصَّصة تمسِكُ كلُّ واحدةٍ منهنَّ الكاوي وتحرِقُ فوق الخشبِ رسمةً خطَّتها بقلمِها الرصاص تسيرُ برفقٍ فوق الخطوطِ الرفيعةِ، وتقوّي نشاطَها عند المساحاتِ الواسعةِ، وتوسِّعُ مجالَ تحرُّكِ الكاوي بداخلِه .

                             

موهبة ومهنة

تجتهدُ “نبيلة اللبّان” التي بإنتاجِ كميةٍ من إكمالِ حرقِ خارطةِ فلسطين التاريخيةِ، بعد أنْ انتهتْ من قصِّ الجسمِ الخارجيّ لها برفقةِ زميلاتِها الخمسِ وتبدو منسجمةً في حرقِها على الخشبِ؛ لثقتِها بأنها تمتهنُ مهنةً تضعُ موهبتَها وبصمتَها بداخلِها.

تقول نبيلة :”حصلتُ على دبلوم رياضةٍ منذ فترةٍ طويلة, ولكنْ التحقتُ بالأعمال الفنيةِ التي وجدتُ فيها ذاتي؛ من خلال تطويرِ مهارتي بالدوراتِ التدريبيةِ المكثّفة , وكنتُ قد انسجمتُ في واقع الحرقِ على الخشبِ، الذي بات ينعشُ السوقَ بموادِه الجذّابة”.

تتابع “نبيلة” حديثَها وهي تشيرُ لأحدِ أعمالِها الفنيةِ بمشاركةِ الصديقات:” قُمنا بتنفيذِ الحرقِ على الطاولات الخشبيةِ بالهندسةِ الإسلاميةِ المعهودة” , “كما وسأحاولُ أنْ أساعدَ نفسي بعملِ مشاريعَ خاصةٍ بي، وتسويقِها لأستفيدَ منها ماديا، وأرنو فيها واقعًا”

تختمُ “نبيلة” حديثَها بقولها :”الكثيرُ مِنا ينتهي من دراسةِ تخصُّص مُعيَّن بانتظارِ وظيفةٍ حكوميةٍ أو غيرِها , وبدلاً من أنْ أبقَى عاطلةً عن العملِ؛ سعيتُ لإيجادِ البديلِ، واستفدتُ من قُدراتي، وتعلّمتُ فنَّ الحرقِ على الخشبِ .

متعة المهنة

في حين ترتسمُ كفاح بسمتُها على شفتَيها ومن أمامِها لوحاتُها الخشبيةُ قد حرقتْ أجزاءً منها وتقول:”شيءٌ ممتعٌ ورائعٌ أنْ تمارسَ عملاً تحبُّه وتنسجمُ بين ثناياهُ فأكونُ غايةً في المُتعةِ حينَ أنتهيَ من عملِ لوحةٍ، وأشعرُ بأنني قد أنجزتُ ووضعتُ بصمتي الخاصةَ عليها”.

وتتابع:”أحبُّ رسمَ الورودِ، وأتقنُ انسجامَها ومن ثَمَّ حرقَها وأطمحُ لإتقانِ رسمِ الوجوهِ والشخصيات، وبعدَ فترةٍ من العملِ في مشروعِ الجامعةِ الإسلاميةِ “إرادة ” ؛سأحاولُ عملَ شيءٍ مُستقلٍّ بذاتي، لأتمكنَ من الامتهانِ بالحرقِ والرسمِ، وأحاولَ أنْ أجعلَه مصدرَ دخلٍ لي ولأُسرتي “.

وتقول :”كلما سمحتْ لي الحياةُ بتعلُّمِ المزيدِ من الأمورِ الفنيةِ؛ فلن أُقصِّرَ وسأستمرَّ حتى أصلَ مرحلةَ الاحترافِ في الرسمِ والحرقِ “.

تمسكُ “كفاح” وزميلتُها “نبيلة” ببعضِ إنجازاتِهما المحترقةِ بإتقانٍ  كعملِ أدواتٍ مكتبيةٍ خشبيةٍ، وعملِ معلّقاتٍ خشبيةٍ بخطوطِ آياتٍ من القرآنِ الكريمِ؛ تُعلَّقُ في البيوتِ والأماكنِ الهادئة , وعملِ الخرائطِ التي تُقبِلُ عليها الوفودُ الخارجيةُ من كافةِ الدولِ نحوَ قطاعِ غزة .

اخترقتْ “السعادة” أجواءَ التركيزِ التي تغمُرُ الفنانَ “ناجي نصر” وهو يحاولُ إضفاءَ لمساتِه الأخيرةِ بالكاوي الحارقِ على لوحتِه الخشبيةِ في محاولةٍ منه لنقلِ رسمَ الفنانِ الشهيرِ “فتحي غبن”.

وتجسِّدُ اللوحةُ صورةَ امرأةٍ تُمسِكُ بِعصاتِها بملامحِ الغضبِ، وهي تتبعُ أغنامَها في أرضٍ تبدو قاحلةً في فصلٍ خريفيٍّ , تحيطُها تلالٌ كبيرةٌ بعيدةٌ بأشجارِ لا تمتلكُ أيَّ ورقةٍ خضراءَ .

                   

الخيال الواقعي

الفنّان “ناجي نصر” يقول :”أحرِصُ دائماً على أنْ تكونَ القضيةُ الفلسطينيةُ حاضرةً في لوحاتي الفنيةِ “, ويشيرُ للكثيرِ من أعمالِه المحيطةِ بمكتبهِ الفنيِّ قائلاً :”هذه القدسُ بساحتِها، وهذه امرأةٌ تُمسكُ الصوفَ، وتُنتجُ لُقمةَ عيشِها , وهذا طفلٌ حزينٌ , وهذه لوحةٌ تجسّدُ الطربَ من خلالِ العزفِ على الرَّبابة”.

ويستوحي الفنانُ “نصر” رسوماتِه إمّا من الخيالِ الواقعي الذي يحياهُ بين ثنايا القضيةِ الفلسطينيةِ , وإمّا بتقليدِ كبارِ الفنانينَ الذين اشتهروا بتميُّزِ لوحاتِهم الفنيةِ المعبِّرة”.

ويحاولُ “نصر” أنّ ينمِّي داخلَ طفلِه موهبةَ الرسمِ؛ بإحضارِ كلِّ مستلزماتِ الفنِّ , لِيتبَعَه في مهنةٍ أَحبَّها وأحبَّ امتهانَهُ لها في كلِّ الأحوال “.

يغلبُ على مضامينِ معظمِ المحروقاتِ الخشبيةِ طابَعُ القضيةِ الفلسطينية , فكان “رمزي التلباني” صاحبُ الـ21عاماً قد ركّزَ جهدَه بتجسيدِ واقعِ الأَسرى داخلَ السجونِ الصهيونيةِ، من خلالِ حَرقِه لِرَسمٍ خَطَّهُ على لوحِهِ الخشبيِّ لمجموعةٍ من الأَسرى المُكبَّلينَ تحتَ وَطأةِ السجّانِ .

يقولُ “رمزي التلباني” الملتحِقُ بمشروعِ “إرادة” في الجامعةِ الإسلاميةِ :”أُمارسُ الحرقَ على الخشبِ كَهُوايةٍ ومهنةٍ أستفيدُ منها؛ بعدَ أنْ أُصِبتُ في حربِ الفرقانِ”.

لِتُدقِّق النظرَ مَليّاً في امتلاكِ أحدِهم لآلةِ الكيِّ الموصولةِ بالكهرباءِ؛ مُسنِداً أسفلَها لوحتَه التي بدأ بحرقِ خطوطِها الوهميةِ الخَفيّةِ خشبٌ بقسمِ المِهنِ الهندسيةِ للكليةِ الجامعيةِ، يمسكُ آلةَ الكَيِّ لِحرقِ أجزاءٍ من خشبةٍ بيضاءَ؛ تبدو لإنسانٍ لا يملكُ الخبرةَ، إنه يرسمُ شكلاً عشوائياً ليُفاجَأ بأنه أنتجَ منظرًا لم يكنْ متوقَّعاً “.

يقولُ اللدعة لـ السعادة:”لا يمكنُ الحرقُ بإتقانٍ على كافةِ أنواعِ الخشب ولكنّ الخشبَ الأكثرَ استخداماً في الحرقِ هو خشبُ “الأبلكاجِ” الأبيضِ الذي بِسُمكِ 4ملم , ويمكنُ الرسمُ على جِذعِ شجرِ الزيتونِ؛ بعد بَرْدِه وجعْلِه أكثرَ مَلاسةً”.

يتابع اللدعة :”الحرق على الخشب يحتاج تمكنا في الرسم الحُرِّ أولا , لأنه بالحرقِ لا يمكنُ مسحُ الخطوطِ بعد حرْقِها، و يصعبُ التعديلُ عليها من خلالِ الكاوي، وهي متعددةُ المقاساتِ في حجمِ حافةِ الحارق”.

وحسَبَ “اللدعة” بأنّ الحرقَ على الخشبِ يتعلقُ بأعمالِ التراثِ , والذي يغلبُ عليه درجاتُ اللونِ البُنيِّ الذي يعطي رونقاً خاصاً للوحةِ الفنيةِ؛ التي لها أبعادٌ ورموزٌ لا يفهمُها العاديّونَ من الناس”.

دمج الألوان

ويعلّقُ “اللدعة”: الحرقُ على الخشبِ بالأذواقِ الخاصةِ بالفنانِ الذي يمكنُه دمْجُ بعضَ الألوانِ المائيةِ برفقةِ الحرقِ على لوحِ الخشب , أو دمْجِ ألوانِ الخشبِ مع الحرقِ , كما ويمكنُ استخدامُ الحرقِ على الخشبِ على الديكورِ والأثاثِ المنزلي، والذي يُضفِي جوًا ورونقاً خاصاً على الخشب .

يقولُ “اللدعة” أنَّ للحرقِ على الخشبِ بعضَ الميزاتِ؛ التي ترفعُ من درجةِ جاذبيةِ اللوحةِ من خلالِ استخدامِ أسلوبِ “التهشير” وهو الضربُ برِفقٍ لدمجِ اللونِ المحروقِ بجزءٍ آخَرَ من اللوحةِ، ما يعطي لوناً من الانسجامِ، ويسمحُ بالانتقالِ إلى عنصرٍ آخَرَ داخلَ اللوحةِ وإمّا بطريقةِ التنقيطِ المكثَّفِ أو المتفرِّقِ والكثيرِ من الطرُق .

المدرّبُ المعتمَدُ في الحرقِ والحفرِ على الخشبِ “رامي الشرقاوي” كان ممن أسَرتْ الموهبةُ عقولَهم، وجعلتْهُ يعملُ بحقلِها على مدارِ سبعةَ عشرَ عامًا حيثُ بدأ منذُ صِغرِه بالبحثِ عن الخشبِ والإبداعِ على وجهِها بالحرقِ والحفرِ .

وبدأ “الشرقاوي”عملَه بفنِّ “الأرَبِسك”، وهو عملُ الأبَجوراتِ الخشبيةِ حتى عملتُ في حقلِ التُحفِ والهدايا بكافةِ أشكالِها وأنواعِها، وانتشرتْ في السوقِ التجاري، وأقبلَ عليها الكثيرُ من الناس .

ويحاولُ “الشرقاوي” مشاركةَ كافةِ أفرادِ عائلتِه في أعمالِه الفنيةِ في الحرقِ ويرى بأنهم جميعاً أصبحوا هُواةً بالحرقِ وبالإبداعِ على الألواحِ الخشبية, حيثُ أنه يُخصِّصُ ورشةَ عملٍ صغيرةٍ لأعمالِه الفنيةِ بمشاركةِ زوجتِه وأبنائه والجميعِ .

فخر الصناعة المحلية في أـسواق مدينة غزة أصبح الطابع الأكثر انتشارا والأكثر قبولا بين الناس  والأخشاب على وجه الخصوص تضفي أدوات فخرية على الأثاث المنزلي أو المكتبي أو غيرها من الاستخدامات المطلوبة في الحياة اليومية ومناسبات الاهداءات وغيرها .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى